د. هالة مصطفى: المشهد السياسي ينذر بمزيد من التوتر قد يصل إلى مواجهات مع السلطة

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية لـ«الشرق الأوسط»: المد الديني في مصر لا يعني نهاية الدولة المدنية

TT

حذرت الدكتورة هالة مصطفي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية من أن «المشهد السياسي في مصر الآن ينذر بمزيد من التوتر قد يصل إلى مواجهات مع السلطة إذا استمر الحال على ما هو عليه». مشيرة إلى أن غياب سيناريو واضح ومنظم للفترة الانتقالية التي تعيشها مصر حاليا سيعطل مسيرة الديمقراطية.

وأكدت مصطفى في حوارها مع «الشرق الأوسط»، أنه لا يمكن قياس مدى نجاح أي ثورة إلا بقدرتها على إٍسقاط النظام القديم الذي ثارت عليه، وإزاحة نخبته الحاكمة وإحلالها بنخبة جديدة تسعى لبناء نظام جديد. وقالت مصطفى، التي تشغل أيضا منصب رئيسة وحدة النظم السياسية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ«الأهرام» ورئيسة تحرير مجلة «الديمقراطية»، إن وضوح الأهداف هو العنصر الأهم لنجاح أي تجربة، داعية إلى وضع دستور جديد للبلاد يعبر عن الحقبة الجديدة وقبل إجراء الانتخابات، باعتبار أن الدستور هو معيار أساسي للانتقال إلى عهد جديد.

وعن تعثر الثورات العربية في اليمن وسوريا وليبيا بسبب المقاومة الشرسة للأنظمة واستخدام العنف ضد المحتجين، شددت مصطفى على أن كل هذه الأحداث تؤكد أن هناك حاجة ملحة ومستمرة للتغيير وأن تطلعات الشعوب أصبح من الصعب قمعها أو السيطرة عليها وفق الصيغ القديمة، ومن الصعب الآن العودة إلى مرحلة ما قبل اندلاع هذه الاحتجاجات. وفيما يلي نص الحوار:

* بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على الثورة.. كيف تحللين المشهد السياسي الآن، وأي طريق تسير فيه مصر؟

- لا يمكن قياس مدى نجاح أي ثورة إلا بقدرتها على إسقاط النظام القديم الذي ثارت عليه وإزاحة نخبته الحاكمة وإحلالها بنخبة جديدة تسعى لبناء نظام جديد، وهذا ما حدث في ثورة 1952، لكن الأمر الآن لم يسر على هذا النحو بالنسبة لثورة 25 يناير، لأنها افتقدت منذ البداية قيادة سياسية توحدها وتقود عملية التغيير، وكان هناك حاجة لطرف ثالث أو وسيط يقوم بتلك المهمة نيابة عن الثوار تمثل ذلك في المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم)، وبالطبع كان لا بد أن تختلف الرؤى وإيقاع العمل. فالمجلس حدد أهدافا ووضع لها جدولا زمنيا وحدد المسار الذي لم يكن متوافقا تماما مع حماسة الثورة ومطالبها المتعددة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

ومن هنا كانت الفجوة، فالاحتجاج الذي عبرت عنه الجماهير في الجمعة الماضية (8 يوليو)، يؤكد وجود ذلك الغضب، والمشهد السياسي في مصر الآن ينذر بمزيد من التوتر، وقد يصل الأمر إلى مواجهات مع السلطة أيا كانت السلطة الموجودة إذا استمر الحال على ما هو عليه. فاهتزاز الثقة بين شباب الثورة والسلطة يبدو واضحا الآن أكثر من أي وقت مضى وهذا مؤشر سلبي.

* البعض يقول إن غياب سيناريو واضح ومنظم للفترة الانتقالية سيدفع البلاد للفوضى، إلى أي مدى يبقى هذا صحيحا؟

- ليس بالضرورة للفوضى ولكنه سيعطل المسيرة الديمقراطية أو يجعلها متعثرة وبالتالي تطول الفترة الانتقالية وربما يتخللها صراعات ومواجهات فضلا عن الأزمات الاقتصادية التي يمكن أن تظهر في هذا المناخ الضبابي.

* هل هناك ما يمكن أن نطلق عليه «الوصفة الناجحة» لدفع مصر إلى الأمام في هذه المرحلة؟

- وضوح الأهداف هو العنصر الأهم لنجاح أي تجربة، وإذا كانت ثورة 25 يناير قامت من أجل إقامة نظام جديد يحقق الحرية والعدالة والديمقراطية فكان لا بد أن يترجم ذلك في وضع دستور جديد يعبر عن حقبة جديدة. فالدستور هو معيار أساسي للانتقال من حال إلى حال مختلف أي إلى عهد جديد ثم تأتي بعد ذلك التشريعات والقوانين المكملة للدستور، فالدستور أولا هو الأساس أو البنية الأساسية التي تقوم عليها التجربة السياسية الجديدة. لأن التعددية السياسية والانتخابات والإعلام والصحافة كلها تقع في إطار الممارسة الديمقراطية التي يجب أن يسبقها الإطار الأساسي الذي ستمارس من خلاله أدوارها.

* رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف قال «إن المصريين لم ينضجوا ديمقراطيا»، ونائب الرئيس السابق عمر سليمان قال «مصر ليست جاهزة للديمقراطية»، في إطار هذا التخبط الذي تعيشه البلاد حاليا، هل حقا المصريون غير قادرين على ممارسة الديمقراطية؟

- ليس هناك شعب غير مؤهل للديمقراطية، ولو كان المصريون غير مؤهلين للديمقراطية لما ثاروا في 25 يناير مطالبين بالديمقراطية أولا. فالثورة وضعت مطلب الحرية قبل أي مطلب آخر، أليس هذا دليلا على عمق التطلع إلى الديمقراطية والسعي لتحقيقها. صحيح هناك معوقات سلبية اجتماعية واقتصادية وثقافية وتشريعية بحكم عقود من غياب الديمقراطية، لكن هذا لا يعني أنها وجدت لتبقى.

* ذكرت سابقا أن «الليبرالية خجولة في مصر»، هل سيحولها المد الإسلامي إلى «ليبرالية صامتة»؟

- على العكس أرى الآن أصوات الليبراليين أكثر وضوحا وثقة. ونحن الآن في مرحلة تقرير مصير ويجب أن يمثل الجميع ويشاركوا في صنع المستقبل دون إقصاء أي تيار سواء كان ليبراليا أو إسلاميا أو يساريا. وهناك وعي سياسي أكبر الآن من أي فترة ماضية.

* يثار الجدل دوما حول المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع.. برأيك ما هو الحل الأمثل لهذه القضية؟

- الحل الأفضل هو إضافة بعض المصادر الأخرى مثل مبادئ حقوق الإنسان أو ما شابهها فيما يتعلق بالحريات الأساسية للأفراد والجماعات. وتوضيح المقصود بمبادئ الشريعة الإسلامية، وأقصد هنا أن يكون واضحا أنها لا تتضمن تطبيق الحدود وهي حتما ستتوافق مع تلك المبادئ الأولى حتى لا تثار شكوك حول التمييز أو مخالفة شروط المساواة في المواطنة.

* وإلى أي مدى ستنجح الدولة المدنية في مصر؟

- الدولة المدنية يجب أن تنجح في مصر.. ليس هناك خيار آخر فمصر منذ نشأة دولتها الحديثة في القرن الـ19 على يد محمد علي باشا وهي مدنية الطابع وكانت هي الدولة الأولى في محيطها العربي والإقليمي زمن الإمبراطورية العثمانية التي أسست دولة قومية بالمعني المعاصر. واستمر الأمر حتى اليوم وسيستمر في المستقبل.

المد الديني (بالمعني السياسي) قد يشكل تحديا لكن هذا لا يعني نهاية الدولة المدنية. خاصة أن التجارب الإسلامية في الحكم لم يقدر لها النجاح، من أفغانستان إلى السودان وغيرهما، حتى في إيران يواجه النظام معارضة متزايدة. أما تركيا فهي كما ذكرت نموذج للدولة الحديثة العلمانية حتى في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وأعتقد أن هذا هو المقصود بمصطلح «الدولة المدنية».

* أبدت الولايات المتحدة استعدادها للحوار مع جماعة الإخوان المسلمين.. هل يعني ذلك أن الإدارة الأميركية اقتنعت بأن الإخوان سيحلون بديلا لنظام مبارك السابق؟

- الحديث عن السياسية الأميركية وموقفها من مختلف القوى السياسية يحمل كثيرا من «التكهنات» أكثر مما يعكس الواقع. وعلى أي الأحوال فإن السياسة الأميركية تتسم بالقدرة على التعامل مع مختلف القوى السياسية والأمر سيخضع في النهاية للمصلحة المتبادلة بينها وبين أي من هذه القوى.

* إذا أردنا أن ننتقل من القطر المصري الضيق إلى المحيط العربي الأوسع والأشمل.. لماذا كانت كل التجارب العربية الديمقراطية ضعيفة ومتعثرة وربما كان مصيرها الفشل في كثير من الأحيان؟

- هناك عوامل تاريخية أثرت سلبا على التجربة الديمقراطية العربية أهمها حقبة الاستعمار ثم النضال من أجل الاستقلال والدخول في مواجهات مع القوى الدولية، فضلا عن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي الذي فرض أولويات أخرى جاءت على حساب التطور الديمقراطي. كذلك انتشار التجارب الاشتراكية في العالم العربي وما صاحبها من قيام نظام الحزب الواحد وغياب الديمقراطية. وأعتقد أن إرث هذه الحقبة لم ينقص حتى الآن، رغم التحول إلى بعض أشكال التعددية المقيدة وسياسات «الخصخصة» الاقتصادية.

