المعارضة السورية ترتبك في إسطنبول.. لكنها تستمر في مساعيها لمرحلة ما بعد الأسد

كلينتون: لا يمكن التأثير على الوضع في سوريا من الخارج

جانب من اجتماع المعارضة السورية في إسطنبول، أمس (إ.ب.أ)
TT

بدا أن المعارضة السورية في الخارج ما زالت بعيدة بعض الشيء عن رؤية موحدة تجمع صفوفها في مواجهة النظام الذي تسعى إلى إسقاطه، مقدمة المزيد من «الأداء المرتبك» الذي أدى إلى إلغاء اجتماع كان مقررا بين وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، وممثلين عن هذا المؤتمر. فقد اختلف المجتمعون على فكرة «حكومة الظل»، ثم انسحب ممثلو الأكراد منه احتجاجا على ما وصفوه بـ«التهميش»، بينما سجل المؤتمر «ثورة شبابية» طالبت بـ«كوتا» لا تقل عن نصف عدد أعضاء أي مجلس ينتخبه المؤتمر باعتبار أن الذين ترشحوا يمتلكون معدل أعمار «يتجاوز الـ65»، كما قالت إحدى الشابات التي قدمت نفسها على أنها ممثلة «لائتلاف شباب الإنقاذ»، أما العشائر فقد طالبت بتمثيل «يوازي حجمها في الشارع السوري الذي يزيد على النصف»، كما قال ممثل «ائتلاف العشائر والقبائل السورية».

وبعيدا، عن هذه الارتباكات، كان زخم المعارضين مستمرا في سعيهم إلى بلورة المرحلة المقبلة التي تلي سقوط النظام، باعتبار أن مهمة إسقاط النظام يتولاها الشعب السوري في الداخل، بينما يلعب الخارج دور الدعم الإعلامي والسياسي والمعنوي، وكل أشكال الدعم التي يمكن أن يوفرها السوريون المبعدون إلى سوريي الداخل.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن لقاء كان يجري التحضير له لاجتماع بين كلينتون ومعارضين سوريين في إسطنبول تم إلغاؤه لأسباب «تقنية». وقد اعتبرت كلينتون في تصريحات لها من إسطنبول أنه لا يمكن التأثير على الوضع في سوريا من الخارج. وقالت: «لا أحد منا لديه تأثير حقيقي باستثناء أن نقول ما نعتقده ونشجع على التغيير الذي نأمله». وأضافت أن «ما يجري في سوريا غير واضح المعالم ومثير للحيرة لأن الكثيرين منا كان يحدوهم الأمل أن ينجز الرئيس الأسد الإصلاحات الضرورية». ولم تدلِ كلينتون بتصريحات حول المؤتمر، لكنها دعت «إلى جهد صادق مع المعارضة من أجل تحقيق تغييرات». وقالت: «لست أدري ما إذا كان ذلك سيتحقق أم لا».

ورغم منع السلطات السورية لـ«الجناح» السوري من اجتماع «مؤتمر الإنقاذ السوري»، فإن نحو 350 معارضا قرروا الاستمرار في عقد «الجناح التركي» سعيا إلى بلورة مجلس تمثيلي من 75 شيخا يمثلون الداخل والخارج. وبدأ المؤتمر الذي تستضيفه مؤسسة «مظلوم در» التركية (جمعية المظلومين) بكلمة من رئيس الجمعية التركية، أحمد فاروق، الذي شدد على الدور اللوجيستي فقط في الاستضافة، لكنه سرعان ما دخل في عمق الموضوع سياسيا بإعلانه «يدا بيد لنبدأ الخطوة الأولى في تنظيف سوريا من النظام البعثي»، مذكرا المجتمعين بأن «هناك مئات الآلاف من الأكراد في سوريا من دون مواطنة، ويجب أن لا ننساهم». وشدد فاروق على ضرورة «عدم الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقعت بها بعض الدول (في إشارة إلى الملف الليبي) لأن التغيير يجب أن يكون من الرحم السوري ولا نريد أي تدخل خارجي يعقد الأمور».

ثم تحدث رئيس المؤتمر، هيثم المالح، رئيس جلسة الافتتاح في لقاء إسطنبول، مستعرضا تاريخ المعارضة السورية في العقود الأخيرة، وقال إن الرئيس الأسد «وعد بالانفتاح على الآراء السياسية كافة ثم تراجع، ولم تلبث الصالونات السياسية أن أغلقت لينتهي ما سمي بـ(ربيع دمشق)، حيث أعلن الأسد قبل 4 سنوات أن الأولوية للأمن لا للسياسة، مما أطلق يد الأجهزة الأمنية لمرحلة أخرى من الاعتقالات».

وشدد المالح على أن النظام «لم يعد يمتلك أي شرعية» وقال: «(الرئيس السوري الراحل حافظ) الأسد وأولاده يرون سوريا مزرعة هم أصحابها والشعب السوري عبارة عن عمال فيها. ومن الآن وصاعدا لن يقبل السوريون بأن يكونوا عمالا في مزرعة الأسد».

