الأحزاب الكردية السورية بالعشرات.. وتشتتها يضعف صوتها في المعارضة

معظمها يعاني من ديكتاتورية القرار السياسي والحزبي وافتقاد شبه تام للقرار الجماعي باستثناءات قليلة جدا

صورة مأخوذة من اليوتيوب ويبدو فيها عشرات الآلاف يتظاهرون في القامشلي أمس
TT

رغم منع السلطات السورية الأحزاب الكردية من العمل بشكل قانوني، فقد برزت الأحزاب الكردية كطرف أساسي في المعارضة السورية في الأزمة الحالية. إلا أن كثرة الأحزاب الكردية التي تعدّ بالعشرات، والتي يعمل معظمها من دون ترخيص، يجعل الصوت الكردي منقسما. فبينما شاركت مثلا عدة أحزاب كردية في مؤتمر أنطاليا، أول مؤتمر للمعارضة السورية منذ اندلاع الاحتجاجات، قاطعته مجموعة من الأحزاب بسبب انعقاده في تركيا بسبب مواقفها من القضية الكردية.

والملاحظ في الخارطة السياسية للأحزاب والقوى الكردية التي رسمتها «الشرق الأوسط» بالاستناد إلى مصادر متعددة في تلك الأحزاب، أن الكثير من الأحزاب الكردية تتشابه في الأسماء وفي البرامج السياسية التي تطرحها. وقد يكون هذا ناجما عن أن معظم تلك الأحزاب والتي نشأت خلال السنوات الأخيرة، إنما هي أحزاب أو أجنحة منشقة عن الأحزاب الأم، شأنها شأن معظم الأحزاب الكردية الأخرى في المنطقة. ولعل سبب تتابع تلك الانشقاقات، هي مشكلة الزعامات وصيغة اتخاذ القرارات السياسية داخل تلك الأحزاب والتي تتمحور بمجملها حول زعيم الحزب وبشكل صارم في المركزية.

فمعظم الأحزاب الكردية تعاني من ديكتاتورية القرار السياسي والحزبي، وافتقاد شبه تام للقرار الجماعي، باستثناءات قليلة جدا، خصوصا في السنوات الأخيرة حيث تأثرت بعض هذه الأحزاب بأحداث العالم وانفتاح المجتمعات على تطورات العصر.

ففي سوريا، هناك ما يقرب من 20 حزبا سياسيا كرديا معلنا عدا عشرات المنظمات والتجمعات السياسية الصغيرة الأخرى، يجمعها كلها قاسم مشترك، وهو النضال في سبيل الحصول على الحقوق القومية. ولا تكاد تختلف حتى مناهجها وبرامجها ورؤاها السياسية بعضها عن بعض، وهو دليل على أن جميع تلك الأحزاب التي نشأت من تحت عباءة الأحزاب الكبيرة، إنما هي بالأساس أجنحة انشقت عنها بسبب تفرد الزعامات بالقرار السياسي.

تأسس أول حزب سياسي كردي في سوريا تحت اسم «بارتي ديمقراطي كردستان»، أو «الحزب الديمقراطي الكردستاني» عام 1957، على يد نخبة من المثقفين والمناضلين الأكراد، لعل أبرزهم اوصمان صبري الذي يعد رمزا للأكراد السوريين والمؤسس الأول للحزب. وقد شغل منصب السكرتير العام للحزب. يليه الدكتور نور الدين ظاظا الذي انتخب فيما بعد رئيسا للحزب، أما أعضاء الهيئة التأسيسية الآخرون الذين حضروا جلسة التأسيس فهم: محمد علي خوجة ورشيد حمو وحمزة نويران وخليل محمد وشيخ محمد عيسى وحميد درويش وشوكت حنان.

ويعود تاريخ أول انشقاق في صفوف الحركة السياسية الكردية إلى عام 1965 عندما عقد كونفراس الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحول الحزب فيه إلى جناحين، حيث خرج اليساريون من الحزب وشكلوا جناحا منشقا عن الحزب الأم. وفي عام 1970 وبمبادرة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة الزعيم الكردي الكبير الملا مصطفى بارزاني والد رئيس إقليم كردستان الحالي مسعود بارزاني، عقد مؤتمر توحيدي في منطقة ناوبردان معقل بارزاني في تلك الفترة. ولكن المؤتمر بدل أن ينجح في توحيد الحزب واستعادة الجناح اليساري، انقسم إلى ثلاثة أجنحة منشقة، وتشكل بذلك الحزب التقدمي الديمقراطي الذي يقوده حاليا عبد الحميد درويش كجناح يميني، والآخر هو الحزب اليساري الحالي الذي يقوده حاليا محمد موسى.

