هل تصبح فضيحة القرصنة «ووتر غيت» بريطانيا؟

ريبيكا بروكس قد تستقيل قريبا وتقول إن الصحيفة أصبحت «منتجا مسموما» وأحد الصحافيين يصف المكان بأنه مثل «ساحة جريمة»

ريبيكا بروكس الابنة المدللة لروبرت مردوخ
TT

ما الجديد بجعبة أندي كولسون، رئيس تحرير صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، التي سيصدر آخر أعدادها، اليوم الأحد، بعد 168 سنة من النشر والتحريات الصحافية؟ وهل سيقبل أن يكون كبش الفداء ويلتزم الصمت بخصوص الخروقات التي مارستها الصحيفة، وقد يكون قد اقترفها بنفسه بالتعاون مع آخرين؟ أم أنه سيبوح ويورط الآخرين، مثل زميلته ريبيكا بروكس «الابنة المدللة»، ورئيسة التحرير السابقة لنفس الصحيفة التي تتسلط عليها حاليا الأضواء؟ والتي سيحضر روبرت مردوخ إلى لندن لإنقاذها، أو ربما للتخلص منها.

لا أحد يعرف بماذا سيبوح كولسون. لكنه وعد وهو في طريقه لمغادرة قسم الشرطة بعد أن ألقي القبض عليه قائلا: «هناك الكثير من الأمور التي أريد أن أفصح عنها.. لكنني لا أستطيع ذلك هذه المرة».

وأشارت تقارير إلى احتمال أن تكون ملايين الرسائل الإلكترونية المتعلقة بالفضيحة قد تم التخلص منها في الصحيفة في مسعى لعرقلة تحقيقات الشرطة. وقالت المتحدثة باسم مؤسسة «نيوز إنترناشونال»: «هذا التأكيد محض هراء.. لقد تبنينا سياسة استعادة للبريد الإلكتروني موثقة.. إننا نتعاون بشكل فعال مع الشرطة، ولم ندمر أي دليل».

وأحجمت الشرطة عن التعليق على المزاعم، وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بأن «سكوتلانديارد» ألقت القبض أمس على رجل، 63 عاما، لم تذكر اسمه، كان آخر ضحايا فضيحة التنصت، إذ وجهت له اتهامات بدفع رشى لضباط الشرطة، غير أنه أفرج عنه بكفالة في وقت لاحق.

في شهادته السابقة أمام اللجنة البرلمانية، التزم الصمت ونفى أن يكون قد قام بأي خروقات قانونية، أو أي معرفة بممارسات القرصنة، عندما كان يجلس إلى جانب بروكس خلال مساءلة الاثنين أمام اللجنة المسؤولة عن هذا الملف. لكن تبين أن ملفات القرصنة، لم تكن محصورة في بعض الأسماء من مشاهير وسياسيين وأبناء العائلة المالكة، وتبين أن القضية أكبر من ذلك بكثير بعد أن فضحت صحيفة الـ«غارديان»، من خلال تحرياتها الأخيرة، الممارسة الواسعة للتنصت للصحيفة، خصوصا خلال تربع بروكس على عرشها، وتبين أن القوائم التي بحوزة الشرطة تحتوي على أكثر من 4000 اسم، كما ذكر جهاز سكوتلانديارد، من سياسيين ومشاهير وعامة الناس من ضحايا جرائم القتل، وأهالي الجنود الذين قتلوا في أفغانستان والعراق، وحتي التفجيرات الإرهابية في لندن. فضيحة القرصنة الصحافية والتنصت قد تأخذ منعطفا سياسيا يعيد إلى الأذهان فضيحة «ووتر جيت» التي هزت المؤسسة الأميركية في سبعينات القرن الماضي. وبدأت المؤسسات البريطانية المختلفة تتكلم بصراحة عن حجم الفضيحة التي لم تعد تخص خروقات قانونية وتنصت على بعض المشاهير، قام بها بعض «المراسلين المارقين» من أجل سبق صحافي.

القضية انتقلت لتثير علامات استفهام حول قنوات طريقة عمل الصحافة والعلاقة المنفعية، والفساد السياسي، والتواطؤ بين السلطة السياسية والسلطة الرابعة، التي استخدمت الآلة السياسية في منافعها الاقتصادية مثل صفقة الاستحواذ على «بي سكاي بي» لروبرت مردوخ رئيس «نيوز كوربورشن» المالكة لـ«نيوز إنتورناشونال» التي تملك الصحيفة المذكورة.

