يوميات صحافي في حمص

أهالي حمص.. «يا محلا النوم على صوت الدبابة»

انحياز الجيش السوري للشعب في حي الخالدية بمدينة حمص والصورة مأخوذة من «أموي نيوز»
TT

كتب صحافي حمصي انطباعاته اليومية عما تعيشه مدينة حمص منذ أربعة أشهر في تقرير أرسله لـ«الشرق الأوسط» وطلب إغفال اسمه لأسباب قال إنها هي ذاتها التي تجعل المتظاهر في سوريا يخرج ملثما إلى الشارع ليطالب بإسقاط النظام.

* مرت فترة طويلة نسبيا على وجود الجيش في الساحات والشوارع الرئيسية في مدينة حمص.. تأقلم الأهالي على واقع المتاريس وأكياس الرمل والحواجز الأمنية التي قطعت المدينة إلى «كنتونات» صغيرة يصعب معها التحرك.

* شعارات كثيرة اخترعها متظاهرو حمص عبرت أو نددت أو رحبت بوجود الجيش كان من أبرزها «يا محلا النوم على صوت الدبابة»، و«يا محلا النوم على صوت الروسية»، و«جيشنا من حارة لحارة وبدنا نجاتي طيارة».

* نجاتي طيارة.. ناشط سوري اعتقل بسبب تصريحاته الناقدة للنظام.. وهو الصوت الحر كما تصفه اللافتات والمنشورات الحمصية، الصوت الذي كان يلعلع على شاشة «الجزيرة» وبعض المحطات التي وصفها النظام السوري بـ«المندسة»، لا ينفك أهالي المدينة في كل مظاهرة عن رفع اللافتات المطالبة به والمدافعة عنه.. كما يحتل نجاتي في قلوب الحماصنة المكانة الأبرز بعد كلماته الشهيرة: «كل متظاهر في سوريا يعادل عشرة آلاف متظاهر إذا أخذنا بعين الاعتبار مدى خطورة المغامرة بالنزول إلى الشارع ومواجهة الرصاص».

* نجاتي كان لسان حال المدينة والناطق الرسمي لها.. افتقده الشارع الحمصي الذي انتفض عن بكره أبيه وفي كل المناطق يوم أعلن عن اعتقاله.

* رغم قساوة الشعارات ضد الجيش.. فإن أفراده يجدون كل الاحترام والتقدير من الأهالي.. فهم يقدمون لهم الطعام والماء.. على العكس من النظرة إلى رجال الأمن الذين يكن لهم الأهالي كل الكره.. ويشعرون بالاشمئزاز تجاههم.. ويحاولون الابتعاد عنهم قدر الإمكان.

* وجبات طعام مع لمسة عتب.. ما إن يعرف الأهالي أن هذا الحاجز هو للجيش فقط وخال من أي عنصر أمن، يتم إمداده بالطعام، والماء والمشروبات.. حتى إنهم يجالسونهم لشرب كأس شاي. يعطونهم الهواتف ليتكلموا مع أهلهم إلى جانب شرح حقيقة ما يجري فعلا في المدينة.

* حوار الجيش والشعب يبدأ من لحظة إنزال الدبابات والآليات المختلفة التي حفظ اسمها الجميع.. لا بل يردد الناس ميزاتها الفنية والتعبوية تحسبا للحظة استخدامها ضدهم. شو شباب جايين تحرروا الجولان؟.. لوين رايحين هون مو تل أبيب؟

* قام البعض بإنشاء صفحات ساخرة على «فيس بوك» مثل «مغسل حمص الدولي للدبابات» وغيرها.

* وحدهم الأطفال يعبرون عن فرحهم بالجيش وكأنهم يجدون بالدبابات ألعابا كبيرة فيبدأ القفز والتسلق واستكشاف هذا الجنزير.. وذلك المدفع وسط ترديد للشعار الرائج «الجيش والشعب ايد واحدة».. هؤلاء الأطفال لا تخيفهم صرخات الجنود بالنزول فيصار إلى إطلاق النار أحيانا في الهواء لتفريقهم أو محاولة تجاهلهم. بعض الأهالي يضع أطفاله على المجنزرة ليلتقط لهم الصور التذكارية لعلمه بأن المشهد نادر ولن يتكرر.

*بعد أن تنتهي مظاهرات الجمعة تخلو الشوارع إلا من أطفال وكرة قدم يشاركهم الجنود المباراة التي تمتد لساعات أحيانا وسط جمهور عريض من الأهالي يراقبون أطفالهم من شرفات ونوافذ البيوت.

* «التبولة» و«الكبسة» و«الحراق اصبعو» والماء البارد والشاي والقهوة تأتي لعناصر الجيش وضباطهم ولكن فقط لمن لا يطلق النار، وهم معروفون من الأهالي لأنهم صاروا وحسب التعبير الحمصي «عِشرة عمر.. ومن عاشر القوم.. إلخ».

* كما لا يخلو الأمر أحيانا من جلسات ليلية - عقب ليلة طويلة يطلق فيها الرصاص والقنابل الصوتية عشوائيا من رجال أمن يتم توزيعهم على الحواجز برفقة الجيش.