وانعكست تلك الخلافات الطويلة بين الأحزاب الكردية رغم أنها كلها عارضت نظام الأسد الأب والابن حاليا، على وضعية تلك الأحزاب. وألقت الخلافات بظلالها على توحيد الموقف الكردي مما يجري حاليا في سوريا من انتفاضة شعبية. وفشلت تلك الأحزاب بالخروج بموقف موحد من تشكيل هيئة تنسيق جامعة للأحزاب الكردية، رغم انضواء 11 حزبا كرديا تحت لواء مبادرة القامشلي التي تعتبر خطوة مهمة باتجاه توحيد الموقف الكردي من الأحداث الراهنة.

وفشلت هذه الأحزاب في توحيد موقفها في ما يتعلق بتشكيل هيئة التنسيق الوطنية لتوحيد الصف الكردي السوري وقيادة الدور الكردي في خضم الأحداث الحالية. فمن مجموع 11 حزبا وقعت خمسة أحزاب فقط على وثيقة تشكيل الهيئة وهي: حزب اليسار الكردي بقيادة محمد موسى، وحزب اليكيتي الكردي بزعامة إسماعيل حمي، وحزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، والحزب الديمقراطي الكردي بقيادة نصر الدين إبراهيم، والحزب الديمقراطي الكردي السوري بقيادة جمال شيخ باقي، فيما امتنعت ستة أحزاب أخرى عن توقيع الوثيقة وهي: حزب الوحدة الديمقراطي الكردي (اليكيتي) في سوريا بزعامة محيي الدين شيخ آلي، والحزب الديمقراطي الكردي في سوريا بقيادة عبد الحكيم بشار، وحزب آزادي الكردي بقيادة خير الدين مراد، وحزب المساواة الكردي بقيادة عزيز داود، والحزب الوطني الديمقراطي الكردي بقيادة طاهر صفوك، والحزب التقدمي الديمقراطي بقيادة عبد الحميد درويش.

وحول أسباب الخلافات بشأن تشكيل هيئة التنسيق الوطنية، كشف سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا عبد الحميد درويش في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط» عن أن سبب عدم انضمامنا يعود لعاملين اثنين: الأول هو عدم رغبتنا في تقسيم صفوف المعارضة الوطنية. والثاني هو ضرورة الاعتراف بحقوق الكرد بشكلٍ واضح وتفصيل هذه الحقوق بشكل جلي». ولكن القيادي في الحزب اليساري الكردي المعارض شلال كدو قال في تصريح حول الموضوع ذاته: «رغم أن الأحداث بدأت تتطور بشكل دراماتيكي لافت، وأخذت السيناريوهات المحتملة لمستقبل البلد تتضح أكثر فأكثر، فإن المعارضة السورية ما زالت حبيسة خلافاتها المزمنة وهي في طور التشكل، لا بل إن المعارضة العربية المترامية الأطراف ألقت بظلالها على المعارضة الكردية الموحدة أيضا، وبدأت الأخيرة تتأثر بشكل واضح بخلافات وتباينات شقيقتها الوطنية أو العربية».

لكن علي شمدين القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي السوري يرى أن حزبه جزء من إعلان دمشق قبل أن يكون جزءا من أي هيئة جديدة تتشكل في سوريا على خلفية الأحداث الجارية هناك، وأن حزبه حريص على عدم تهميش أطراف إعلان دمشق الذي تأسس منذ عام 2005 ولعب دورا هاما في النضال من أجل التغيير الديمقراطي السلمي في سوريا، إلى جانب كونه إطارا سياسيا لا يستهان به في الساحة الوطنية السورية. وقال: «كنا نسعى ونحاول مع أطراف إعلان دمشق للانضمام إلى هذه الهيئة وكانت وجهات نظرنا متقاربة جدا، لكن الإخوان الآخرين سارعوا بإعلانهم عن تشكيل الهيئة وهذا ما أثر سلبا على المعارضة الكردية».

من الجدير ذكره أن جميع الأحزاب الكردية كانت تتسم بموقف موحد إزاء التعاطي مع الأحداث في بداية انطلاقتها بسوريا، رغم الخلافات التي حصلت بينها حول مسألة الحوار والتفاوض مع نظام الأسد الذي أدى تغليبه الحل الأمني لحسم الأزمة في البلاد، إلى تراجع بعض أطراف المعارضة الكردية عن دعم الحوار مع النظام. وكانت مبادرة القامشلي التي وقعتها الأحزاب الـ11 الحدث الأبرز لتجسيد وحدة الموقف الكردي، ولكن الخلافات التي عصفت بتلك الأحزاب عند تشكيل هيئة التنسيق الوطنية، أضعفت كثيرا ذلك الموقف الكردي الموحد. وقد تكون تلك الخلافات العنوان الأبرز للفترة المقبلة من تعاطي تلك الأحزاب مع الحدث السوري الراهن.