سلفا كير.. والمهمة الصعبة

TT

سلفا كير، الذي يعتبر من كبار شخصيات قبيلة الدنكا، كبرى القبائل في جنوب السودان، والذي يتميز بقبعته السوداء التي تشبه قبعة رعاة البقر، وبلحيته السوداء الداكنة، أصبح، أمس، أول رئيس لدولة جنوب السودان المستقلة.

لكن كير يواجه تحديات ضخمة؛ إذ يرأس بلدا منقسما عرقيا ويفتقر إلى البنية التحتية، وعليه استيعاب مئات الآلاف من العائدين وإعادة دمجهم في المجتمع بعد حركات تنقل سكانية ضخمة أسفرت عنها السنين الطويلة للحرب الأهلية. وكير، الزعيم الجنوبي البالغ الستين من العمر والقائد المتمرد السابق صاحب القامة الطويلة، يحظى بالاحترام ويعتبر مسيحيا ملتزما، شأنه في ذلك شأن الكثير من شعب جنوب السودان. وقضى سنين في حرب العصابات بين الأدغال خلال الحرب الأهلية الطاحنة بين عامي 1983 و2005 بين الشمال والجنوب. وتحدث مرارا عن السلام حتى خلال النزاعات الدامية التي سبقت إعلان استقلال الدولة الوليدة أمس.

وخلال عظات الآحاد بالكاتدرائية الكاثوليكية في العاصمة جوبا، التي دمرتها الحرب، وكذلك في البيانات الصادرة عن مكتبه، يوجه كير دوما رسالة سلام ومصالحة، وقد جعل خصمه إبان الحرب، الرئيس عمر البشير، ضيف شرف خلال احتفالات استقلال الجنوب.

وأصر كير في مايو (أيار) على القول: «لن نرجع أدراجنا إلى الحرب، هذا لن يحدث»، بينما اجتاحت القوات الشمالية منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها، التي تصر القيادة الجنوبية على كونها ضمن الأمة الجنوبية الجديدة. وقال كير: «نحن ملتزمون بالسلام. قاتلنا ما يكفي، وقد صنعنا السلام». ولم يخف سلفا، كما يحب الجنوبيون أن يلقبوه، يوما رغبته في قيادة البلد الشاسع المفتقر للتنمية، الذي يضم أكثر من 8.5 مليون نسمة على درب الاستقلال، بينما كان سابقه الزعيم المخضرم جون قرنق، حتى عهد قريب قبل مصرعه في 2005، يطالب بسودان واحد فيدرالي ديمقراطي.

وينحدر كير من منطقة بحر الغزال، قرب أبيي، وينتمي إلى قبيلة الدنكا كبرى قبائل جنوب السودان التي تمتهن تربية الأبقار، ومن ثم يندر أن تشاهده دون قبعة رعاة البقر، وحينما زار السيناتور الأميركي البارز جون كيري جوبا خلال استفتاء تقرير المصير في يناير (كانون الثاني) الذي صوت خلاله الجنوبيون بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال، أهدى الرئيس كير قبعة جديدة. وسلفا كير فاز على الرغم من افتقاده الكاريزما بأغلبية ساحقة من 92.99% من أصوات ناخبي جنوب السودان في انتخابات الرئاسة التي جرت قبل الاستقلال.

أسس كير عام 1983، مع جون قرنق، الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي قادت التمرد في وجه النظام الإسلامي في الخرطوم وسياساته في الجنوب. وبعد بضعة أشهر بالكاد من نهاية الحرب توفي جون قرنق في 31 يوليو (تموز) 2005 في حادث سقوط مروحيته لدى عودته من أوغندا. وهكذا بات سلفا كير زعيم الجناحين السياسي والعسكري للحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب ونائب الرئيس السوداني.

لكن هذا العسكري المحترف الذي يفضل التحدث بلغة «عربي جوبا» التي يتحدثها أهل جنوب السودان على التحدث بالإنجليزية يقع ضحية المقارنة بينه وبين الراحل د. جون قرنق، الزعيم المثقف صاحب الكاريزما، الذي انطبعت صورته في ذاكرة السودانيين، جنوبيين وشماليين.

وقد عمل كير لـ6 سنوات إلى جانب خصم الحرب الأهلية البشير في حكومة وحدة وطنية قبل الاستقلال.

