إدارة أوباما تغير من نهجها تجاه سوريا بعد إعادة تقييم مصدر «الاستقرار» فيها

خبير أميركي لـ«الشرق الأوسط»: لا توجد خيارات جيدة لدى واشنطن في دمشق

TT

بعد أسابيع من استمرار المظاهرات في سوريا وتصاعد وتيرتها، تتبلور سياسة أميركية جديدة تجاه دمشق، ظهرت مع زيارة السفير الأميركي روبرت فورد إلى المتظاهرين في مدينة حماه يومي الخميس والجمعة الماضيين. ومع إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أول من أمس أن الرئيس السوري بشار الأسد «فقد مصداقيته» - تحقق شرخ في العلاقات مع الأسد بعد أن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد بدأ ولايته الرئاسية على أمل فتح صفحة جديدة مع الرئيس السوري، إلا أن التغييرات في المنطقة منذ بداية العام وظهور حركة شعبية في سوريا تطالب بالإصلاحات على الرغم من الرد العسكري عليها، تفرض واقعا جديدا على الإدارة الأميركية. وهناك هواجس عدة تحدد الموقف الأميركي تجاه سوريا، على رأسها المخاوف من اندلاع العنف في سوريا وفي أسوأ الاحتمالات اندلاع حرب أهلية أو عنف طائفي يؤثر على المنطقة كلها. وبينما توخت الإدارة الأميركية الحذر في إدلاء التصريحات العلنية حول موقفها من النظام السوري وتعامله مع المظاهرات في مدن وبلدات عدة داخل سوريا، شهدت الأيام القليلة الماضية تغييرا في النهج الأميركي. وتحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من المصادر الرسمية، بالإضافة إلى المحللين في العاصمة الأميركية، حول ما يحدث في سوريا والعلاقات بين البلدين. ولخص الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط مارك لينتش الوضع بالقول: «لا توجد خيارات جيدة لدى واشنطن في دمشق». وأوضح لينش، وهو مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في «جامعة جورج واشنطن»، لـ«الشرق الأوسط» أن «الإدارة الأميركية تقيم فرص الأسد للبقاء في السلطة، وتتخذ خطوات بناء على ذلك». ولفت إلى أنه «حتى الآن، لم يشهد النظام السوري أي انشقاقات ذات أهمية وما زال مسيطرا على البلاد، ولكن بالطبع هذا نظام لديه مشاكل حقيقية». وأضاف: «الولايات المتحدة لا تدعم النظام السوري، ولكن مصادر نفوذها عليه قليلة ولذلك تتعامل بحذر».

وهناك وعي أميركي بأن بعض الأوساط السورية والعربية تتوقع أن واشنطن بحاجة إلى بقاء النظام السوري الحالي من أجل ما يراه البعض أنه يفيد استقرار المنطقة. وهناك فعلا بعض الخبراء في الشأن العربي في الإدارة الأميركية الذين يؤيدون هذا الطرح ودفعوا إلى عدم تأجيج الأوضاع في سوريا. وهناك جهات أخرى تحذر من أن أي تدخل أميركي في المجريات في سوريا ستدفع النظام السوري باتهام الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بالتدخل في شؤونهم، مما يفقد المعارضين الداخليين الشرعية. إلا أنه خلال الأيام الماضية، قوت الأصوات داخل الإدارة الأميركية التي بدأت تحذر من اعتبار النظام السوري القائم هو مصدر الاستقرار في سوريا. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد كتبت في مقال رأي نشر في «الشرق الأوسط» منتصف الشهر الماضي أنه «من المؤكد من الممكن الاستغناء عنه (أي الرئيس الأسد) ونظامه». وكررت كلينتون هذه المقولة أول من أمس، لتجيب بشكل غير مباشر عن من يتوقع أن واشنطن تدعم الأسد خفية.