الاعتقالات التي قامت بها الأجهزة الأمنية، أول من أمس، والتي طالت لحد الآن ثلاث شخصيات مهمة في القضية، منهم آندي كولسون، وسببت إحراجا سياسيا لرئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لأنه عمل مديرا لمكتبه في مقر رئاسة الوزراء، واعتبرت نقطة مفصلية من قبل الكثير من المراقبين والمحللين للحكومة الائتلافية، وكذلك كلايف غودمان مراسل الصحيفة السابق للشؤون الملكية، الذي اعتقل سابقا ومكث أربعة أشهر في السجن بسبب القرصنة على أبناء العائلة المالكة عام 2007، وكذلك شخص ثالث عمره 63 عاما، لم توضح هويته. وجميع هؤلاء أطلق سراحهم بكفالة إلى أن يتم تقديمهم للمحاكمة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

كولسون الذي التزم الصمت. قد يورط بروكس في القضية، التي نفت نفيا قاطعا أن يكون لها أي علم بالقضية، وأنها لم تخول أي شخص بالقيام بالتنصت على أي شخصية، على الرغم من أنها عملت رئيسة تحرير للصحيفة عام 2002، عندما اختفت الطفلة ميللي داولر. وتتهم الشرطة محققي الصحيفة بالتنصت على الهاتف الخلوي الخاص بها بعد أن اختطفت هذه المراهقة، 13 عاما، وقتلت بعد اختفائها ضمن اتهامات أخرى. وقد اعترف أحد المحققين العاملين بالصحيفة بذلك، وصرح غلين مولكير في مقابلة مع «بي بي سي» بأنه نادم على «الجرح والضيق» الذي قد يكون قد تسبب فيه نتيجة أفعاله، لكنه أشار إلى أنه تعرض لـ«ضغط شديد» من أرباب العمل لتحقيق «نتائج».

هل اعتقاله ثانية قد يزيد من الضغط عليه ليبوح هو الآخر، مثلما وعد كولسون، ببعض المعلومات التي قد تؤدي إلى اعتقال ريبيكا بروكس، التي تعمل حاليا مديرة تنفيذية لـ«نيوز إنترناشونال» وكشف ما كانت تعرفه؟ وربما أيضا اعتقال الابن الأصغر لروبرت مردوخ، جيمس مردوخ الرئيس التنفيذي للمؤسسة التي تملك «نيوز أوف ذي وورلد» و«ذي صن» الشعبية وكذلك «ذي تايمز»، وعدد الأخيرة الأسبوعي «صانداي تايمز».

أسبوع حافل ودراما مستمرة، من اعتقالات وإغلاق واحدة من أشهر صحف العالم وأقدمها، لكن غاب مردوخ الأب عن الأنظار، وقضى أغلب الأسبوع الماضي في مؤتمر في «صن فالي» بولاية أيداهو الأميركية.

وسيصل إمبراطور الإعلام الأسترالي الأصل روبرت مردوخ، 80 عاما، بعد يومين من قراره المفاجئ بإغلاق الصحيفة، التي تبيع أكثر من مليونين و800 ألف نسخة. ورفضت «نيوزكورب» التعليق على برنامج زيارته. ويعتقد الكثير من المعلقين أن مردوخ يرغب في إنقاذ عرض «نيوزكورب» بشراء 61 في المائة في مجموعة «بي سكاي بي»، وقال محللون ومستثمرون إن الصفقة قد تتعرض للخطر إذا ما فرضت الجهات التنظيمية البريطانية قواعد أشد ردا على المخاوف الجديدة بشأن نطاق سيطرة «نيوزكورب» في الإعلام البريطاني.

وحث حزب العمال المعارض الحكومة البريطانية، أمس السبت، على تعيين قاض ليرأس التحقيقات في الفضيحة. وتأتي دعوة الحزب المعارض الذي يحاول هز ثقة الحكومة بسبب علاقات الصداقة والمراوغة بخصوص صفقة الاستحواذ على تلفزيون «سكاي». وتعهد رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، بـ«التوصل لحقيقة» هذه المسألة «المدمرة والحقيرة» التي هزت الحكومة، والتي شهدت اعتقال واحد من أقرب مستشاريه السابقين. كما وعد كاميرون، ببحث العلاقة «الحذرة للغاية» بين الإعلام والساسة. وقال كاميرون أمس: «المسؤولية تقف هنا عندي أنا»، وأضاف أنه يتحمل «كامل المسؤولية» عن تعيين أندي كولسون في مكتبه.

وأظهرت الاتهامات التي برزت على السطح، الأسبوع الماضي، نتيجة التحقيقات المتواصلة التي تجريها الشرطة، أن عمليات التنصت من قبل «نيوز أوف ذي وورلد» لم تقتصر على الهواتف الخلوية الخاصة برجال السياسة والمشاهير فحسب، بل شملت حتى ضحايا الجرائم. وخسرت الصحيفة الكثير من عقود الإعلانات بسبب الفضيحة، وفي النهاية قرر مردوخ إغلاقها.

أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، تشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة قاض كما طالبت المعارضة، وذلك بالتزامن مع تحقيق تجريه الشرطة. وقال رئيس الحكومة: «لن نهمل شيئا». وقد طالبت المعارضة وعدد من النواب بإنشاء هذه اللجنة منذ أيام، بعد الجدل الذي أثارته المعلومات الأخيرة حول عمليات تنصت مارستها الصحيفة على أقرباء ضحايا جرائم قتل، وجنود قتلوا في العراق وأفغانستان. وأعلن كاميرون أيضا فتح تحقيق آخر حول أخلاقيات الصحافة وثقافتها، معترفا بالتقصير من قبل لجنة مراقبة وسائل الإعلام، وهي الهيئة الحالية لتنظيم عمل الصحافة.

وأعلنت سو إيكرز، مساعدة رئيس جهاز شرطة لندن، أن جهازها يقوم حاليا بدراسة أكثر من 11 ألف صفحة تحتوي على 4000 اسم قد تكون لها علاقة بقضية التنصت الذي قامت به صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد». وقالت إن طاقمها سيقوم بالاتصال بكل شخص يرد اسمه في قوائم المعلومات الشخصية التي تم احتجازها لدى الجهاز منذ 2005.

وقد أثار مالكها، روبرت مردوخ، مفاجأة الجميع، الخميس، بقراره إقفال الصحيفة، واجهة إمبراطوريته الإعلامية، بعد موجة الاستياء الناجمة عن الكشف عن آخر المعلومات المتعلقة بممارساتها، بعد 168 سنة من النشر وتمتعها بأعلى مبيعات لأي صحيفة أسبوعية سيسدل الستار عليها ابتداء من اليوم الأحد. وكان قد فاجأ جيمس مردوخ العاملين عندما أعلن أمامهم أن اليوم الأحد سيكون آخر يوم تصدر فيه الصحيفة. ويقال إن كلماته نزلت مثل الصاعقة عليهم، ووصف بعضهم اللقاء بأنه كان يغلفه الغضب والحزن. وحضرت ريبيكا بروكس اللقاء، وتكلمت هي الأخرى مع الطاقم. وقال جيمس الابن: «عندما أقول للناس إنني فخور أن أكون جزءا من «نيوز كوربورشن»، أعني بذلك التزامنا بالكلمة الحرة التي تميزنا عن غيرنا.. لقد رحبنا بالتحقيقات المقترحة حول عمل الصحافة والمبادئ التوجيهية في المهنة، وسوف نتعاون بشكل كامل معها. وكما قلت، لقد اقترفنا بعض الأخطاء. وأتمنى منكم جميعا في داخل وخارج الشركة أن تعرفوا أننا سنعمل ما بوسعنا من أجل تصحيحها، ونتأكد أن لا تتكرر».

وقالت ريبيكا بروكس للعاملين إن الشركة الناشرة للصحيفة قد قررت إغلاقها بعد أن أصبحت «ناتجا مسموما» بسبب هذه الفضيحة. وقد تأسفت بروكس لـ250 صحافيا في الصحيفة، وكانت تتكلم معهم في مكاتب الشركة في ووبينغ في شرق لندن، وكان يقف إلى جانبها جيمس مردوخ الذي كان محاطا بالحرس الخاص. وكانت تتكلم معهم للمرة الثانية بعد يوم من إعلانها إغلاق الصحيفة. وكانت قد أغلقت الصحيفة حسابات العاملين على «تويتر». كما كان يقف إلى جانب بروكس، رئيس التحرير الحالي للصحيفة، كولين مايلار. ويقال إن العاملين رحبوا بكلمة رئيس التحرير بحماس عندما تكلم معهم، أما عندما تكلمت بروكس، فقد واجهت البرود وبعض التهكم.

كما قال بعض الصحافيين إنها لم تجب على بعض الأسئلة، لكن وجودها في المكان كان ينبئ باستقالتها قريبا. وقالت إنها ترفض الاستقالة بناء على اتهامات غير مثبتة. ورد أحدهم متهكما، لكنك قررت إغلاق الصحيفة على اتهامات غير مثبتة. وأضاف صحافي آخر قائلا: يمكن وصفنا جميعا بأننا «ناتج مسموم» وأن مكان الصحيفة أصبح مثل «ساحة الجريمة». وعلى الرغم من المأساة الإنسانية التي قد تواجه العاملين، على الرغم من الوعود بأن «نيوز إنترناشونال» قد تجد أماكن لهم في مطبوعات الصحيفة الأخرى، وهذا ما قالته لهم بروكس، فإن العاملين قالوا إنهم يريدون أن يكون عدد اليوم تاريخيا، وقالوا إنهم سيعملون على إخراج عدد لا مثيل له.