وفي الفترة التي سبقت استفتاء يناير، تصالح كير مع أغلب الخصوم المتمردين في الداخل. لكن زعيم أحدث دولة في العالم يواجه تحديات ضخمة؛ إذ يرأس بلدا منقسما عرقيا ويفتقر إلى البنية التحتية وعليه استيعاب مئات الآلاف من العائدين وإعادة دمجهم في المجتمع بعد حركات تنقل سكانية ضخمة أسفرت عنها السنين الطويلة للحرب الأهلية.

* لقطات

* 35 وفدا شاركوا في الاحتفالات، وكان أبرز الحاضرين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس أوغندا يوري موسيفيني، والرئيس الكيني مواي كيباكي، ورئيس وزراء إثيوبيا ميلس زيناوي، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والرئيس الصومالي شيخ شريف، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، ورؤساء كل من جيبوتي ونيجيريا وغانا والغابون، والرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي.

* الحضور الأفريقي كان هو الطاغي، والحضور العربي كان ضعيفا، وكان أبرز الحاضرين نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية محمد العرابي، وممثل للأمين العام للجامعة العربية، وأحد المراقبين علق قائلا إن معظمهم مشغول بترتيب أمور بيوتهم الداخلية مع ربيع الثورات وتسونامي التغيير.

* الرئيس الإريتري أسياس أفورقي كان أول رئيس وصل إلى جوبا قبل يوم من الاحتفال، وبات ليلة في العاصمة الجديدة، وهي المرة الثانية التي يبيت فيها أفورقي بجوبا، كما يعتبر أول رئيس يبيت في المدينة الجنوبية منذ توقيع اتفاق السلام الشامل في عام 2005.

* البروتوكول الجنوبي تفادى جلوس الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى قرب رئيس وزراء إثيوبيا ميلس زيناوي اللذين تشهد بلداهما قطيعة منذ عام 1998 حيث اندلعت حرب بين الدولتين الجارتين عقب استقلال أسمرة من أديس أبابا بنحو أربع سنوات فقط، حيث أعلن استقلال إريتريا رسميا في عام 1993، رغم نيل الدولة الأفريقية حريتها في عام 1991.

* قدم الأمين العام للحركة الشعبية ووزير السلام بحكومة الجنوب باقان أموم الاحتفال بلغة عربية «عربي جوبا»، فيما تحدث الأمين العام للحكومة عابدون أقاو باللغة الانجليزية. في وقت قدم فيه رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب الرئيس السوداني عمر البشير بلغة عربية مشحونة بالعواطف والإشادة بالبشير والتزامه بإنفاذ اتفاق السلام.

* كان من اللافت أيضا مشاركة رئيس الجمهورية الصحراوية محمد عبد العزيز ووفد رفيع من نمور التاميل، في مشاركة تعبر عن أشواق الصحراويين والبوليساريو والنمور في نقل تجربة الجنوب السوداني إلى شعبي الصحراء والتاميل.

* كان مقر الاحتفال ضريح الدكتور جون قرنق، وهو الزعيم المؤسس للحركة الشعبية، وقد توفي بعد توقيعه اتفاق السلام الشامل، بعد 21 يوما فقط من توليه منصب النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب، وقد كان قرنق حاضرا في هتافات الجنوبيين، وفي الضريح، وفي تمثال كبير تم إنجازه قبيل الاحتفالات، قبالة قبره، وقد أصبح الضريح مزارا لزيارة السودانيين الشماليين والجنوبيين وضيوف جوبا.

* دموع كثيرة سقطت من أعين قيادات الحركة الشعبية ووزراء حكومة الجنوب.

* معظم زعماء القوى السياسية شاركوا في الاحتفال، فيما غاب زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، وهو ذو صلة قوية بالحركة الشعبية إبان زعيمها الراحل جون قرنق، إلا أن الميرغني لم يزر جوبا منذ توقيع اتفاق السلام، أو المشاركة في عزاء صديقه قرنق، وأرسل الميرغني وفدا من قيادات حزبه، فيما شارك الصادق المهدي على رأس وفد كبير، إلى جانب نائبه مبارك الفاضل، وسارة نقد الله، ونصر الدين المهدي، كما شارك زعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي، وزعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد، بالإضافة إلى قيادات الحركة الشعبية وعلى رأسهم مالك عقار وياسر عرمان، والفنان الكبير محمد وردي.