*مشاهير الشوارع: ديبو مجنون شارع الستين يشاع أنه كان ضابطا في الجيش قبل جنونه - يرتدي ملابس عسكرية ورتبا وأحيانا يصبح شرطي مرور. هو أكثر أهالي المنطقة فرحا بوجود الجيش والمار من تلك المنطقة. يشاهد ديبو إلى جانب الجنود مستلقيا على عربات «BTR»، هذه الصحبة جاءت بعد عراك. ديبو استقبل الجيش على طريقته وبتوجيه من البعض تقدم من الحاجز وبيده حبة من الباذنجان رماها في اتجاه الحاجز فما كان من الجنود إلا أن ارتموا على الأرض ظنا منهم أنها قنبلة.. ولما اكتشفوا المقلب.. وأن ديبو ما هو إلا مجنون.. تركوه بعد أن أكل نصيبه.

* عبد الله مجنون شارع الزير - سائق سابق - انتقل من القيادة الهوائية وتقليده الدائم للشاحنة التي كان يقودها «أيام كان العقل موجودا»، انتقل لقيادة عربات الـ«bmb» والدبابات.

* سعيد من حي البياضة تحول إلى شحاذ يستجدي الصدقة بالدعاء إلى «هتيف» دائم أمام الحواجز.

* كرمو بعكس ديبو وعبد الله وسعيد فقد اختار كرمو الاختفاء بعد انتشار الجيش في الخالدية!

* حفر الخنادق: في حي النازحين تمركز الجيش في منطقة تعد لتكون حديقة عامة، ولكنها لا تزال خالية وقد أمر الضابط المسؤول الجنود بحفر الخنادق حول دباباتهم. حفر الخندق تزامن مع مرور عمال مياومين من سكان الحي نزلوا وساعدوا الجنود في الحفر إلا أنهم تركوهم قبل أن ينتهوا من الخنادق لتخوف الجنود من الضابط المسؤول عنهم.

* حلاق حمص: المضحك المبكي أن الحلاق الذي يقع محله في شارع رئيسي في إحدى مناطق حمص، شاء حظه العائر أن يقام حاجز عسكري أمام محله مباشرة. وبعض عناصر الأمن افترشوا بهو المحل، مما رتب على الزبون إبراز بطاقته الشخصية مع كل زيارة للحلاق. ولأن أهالي المنطقة اعتادوا زيارة الحلاق بالبيجامة أو الجلابية ومن دون هويات أصبح لزاما عليهم ارتداء الملابس الرسمية وحمل البطاقات، وإلا فإن زيارة الحلاق تتحول إلى زيارة لفرع أمن. بعضهم اعتقل عند الحلاق حتى تصل هويته من البيت. أما من اختار «الملاوعة والعراك» جرجر إلى الفروع ليصار إلى حلاقته على الناعم. الحلاق أفلس وخسر زبائنه وهو ينتظر على أمل.. «اليوم بيشيلوا الحاجز وبكره بيشيلوه».

* نهفات: حمص التي انتفضت بعد درعا تعاملت مع التكثيف العسكري والأمني والكثير من الشهداء ومئات الجرحى بالابتسامة والنكتة الممزوجة بالألم، فمن بوري الصوبيا كمدفع إلى قنابل الباذنجان وصولا إلى طلقات البامية ومدافع الكوسة. الحماصنة وكعادتهم قابلوا الإعلام السوري بالسخرية من خلال اختراع الهتافات وتوثيق كل ما يلفقه الإعلام السوري ويرد عليه من خلال أفلام انتشرت على «يوتيوب»، فمن كذبة الامارات السلفية إلى تلفيقة العلم الإسرائيلي.. إلى الاتصالات المميزة على قناة «الجزيرة» و«العربية» و«الدنيا» فمنهم من قام بالاتصال بقناة «الدنيا» على الهواء وطلب الجيش والشبيحة لمدينة حمص، فما كان من المذيع «نزار الفرا» إلا أن أجابه: أرسلنا لكم الجيش.. الجيش في حمص الآن؟ أجابه المتصل: خلصوا كلهم ابعتولنا غيرهم.

* وتلك اللقطة التي ظهرت على «يوتيوب» لعناصر أمن تنقض على متظاهر فجأة يأتي صوت من بعيد: فجر حالك صاروا 20 فوقك، فما كان لرجال الأمن والشبيحة إلا الهرب. وقصة الضرب (علي أبو موزة).. والكثير الكثير مما لا يسعنا ذكره هنا.

* مع رجال الأمن: معاملة رجال الأمن مختلفة تماما.. فالحافلة التي تقلهم إلى الحواجز لتبديل النوبات تتعرض إلى الضرب والقذف بالبيض والبندورة وأكياس الدهان والأوساخ، وسط صرخات الاستهجان والشتم والصفير.. ولأنهم رجال أمن فهم مستعدون فيخرجون فوهات بنادقهم من نوافذ الباص ولا بأس ببعض الطلقات في الهواء لترويع السكان.

* الحواجز الأمنية لا يمر منها إلا من كان مضطرا، بسبب المعاملة السيئة والمزاجية في اعتقال الشباب.. ولا يسقون ولا يطعمون. ويتسلى بعض الصبية برميهم بالألعاب النارية ردا على الرصاص الحي الذي يطلق طوال الليل للتغطية على المظاهرات الليلية وإسكاتها.

* رليل حمص مختلف عن نهارها.. واعتياد الناس على وجود الجيش لا يلغي حالة الرعب التي يعيشها أطفال صغار ونساء جراء تلك العمليات العسكرية الوهمية ليلا. سؤال وجهته طفلة لجندي تحتل دبابته ساحة بيتها: «عمو اي متى بدكن تروحوا؟».