مجلس الأمن يندد بالاعتداءات على السفارتين الأميركية والفرنسية.. وباريس: الصمت لم يعد ممكنا

دمشق اعتبرت أن فرنسا وأميركا «شوهتا وضخمتا» الحقائق.. وقالت إن تصريحات كلينتون دليل على التدخل

صورة مأخوذة من موقع إلكتروني، أمس، لمظاهرة حاشدة في درعا ضد النظام السوري
TT

دخلت أعلى المراجع الفرنسية على خط الأزمة المتصاعدة بين باريس ودمشق التي انفجرت بعنف بعد محاولة متظاهرين سوريين مرتين خلال 48 ساعة الدخول إلى السفارة الفرنسية في العاصمة السورية وإلحاق أضرار مادية بها، فضلا عما ألحق بالقنصلية الفرنسية في حلب. وأعربت باريس أمس عن نيتها نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، متهمة سوريا بالإخلال بالمبادئ والأعراف الدبلوماسية التي تحكم عمل السفارات والقنصليات، ومحملة سلطاتها المحافظة على أمن الموظفين الفرنسيين والعاملين في مقارها الدبلوماسية على الأراضي السورية.

وبعد ساعات قليلة ندد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة «بأقوى العبارات الممكنة» بهجمات المتظاهرين على السفارتين، ومن جانبه، رد مندوب سوريا في الأمم المتحدة بالقول إن فرنسا وأميركا شوهتا وضخمتا الحقائق بشأن الهجمات، لكنه وعد بتقديم بعض المتظاهرين للعدالة.

ودعا بيان أصدره المجلس المؤلف من 15 دولة، وتلاه على وسائل الإعلام سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة بيتر فيتيج الذي يتولى رئاسة المجلس الشهر الحالي السلطات السورية لحماية المنشآت الدبلوماسية والدبلوماسيين. وندد بأشد العبارات الهجمات على السفارتين. أما المندوب السوري فقد قال إن باريس وواشنطن شوهتا وضخمتا الحقائق. وأضاف أن السلطات السورية حاولت حماية السفارتين الأميركية والفرنسية، ووعد بتقديم بعض المتظاهرين للعدالة.

وجاء الهجوم الأعنف من رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون الذي اتهم سلطات دمشق بـ«الهروب إلى الأمام». وفي حديث صحافي صباح أمس وكلمة له أمام مجلس النواب بداية بعد ظهر أمس، وصف فيون ما تعرضت له السفارة الفرنسية في دمشق بـ«الاعتداءات بالغة العنف» التي ترى فيها باريس محاولة سوريا لصرف الأنظار عن استمرار أعمال القمع التي تمارس ضد المتظاهرين وأعمال تمت إما بإيحاء من السلطات نفسها وإما بغض الطرف من قبلها. ورأى رئيس الحكومة الفرنسية أن الممارسات السورية «هروب إلى الأمام»، مؤكدا أن بلاده «لن تخضع لعمليات التهويل» التي تمارس عليها.

وحمل فرنسوا فيون السلطات السورية «مسؤولية أمن ممثلي فرنسا (الدبلوماسيين) وموظفيها»، مؤكدا أن ما حصل في دمشق «يخالف كل قواعد العمل الدبلوماسي»، مضيفا أنه «لا يمكن التساهل بشأن مهاجمة سفارات بهذا العنف مع تساهل واضح من قبل السلطات السورية». أما النتيجة التي توصل إليها رئيس الحكومة الفرنسي فقوامها أن باريس «لن تحيد عن الطريق الذي اختطه وهي ستستمر في إدانة قمع (السلطات السورية) دون هوادة».

وأوضح برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية، أن بلاده ترغب في أن يعطي مجلس الأمن رأيه في ما تعرضت له سفارتها والسفارة الأميركية في دمشق يومي الاثنين والسبت الماضيين، مكررا اعتباره لما حصل بأنه أمر «بالغ الخطورة وانتهاكات واضحة للقانون الدولي ولمعاهدة فيينا حول العلاقات الدبلوماسية». وكان وزير الخارجية آلان جوبيه قد أعلن في وقت سابق أمس أن باريس بصدد النظر في إمكانية نقل الملف إلى مجلس الأمن. وطالب جوبيه السلطات السورية بـ«القيام بواجباتها» لجهة حماية البعثات الدبلوماسية الموجودة على أراضيها.