* تعثر الثورات في كل من اليمن وسوريا وليبيا بسبب المقاومة الشرسة للأنظمة هناك التي لا تتوارى عن استخدام العنف.. هل يعني ذلك نهاية نسمات «الربيع العربي»؟

- كل هذه الأحداث تؤكد على العكس أن هناك حاجة ملحة ومستمرة للتغيير وأن تطلعات الشعوب أصبح من الصعب قمعها أو السيطرة عليها وفق الصيغ القديمة من استخدام العنف. صحيح أن كثيرا من الاحتجاجات والثورات يتعرض للتعثر ويواجه تحديات كبيرة ولكن من الصعب الآن العودة إلى مرحلة ما قبل اندلاع هذه الاحتجاجات.

* لماذا كل هذا العنف الذي تستخدمه هذه الأنظمة ضد المطالبين بالتغيير.. ولعل الوضع حاليا في سوريا خير دليل على ذلك؟

- النظام السوري ليس استثناء أو شاذا على القاعدة. فالأنظمة غير الديمقراطية يكون سلوكها متشابها تقريبا لأنها تعتبر معركتها مع المحتجين والمعارضين هي معركتها الأخيرة من أجل البقاء. وصيغة التعايش والحلول الوسط والإصلاح تكون عادة مفقودة ولا ينطبق ذلك على الحالات العربية وحدها فأغلب الثورات الديمقراطية في وسط وشرق أوروبا مثلا وفي أميركا اللاتينية لم تكن سلسة أو سهلة فردود فعل الأنظمة هناك اقتربت كثيرا من ردود فعل الأنظمة العربية.

* لماذا في كل الدول العربية التي تشهد احتجاجات لم تستطع قوى المعارضة أن تقدم حلولا بديلة وواقعية للنظام القائم؟

- عادة ما تكون المعارضة ضعيفة في ظل الأنظمة السلطوية. لأن هذه النظم تعمد إلى إضعافها بشكل منظم. لذلك يكون من الصعب عليها أن تقدم بديلا جاهزا وسريعا للنظام القائم وبالتالي فالمسألة تحتاج إلى وقت.

* لماذا اختلف الموقف الدولي من الأزمتين السورية والليبية، بين التدخل العسكري والنقد الخجول؟

- اعتقد أن الانتقادات الدولية للنظم السلطوية لم تعد خجولة بل صريحة ومعلنة. أما التدخل العسكري في ليبيا فقد استند إلى شرعية دولية لحماية المدنيين خاصة أن المعارضة هناك طلبت ذلك صراحة بسبب الممارسات القاسية والعنيفة من قبل النظام ضد المتظاهرين، فضلا عن انقسام الجيش والنخبة الحاكمة ذاتها. ثم عدم قدرة أي من الطرفين النظام من ناحية والثوار من ناحية أخرى على حسم الصراع لصالحه، وكلها عوامل ساعدت على التدخل العسكري المباشر، لكن سيظل سيناريو التدخل الدولي - ليس شرطا أن يكون عسكريا - مستمرا ربما من خلال الضغوط السياسية والاقتصادية، وقيام مسؤول أميركي بزيارة سوريا مؤخرا يأتي في هذا السياق.

* بعد سقوط نظام مبارك وقرار مصر فتح معبر رفح وتحقيق المصالحة الفلسطينية، والدعاوى المتجددة للقيام بالانتفاضة الثالثة.. هل أصبح الصدام العربي - الإسرائيلي وشيكا؟

- رغم كل ما حدث فلم يطالب أحد بالدخول في حرب أو مواجهة عسكرية فالاحتجاج ضد السياسيات الإسرائيلية موجود قبل ثورة 25 يناير والقضية الفلسطينية لها موقع شديد الخصوصية لدي المصريين عموما. أما مسألة الاعتراضات على تصدير الغاز إلى إسرائيل فبعضها بسبب رفض التطبيع وبعضها الآخر يتحدث عن الأسعار المخفضة التي تم الاتفاق عليها ويطالب بتحسين الشروط وهو أمر وارد في أي اتفاقية ثنائية. لكن قرار الحرب أو السلام يخضع لاعتبارات أكثر تعقيدا من ذلك ولذلك فقد حسم المجلس العسكري في مصر مبكرا منذ توليه إدارة شؤون البلاد، وأعلن عن التزامه بالمعاهدات الدولية والإقليمية.