وقال عضو اللجنة التحضيرية، عماد الدين رشيد، إن ما يقوم به المؤتمر لا يعد سوى استمرار لجهود قديمة تتابعت منذ «ربيع دمشق وإعلان دمشق»، مرورا بالكثير من المبادرات ووصولا إلى «الثوار الذين يبيتون في الشوارع وفي أنفاق المياه هربا من الاعتقال». وأوضح أن «فكرة الإنقاذ انطلقت في الشهر الخامس عندما أسقط النظام شرعيته بمواجهة المتظاهرين بالعسكر»، مع اتهام النظام عصابات تخريبية بالقتل، مما دفع المعارضة إلى الامتناع عن الحوار والبحث في «مرحلة ما بعد النظام». وقال إن المؤتمر يسعى إلى توحيد رؤية المعارضة، حيث «يقتات النظام على غياب ممثل لها»، مؤكدا ضرورة إيجاد برنامج سياسي بعيد عن الآيديولوجيات ويتفق عليه جميع السوريين.

وقال المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا، علي صدر الدين البيانوني، إن مؤتمرات المعارضة هي تعبير عن حيوية إيجابية فاعلة وضرورية أكثر من كونها حالة شتات، ودعا السوريين إلى النظر إلى جميع الأطياف من زاوية التوافق ما دام الجميع تحت سقف الوطن. ولفت البيانوني أنظار المشاركين إلى أنه لم يحن وقت التنافس على البرامج التفصيلية لأطياف المعارضة، إذ يتوجب على الجميع إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي إلى أن يحين وقت التنافس على خدمة الوطن والمواطن، مشددا على أن «الشعب السوري هو جزء من الأمة العربية ولا يمكن أن ننسى هذا»، جازما بأن الثورة السورية «سوف تبقى سلمية إلى آخر يوم، فإما أن تنجح وإما أن تفشل».

وقال المفكر السوري برهان غليون في كلمته إنه «لا يمكن لمن شن الحرب على الشعب وخرج عن القانون وانتهك الدستور أن يكون قائدا للشعب إلى السلام ولا أن يكون الضامن للدستور الديمقراطي في المستقبل». وأضاف غليون أنه جاء إلى إسطنبول لينقل مشاعر شباب الثورة الذين كانوا قلقين من أن يسير المؤتمر باتجاه بديل عن نشاطهم، في حين يعمل الشباب بشكل متواصل للتنسيق الميداني بعيدا عن تنافس التيارات السياسية.

وبعد استراحة الغداء عادت المداخلات التي صعب على المنظمين ضبطها، واستهلت بمفاجأة قام بها الوفد الكردي المشارك الذي قال ناطق باسمه إنه تم تهميش الأكراد في المؤتمر، ولم يأت أحد من المشاركين على ذكرهم. وقال: «لم يتطرق أحد من المتحدثين في الجلسة الصباحية إلى القضية الكردية، كقضية أرض وشعب. نحن نريد سوريا دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية»، مضيفا: «الثورة يقودها ثوار سوريا، وليس في المؤتمرات. المؤتمرات تساعد فقط. تمنينا لو كانت المعارضة مجتمعة بأكملها هنا، لكن تم تهميشها» معلنا الانسحاب من المؤتمر، ليغادر الوفد القاعة من دون أن يحاول أي من المنظمين الطلب إليهم البقاء.

وبعد أن تحدث ممثل «ائتلاف سوريا أولا» عن تهميش الشباب، تحدث ممثل «ائتلاف العشائر والقبائل»، محمد سحير، عن «تهميشها». قائلا: «نحن نمثل أكثر من نصف الشعب السوري وقدمنا الضحايا والجرحى والنازحين، ومع الأسف فإنه من (مؤتمرات) أنطاكيا فبروكسل فإسطنبول كانت العشائر مهمشة يتحكم فيها من يتحدث في الميكروفون». وأضاف: «نحن نحس أن هناك تآمرا على العشائر لإبعادها وتجريدها من حقوقها. نحن ثوار ولسنا معارضة، فالمعارضة لا تقدم ضحايا، ولهذا نطالب بتمثيل مناسب لحجمنا».

ودعا المعارض وائل الحافظ إلى بدء حملة عصيان مدني لمحاولة الإطاحة بالرئيس السوري. وأعلن الحافظ مساندته لكل ما يوحد الشعب السوري ويساعد المواطنين في الداخل ويوحد صفوف المعارضة في مواجهة النظام السوري الذي وصفه بالقمعي وغير الشرعي لاغتصابه السلطة. وانتهاكه حقوق الإنسان. وأضاف: «إن المعارضة تريد تصعيد المواجهة السلمية من خلال عصيان مدني وتضييق الخناق على النظام اقتصاديا وشل الدولة بأقل خسائر ممكنة».