وكانت نقطة البداية في الأزمة الراهنة حنق السلطات السورية على الزيارة التي قام بها يوم الجمعة الماضي إلى مدينة حماه كل من سفيري أميركا، روبرت فورد، وفرنسا إريك شوفاليه في دمشق، وهو ما اعتبرته السلطات السورية تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية وانتهاكا للاتفاقيات الدولية. وقد ردت على ذلك باستدعاء السفيرين المذكورين إلى وزارة الخارجية وإبلاغهما احتجاج سوريا على ما قاما به. وأعقب ذلك تعرض السفارتين الأميركية والفرنسية لمحاولة اقتحام مرة أولى يوم السبت ثم يوم الاثنين. وقد اضطر حرس السفارة الفرنسية إلى إطلاق النار في الهواء لمنع تسلق حائط السفارة ومنع اقتحامها وجرح ثلاثة منهم كما ألقي القبض على متظاهرين سوريين.

ولا يستبعد أن تصطدم رغبة باريس بنقل ملف الاعتداء على السفارتين الفرنسية والأميركية إلى مجلس الأمن بمعارضة روسية. وفي هذا السياق، نددت باريس بلسان رئيس حكومتها ووزير خارجيتها بالموقف الروسي الذي أجهض حتى الآن مشروع قرار قدم إلى مجلس الأمن لإدانة القمع في سوريا منذ عدة أسابيع. غير أن روسيا ليست وحدها الجهة المعارضة إذا تنضم إليها الصين (وكلاهما يملك حق النقض أو الفيتو) والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا ولبنان.

وندد رئيس الحكومة بقوة بالموقف الروسي، واعتبر أن صمت مجلس الأمن إزاء ما يجري في سوريا «لم يعد يطاق»، حيث إن الرئيس الأسد «تخطى كل الحدود الممكنة». وأعلن وزير الخارجية أن باريس لا تزال تسعى لإقناع موسكو بالسير في مشروع القرار. ولا تريد باريس أن يطرح مشروع القرار على التصويت ما لم يتوافر له على الأقل 11 صوتا، إذ إنها ترى أن توافر هذه الأصوات من شأنه أن يدفع الروس (والصينيين) إلى الامتناع عن التصويت وليس لاستخدام الفيتو جريا على ما فعلته موسكو وبكين في الموضع الليبي، حيث لم تشاركا في التصويت ما ساعد على إصدار القرار 1973. وترى مصادر فرنسية مطلعة أن ما حصل للسفارتين الفرنسية والأميركية «رسالة أولى» إلى باريس وواشنطن وليست مربوطة فقط بزيارة السفيرين إلى حماه، بل تعبير عن «حنق» سوري من مجمل السياسة الفرنسية (والأميركية) تجاه التطورات في سوريا. وتعتبر هذه المصادر أن النظام السوري يريد «توجيه الأنظار إلى الخارج وإثارة النعرة الوطنية» غير أن التصرف بهذه الطريقة «سيحرمه من بعض التفهم الذي ما زال يحتفظ به»، كما أن نتائجه ستكون «بعكس ما كان يبتغيه».

وجاء الموقف الفرنسي بعد أن كانت قد وجهت واشنطن واحدا من أشد الانتقادات تجاه دمشق بعد الاعتداء على سفارتها، والذي قالت فيه من خلال وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الرئيس السوري بشار الأسد «فقد شرعيته» وإنه ليس شخصا «لا يمكن الاستغناء عنه». وبينما أفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن سلطات الأمن السوري عززت من وجودها أمس قرب السفارتين الأميركية والفرنسية، استنكرت سوريا و«بشدة» بيان وزيرة الخارجية الأميركية. ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) عن مصدر رسمي، أن «الجمهورية العربية السورية تستنكر بقوة التصريحات التي أدلت بها بالأمس (أول من أمس) وزيرة الخارجية الأميركية»، مضيفة «هذه التصريحات هي فعل تحريضي هادف لاستمرار التأزم الداخلي». وأضافت الوكالة نقلا عن المصدر الذي لم تعرفه، أن «هذه التصريحات إنما تشكل دليلا إضافيا على تدخل الولايات المتحدة السافر في الشؤون الداخلية السورية».

وتابع أن سوريا «تؤكد أن شرعية قيادتها السياسية لا تستند إلى الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها وتنطلق حصرا من إرادة الشعب السوري الذي يعبر وبشكل يومي عن دعمه وتأييده لقيادته السياسية وللإصلاحات الجذرية التي طرحتها على التدارس والحوار».