فضائح التنصت تشكل اختبارا لنجل مردوخ.. وحقيقة القرار اقتصادية أكثر منها أخلاقية

جيمس بين مكانة القائد الحاسم وصورة الابن الفاسد

TT

جمع جيمس مردوخ كبار مسؤوليه التنفيذيين في غرفة الاجتماعات الموجودة بالطابق الأعلى من مقر «نيوز كوربوريشن» في لندن مساء يوم الخميس، ليطلعهم على القرار الخطير الذي يخص إغلاق صحيفة التابلويد التي يعود تاريخ إنشائها إلى 168 عاما ماضية في خضم فضيحة التنصت على الهواتف، رغم أن هذه الصحيفة تعد القلب الأصلي لإمبراطورية مردوخ في بريطانيا.

وقبل ساعات من الاجتماع، كان جيمس قد أجرى اتصالا هاتفيا بوالده روبرت، وكبير مساعديه، تشيس كاري من لندن إلى «صن فالي» بإيداهو، حيث كانا يحضران اجتماعا ونجح في إقناعهما بوجهة نظره، طبقا لما ذكره مصدران مطلعان. وقد جاء هذا القرار في ظل ضغوط من أجل إنهاء الفضيحة والحفاظ على صفقة مربحة تتعلق بشركتهم للخدمات التلفزيونية المدفوعة الأجر، وقد حث جيمس مردوخ على إغلاق الصحيفة معتبرا ذلك خطوة ضرورية لاستعادة الاحترام للشركة، حسب ما أفاد المصدران.

والآن يواجه جيمس مردوخ اختبارا جديدا في إطار سعيه إلى تولي إدارة شركة والده يوما ما وإنقاذ أكبر صفقة في تاريخ مردوخ، وهي صفقة الاستحواذ على شركة «بريتيش سكاي برودكاستنغ»، أو «بي سكاي بي»، بقيمة 12 مليار دولار. فمع اتساع دائرة الفضيحة بإلقاء القبض على اثنين من الموظفين السابقين وظهور اتهامات جديدة بمحاولة إعاقة مسار التحقيقات، يقف جيمس أمام تحد كبير، فإما أن يحتل مكانة القائد الجديد الحاسم للمؤسسة، أو يظهر في صورة الابن الفاسد الذي أساء إدارة واحدة من أكبر الأزمات التي تواجهها المؤسسة التجارية التي تملكها عائلة مردوخ.

ويعكس الصراع تحولا من جيل لآخر وتحولا اقتصاديا في ذات الحين، حيث تدور الأسئلة المحورية حول كيفية الاستجابة للتغييرات التي تواجه صناعة الأخبار، ومن المسؤول المناسب داخل «نيوز كوربوريشن» لاتخاذ القرارات اللازمة.

وبدا أن جيمس مردوخ تحرك سريعا نحو إغلاق «نيوز أوف ذي وورلد»، أكبر صحف أيام الأحد توزيعا داخل بريطانيا، التي امتلكها والده لأكثر من 4 عقود. إلا أنه في حقيقة الأمر، تجري دراسة هذا القرار منذ 4 شهور، ويأتي انطلاقا من الرغبة في التخلص من وظائف وتوفير أموال في صناعة تعاني أوضاعا متردية وتحويل مواردها إلى المجال الإذاعي، كما يعتبر أيضا استجابة للانتقادات القوية التي أثارتها الفضيحة الأخيرة للصحيفة، حسب ما أفاد المصدران المطلعان اللذان رفضا الكشف عن هويتهما نظرا لمناقشتهما أمورا داخلية. ومن المتوقع أن ينتقل بعض الموظفين في نهاية الأمر إلى صحيفة التابلويد الأخرى المملوكة لمردوخ، «ذي صن»، عندما تتوسع حيث ستصدر أيام الأحد أيضا، حسبما ذكر المصدران.

وكان جيمس مردوخ قد واجه بالفعل انتقادات بسبب أسلوب إدارة الشركة منذ عام 2007، عندما أسند إليه الإشراف على «نيوز إنترناشيونال» إحدى الشركات البريطانية التابعة لـ«نيوز كوربوريشن»، وفي ظل رئاسته، ألقت الشركة المسؤولية على «مراسل مارق» عن الفضيحة، ووافقت على دفع تعويضات لبعض ضحايا التنصت.

والآن وجد جيمس مردوخ نفسه فجأة هدفا للمؤسستين البريطانيتين السياسية والتجارية التي كثيرا ما مارس عليها والده نفوذه عبر صحفه بحيث بات يقرر مسار الانتخابات وأي الأشخاص سيجري تشويه أو تلميع صورهم. وعندما سئل رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أول من أمس، الجمعة، حول ما إذا كان ينبغي استجواب جيمس مردوخ من قبل الشرطة، أجاب أن أي شخص «بغض النظر عن ارتفاع مكانته أو بساطتها»، من الممكن أن يمثل أمام المحققين.

والملاحظ أن قضايا العائلة والخلافة عادة ما تبرز عند امتزاج الفضيحة والمصالح، حيث يسعى جيمس مردوخ (38 عاما)، للحيلولة دون إفساد التحقيق البطيء الجاري لصفقة «بي سكاي بي» التي عمل رئيسا تنفيذيا لها بين عامي 2003 و2007. (جدير بالذكر أن «نيوز كوربوريشن» تمتلك بالفعل نسبة مسيطرة تبلغ 39.1 في المائة من أسهم الشركة).

وقد عملت «نيوز كوربوريشن» على امتداد السنوات القليلة الماضية، من داخل مقرها الرئيسي في نيويورك، على تطهير صفوف مسؤوليها التنفيذيين ببطء، بمن فيهم بيتر تشيرنين، الرئيس السابق، وغاري غنسبرغ، كبير المستشارين في مجال الاتصالات، اللذين كان من المقربين من روبرت مردوخ والأكثر تأثيرا عليه، وكانا يحققان التوازن المطلوب لسياسات مردوخ المحافظة. وبعد مغادرتهما سعى جيمس مردوخ مع مجموعة من المسؤولين التنفيذيين المقربين منه لسد هذا الفراغ في الإدارة، واتبعوا في ذلك نهجا حادا أثار سخط الكثير من معاوني روبرت مردوخ القدامى.

وقالت بلير إنديرز، المحللة المعروفة في الأوساط الإعلامية اللندنية، بهذا الخصوص في وقت سابق من العام عن جيمس مردوخ: «إنه يملك شخصية شديدة التطرف فهو إما يحب أو يكره». ويحمل قرار إغلاق «نيوز أوف ذي وورلد» وزنا رمزيا كبيرا يتعلق بالانتقال من جيل القطب الإعلامي الكبير إلى الجيل التالي، واللافت أن جيمس مردوخ لم يبد اهتماما على الإطلاق بثقافة صحف التابلويد التي يعشقها والده، بينما يجد نفسه منجذبا إلى التكنولوجيا والمشاريع التلفزيونية. وبهذا الخصوص أيضا قالت إميلي بيل، أستاذة الصحافة في جامعة كولومبيا التي اعتادت أثناء عملها كمراسلة في لندن تغطية أنباء مردوخ: «هذا مؤشر مهم. إن هذا يوضح أن جيمس يدير شؤونا تجارية مختلفة تماما، وأن الأوضاع ستتغير في المستقبل».

* جيرمي دبليو وبيترز أسهما في التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»