وحرصت الإدارة الأميركية على إعطاء فرصة للرئيس السوري، الذي يعتبره كثيرون في واشنطن إصلاحيا وعلى رأسهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابع لمجلس الشيوخ السيناتور جون كيري. وكان الرئيس الأميركي قد قال في 19 مايو (أيار) إن على الرئيس السوري «إما قيادة التحول في سوريا، أو الخروج عن الطريق»، ليسمح بالتحول الديمقراطي في البلاد. وبعد مرور 6 أسابيع على هذا التصريح، أي نهاية الشهر الماضي، بدأت أصوات في البيت الأبيض والخارجية الأميركية تتساءل عن إمكانية قيادة الرئيس السوري لهذا الانتقال. وعلى الرغم من ذلك، فتبقى كلينتون هي المسؤولة الأكثر انتقادا للرئيس السوري، بينما يلتزم البيت الأبيض الصمت النسبي. وكان أوباما شخصيا وراء إعادة السفير الأميركي إلى دمشق العام الماضي بعد أن غاب عنها منذ عام 2005. وما زال أوباما وإدارته ملتزمين بأهمية دور السفير روبرت فورد في سوريا، وهو ما زال يلتقي مسؤولين سوريين، حيث لا تريد واشنطن قطع العلاقات مع دمشق، ومن غير الموقع سحب السفير في الفترة الراهنة. ويلعب فورد دورا مهما في تحديد السياسات الأميركية تجاه سوريا من حيث نقل الصورة الداخلية للإدارة، كما كان هو من قرر التوجه إلى حماه وحصل على موافقة الإدارة الأميركية على ذلك قبل التوجه للسوريين بإبلاغهم عن زيارته للمدينة، مما أثار استهجان الجانب السوري. وقد طالبت أصوات عدة داخل الولايات المتحدة، على رأسهم الناطق السابق باسم وزارة الخارجية الأميركية بي جي كراولي، تطالب أوباما بالمطالبة برحيل الأسد من السلطة، مثلما فعل مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح. إلا أن سياسيين ومحللين في واشنطن أكدوا أن هذه الخطوة غير مرجوة حاليا لأنه ليس بإمكان واشنطن أن تتخذ خطوات فعالة لتطبيق هذه المطالبة، ففي حالة مصر كانت تستطيع أن تؤثر على القيادة العسكرية المصرية لتحقيق ذلك وفي اليمن لديها روابط سياسية وأمنية تعتمد عليها لا توجد مع سوريا. وقال لينتش: «لا يمكن أن يطالب أوباما برحيل الأسد، لأن السؤال التالي المباشر هو ماذا سيفعل لتحقيق ذلك؟»، وهو أمر لا تريد التدخل فيه واشنطن مباشرة. وهناك جانب مهم يؤثر على التقييم الأميركي للأوضاع في سوريا وهو وضع المعارضة السورية وقدرتها على أن تكون بديلا فعليا للنظام القائم في البلاد. وحتى الآن، هناك وعي أميركي بأن خروج قيادة منتظمة للمعارضة السورية وتحديد ملامحها سيستغرق وقتا، وحتى الآن تقول مصادر أميركية مطلعة على الملف السوري في واشنطن إن إدارة أوباما لم تتعرف على قيادات واضحة، ولكن ذلك لا يعني أنها غير موجودة. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «لدى المعارضة السورية فصائل عدة وحتى الآن من غير الواضح أي اتجاه ستتخذه»، مضيفا: «نحن لا نسيطر على هذه العملية ولا نريد أن نسيطر عليها، فقوة الربيع العربي أن الشعب العربي يقوده». وفي وقت تواجه إدارة أوباما انتقادات من أطراف عدة حول معالجة الملف السوري، يبقى السؤال الدائر بين أوساط سياسية أميركية حول الخطوات الفعلية التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة أبعد من التصريحات الإعلامية. وقال مدير برنامج الشرق الأوسط لدى «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» جون ألترمان، إن هناك حاجة لتقييم من يمكن أن تؤثر عليه الولايات المتحدة داخل سوريا وخارجها كي تستطيع على التأثير على المجريات فيها. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن للإدارة الأميركية أن تؤثر على البيئة المحيطة لما يحدث في سوريا، ولكن ذلك يستغرق وقتا».

وفي الوقت الراهن، تدرس الإدارة الأميركية إمكانية فرض عقوبات جديدة على سوريا، ولكن في الوقت نفسه تحرص على اتخاذ دول أخرى، مثل الدول الأوروبية وكندا، خطوات مماثلة كي لا تبدو أنها تتحرك بمعزل وتظهر أن الأمر أشبه بمواجهة أميركية - سورية.

وبعد أن وسعت واشنطن نطاق العقوبات على سوريا على خلفية المظاهرات في البلاد في 29 أبريل (نيسان) الماضي، حرصت على عدم إدراج اسم الرئيس السوري فيها، كخطوة إضافية لإبقاء الباب مفتوحا أمام احتمال أن تبقى العلاقات مع الأسد قائمة وتشجعه على الإصلاح. إلا أنه مع تفاقم العمليات العسكرية في سوريا، كانت الخطوة المقبلة إدراج اسم الرئيس السوري على لائحة العقوبات في 18 مايو، التي تعتبر رسالة سياسية بالدرجة الأولى. وبينما العقوبات حددت على شخصيات ومؤسسات في النظام السوري، هناك تفكير في بعض الأوساط السياسية الأميركية بتوسيع نطاقها من أجل زيادة الضغوط على النظام السوري.