الناشطة بسمة قضماني: مشكلة سوريا في تعدد رؤوس النظام.. وقلة خبرة المعارضة

مديرة مبادرة الإصلاح العربي لـ «الشرق الأوسط» الانتفاضة تقوي العمل السياسي

بسمة قضماني
TT

قالت الناشطة السورية بسمة قضماني، مديرة مبادرة الإصلاح العربي ومقرها بيروت، إن «مشكلة سوريا، التي تبدو مستعصية على الحل في الوقت الراهن، يمكن أن تستغرق مزيدا من الوقت لعدة أسباب، منها تعدد رؤوس النظام، واقتسامه للسلطات الأمنية والمالية والسياسية، وأيضا حداثة عمل المعارضة في الداخل». لكن قضماني، التي نظمت العديد من المؤتمرات في عدة بلدان عربية وأوروبية من خلال منظمة الإصلاح العربي التي تديرها، أوضحت أن الانتفاضة السورية من شأنها أن تقوي العمل السياسي بعيدا عن النظام الحاكم، خاصة بعد أن تمكنت هذه المعارضة من خلق روابط وشبكات اجتماعية بين المناطق الجغرافية من جانب، والطبقات الاجتماعية المختلفة من جانب آخر.

وتحدثت قضماني لـ«الشرق الأوسط» على هامش ثالث مؤتمر من نوعه هذا العام عن الثورات العربية، الذي عقد بالقاهرة، عن فشل الخيار الأمني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، حتى الآن، في استعادة السيطرة على البلاد، وقالت إنه أصبح من الصعب العودة بالأوضاع إلى ما قبل الانتفاضة السورية، مشيرة إلى أن ما يقوم به النظام من تصعيد أمني أصبح يقتصر على محاصرة منطقة من المناطق وتأديبها بالقمع بعد أن يلقي عليها بكل إمكاناته الأمنية، وأنه لا يستطيع أن يسحق الانتفاضة في عموم سوريا مرة واحدة.

وقالت إن الحوار بين النظام الحاكم والمعارضة فشل بسبب استمرار القمع، وعدم جدية ما يبديه النظام من إصلاحات سياسية، معتبرة أنه كلما طالت الأزمة في سوريا، تراجع دعم إيران وحزب الله لدمشق.

وعن رؤيتها للوضع السوري الآن، قالت مديرة مبادرة الإصلاح العربي «نحن في مرحلة مستعصية. هناك ثلاث مسائل يراهن عليها النظام وأعتقد أنه لم يفلح في أي منها حتى الآن، وهي الأمن والإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي»، مشيرة إلى أن النظام تعامل مع الوضع بشكل أمني بحت وتعامل مع الأزمة بالطائفية، قائلة إنه «جند الطائفية لصالحه من خلال إثارة الخوف عند فئات معينة منها المسيحيون، لكي يوهم العديد من الطوائف المسيحية على وجه الخصوص أن بقاءها سيكون مهددا في حالة انهيار نظام الحكم الحالي».

وتابعت قضماني قائلة إن القبضة الأمنية للنظام لم يعد بإمكانها حسم الأمور أو العودة بالأوضاع في البلاد إلى ما كانت عليه قبل انتفاضة الشعب السوري، ولذلك «فإن هذا النظام يحاول أن يزيد في الوقت الراهن من اللعب على وتر الطائفية ويركز عليها، خاصة أنه غير قادر على رشوة المجتمع بأي حوافز مالية أو تقديم حلول اقتصادية». وقالت عن الجانب السياسي إن نظام بشار لم يكن مستعدا منذ البداية للتعامل مع الأحداث تعاملا سياسيا «لأن التعاطي السياسي مع الاحتقان الداخلي يستوجب من النظام تقديم تنازلات من أجل الديمقراطية، وهو بدا أنه غير مستعد لهذا الأمر، كما أنه كان، حتى وقت قريب، يعتقد أنه غير مضطر لتقديم تنازلات سياسية».

وعن الحوار السياسي الذي يحاول النظام السوري فتحه مع المعارضة منذ عدة أسابيع، قالت قضماني إن هذا الحوار فشل لسببين «أولا: لأن القمع مستمر، بينما وقف القمع والملاحقات مطلب رئيسي لأي جهة معارضة لها وجود في الشارع.. ثانيا: ما يبديه النظام من إصلاحات سياسية غير جدي.. حتى الحد الأدنى للمطالب غير مستعد للتعامل معها والتفاوض حولها».

وتحدثت قضماني عن دور الانتفاضة في تغيير الواقع السوري بعد نحو أربعة أشهر من انطلاقها، وقالت إن الانتفاضة «أسهمت في أن ينظم المجتمع نفسه على الأرض لمواجهة أساليب النظام، وأصبح هذا المجتمع قادرا على الاستمرار والمقاومة بشكل فعال أكثر من الأيام الأولى للانتفاضة. الآن أصبح التاجر في المدن كحمص وحماه يدعم العائلات التي لها سجناء أو مفقودون أو شهداء.. وأيضا يتم دعم الأسر التي فقدت العمل وأسباب الرزق جراء الاضطرابات المستمرة في أكثر من مكان».

وتابعت قضماني قائلة إن «هذا النوع من التواصل بين المواطنين من كل المستويات، وهذا التآخي بين السوريين لم يكن موجودا بمثل هذا الزخم الذي أصبح عليه الآن.. لم يكن يوجد اتصال دائم بين العائلات والأسر والمواطنين والمدن والقرى.. الآن تجد العديد من الشبكات الاجتماعية التي تكونت وتضم سكان مدن وقرى مختلفة من طبقات اجتماعية متباينة». ووصفت الناشطة السورية الوضع الحالي في سوريا بـ«المستعصي»، لأنه «حتى الآن ليس هناك أي أمل في أن تؤدي الانتفاضة الشعبية في سوريا إلى تغيير النظام تغييرا جذريا، لأنها ليست لديها الإمكانيات»، مشيرة إلى أن «الانتفاضة الشعبية حتى الآن نجحت في تنظيم نفسها ضد القمع، لكن موضوع تغيير مؤسسة النظام وتغيير المجموعة المسيطرة أمنيا واقتصاديا وسياسيا، ما زال أمرا بعيد المنال».

وقالت قضماني عن المعارضة التي أخذت تنشط في الفترة الأخيرة، إن «هذا ما تسببت فيه الانتفاضية، حيث بدأت المعارضة في تنظم نفسها في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لأنه لم تكن هناك معارضة سورية منظمة من قبل»، لافتة إلى أن «الانتفاضة هي التي فتحت للمعارضة مجال العمل. ومن المعروف أن تنظيم المعارضة يستغرق وقتا وتحتاج إلى وقت لتنظيم نفسها وإعادة ترتيب حالها بشكل مستقل عن النظام». وعن النظام السوري، قالت قضماني إنه لا يوجد رأس واحد للنظام في سوريا.. «صحيح أن بشار الأسد ورث من أبيه رأسا واحدا للنظام، لكنه (أي بشار) لم يكن قادرا، منذ بداية توليه الحكم، على السيطرة على النظام بشكل كامل»، مشيرة إلى أنه «منذ البداية تم توزيع المهام». وقالت إن الملف الأمني كان منذ البداية في يد والملف الاقتصادي في يد أخرى، بينما اكتفى بشار بملف السياسة الخارجية ليكون وجها مقبولا، مع استمراره في الإمساك بزمام الحزب (الحاكم) في الداخل.