مسؤول سعودي ردا على تقرير للخارجية الأميركية: مصادره غير معروفة ومن مجلات إلكترونية ومدونات

وكيل الخارجية السعودية لـ«الشرق الأوسط»: لا ندعي الكمال ومثل هذه الخروقات قد تحدث في أي مكان

الأمير د. تركي بن محمد الكبير
TT

وصف مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السعودية تقرير الخارجية الأميركية، الذي وضع المملكة في أسوأ تصنيف في مكافحة الاتجار بالأشخاص بـ«غير الموضوعي»، وأبدى الأمير الدكتور تركي بن محمد الكبير، وكيل وزارة الخارجية السعودي للعلاقات متعددة الأطراف في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أسفه كون التقرير الأميركي «لا يرتكز على منهجية واضحة في وضع الأسس التي يصنف الدول بموجبها إلى دول متقدمة ودول متأخرة في مجالات مكافحة الاتجار بالأشخاص، وأضاف الأمير تركي أن بلاده لا تتفق مع معظم ما جاء في التقرير الذي تضمن «ادعاءات غير واقعية».

وفي إشارة واضحة من المسؤول السعودي لرفض بلاده تقييم دولة أخرى لها، قال الأمير تركي بن محمد الكبير: «إن مثل هذا التقرير يعبر عن وجهة نظر الدولة التي أصدرت التقرير، وإن المملكة تعنى أساسا بالتقارير المعتمدة دوليا والصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية المكلفة ببحث مثل هذه القضايا، وفقا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية».

وأشار وكيل وزارة الخارجية السعودية إلى أن الرياض لها تعاون جيد مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان في جنيف، حيث تقدم المملكة تقاريرها، ومنها تقرير «الاستعراض الدوري الشامل»، كما أنها تنظر بإيجابية إلى ما يصدر عن المجلس وأعضائه من ملاحظات وتوصيات، موضحا أن تلك الهيئات أثنت على ما قامت به السعودية من تطوير وتحديث لأجهزتها الوطنية المعنية، برعاية حقوق الإنسان في جميع المجالات، وعلى رأس ذلك إنشاء هيئة حقوق الإنسان والموافقة على إنشاء الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.

وفي مجال الاتجار بالأشخاص على وجه التحديد، أوضح الأمير تركي لـ«الشرق الأوسط» أنه تم إصدار نظام خاص تحت اسم «نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص»، وفقا للمرسوم الملكي رقم م/40 وتاريخ 21/7/1430هـ، مبينا أن هذا النظام احتوى على مواد مفصلة لتعريف «جريمة الاتجار بالأشخاص» ومكافحتها على المستويين الوطني والدولي، ورتب عقوبات رادعة لمرتكبيها والمساهمين فيها والمتسترين عليها، تصل للسجن خمسة عشر عاما، والغرامة مليون ريال، بالإضافة لمصادرة الأموال والممتلكات التي استخدمت في الجريمة أو التي تحصلت منها. وجعل العقوبة مشددة في عدد من الحالات، منها كون الضحية طفلا - أقل من ثمانية عشر عاما - أو امرأة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا ألحقت ضررا جسيما بالضحية، أو سببت له عاهة مستديمة، أو إذا كان لها الطابع العابر للحدود الوطنية، أو كان مرتكبها من موظفي الدولة المكلفين بتطبيق الأنظمة.

وأضاف وكيل الخارجية السعودية لـ«الشرق الأوسط» أن النظام نص على إنشاء لجنة دائمة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، يكون مقرها في هيئة حقوق الإنسان، وتشارك في عضويتها جميع الجهات الحكومية المعنية وتتولى مهام متابعة أوضاع ضحايا الاتجار بالأشخاص وسبل البحث عن الضحايا ورعايتهم وحفظ حقوقهم، والتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية، بالإضافة للجوانب التوعوية والإعلامية للتعريف بالنظام ومبادئه، وإعداد الإحصائيات والدراسات المتعلقة بهذا الخصوص.

وأضاف أن بلاده نظمت عددا من الحلقات التدريبية، حيث عقدت هيئة حقوق الإنسان بالتعاون مع الجهات الأكاديمية السعودية والدولية المتخصصة عددا من الحلقات التدريبية للقضاة السعوديين ومسؤولي الضبط حول النظام الجديد، والمهارات اللازمة لتطبيقه، بالإضافة للكثير من الندوات الأكاديمية وحلقات النقاش للتوعية بجريمة الاتجار بالأشخاص وسبل مواجهتها.

وأشار إلى أنه من المهم الإشارة إلى أن جميع الجرائم المرتبطة بهذا النظام كانت دائما محرمة، ويُعاقَب عليها في المملكة، فهذا النظام ليس إلا تجسيدا وامتدادا لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، التي تحرّم الظلم وتمنع انتهاك حقوق الإنسان أو بخسها أو استغلاله بأي وجه كان.

وبين أن السعودية من أوائل دول المنطقة التي صادقت على بروتوكول الأمم المتحدة، لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص لعام 2000م، المنبثق من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة. وأوضح أن بلاده تشارك في الفعاليات الدولية والإقليمية المتعلقة بالتنسيق والتدريب لمواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص ومكافحتها.

وفي رد له حول التقييم السلبي للمملكة في التقرير الأميركي، أشار إلى أن التقرير لا يعتمد على أسس موضوعية، «وهو يستقي جانبا كبيرا من معلوماته من مصادر غير معروفة ومجلات إلكترونية ومدونات غير موثقة، بالإضافة إلى وقائع ما زالت قيد التحقيق، ولا يوجد مصادر دقيقة عنها إلا ما نشر في بعض الصحف أو المواقع الإلكترونية».

وأبدى الأمير تركي بن محمد الكبير استغرابه لعدم تطرق التقرير بالتفصيل إلى وجهة النظر الأخرى، ولم يشر إلا إشارة عابرة لما بذلته وتبذله حكومة المملكة من جهود تنظيمية وتنفيذية على كافة الأصعدة لمكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، والقضاء على الحالات المصنفة ضمنها، كما أشير أعلاه. وعلق على هذا الجانب قائلا: «لعلنا نتفق هنا على أن المملكة هي الأدرى بمشكلاتها، وكيفية مواجهتها بالوسائل اللازمة على الصعيدين الوطني والدولي». وأضاف: «نحن في السعودية لا ندعي الكمال، ومثل هذه الخروقات قد تحدث هنا كما تحدث في بقية دول العالم، ونحن، كما أوضحنا دائما، ملتزمون بمواجهتها وقمعها وحماية ضحاياها وجلب مرتكبيها للعدالة، وقد تم بالفعل محاكمة عدد من المتهمين بارتكاب جرائم اتجار بالأشخاص وفقا للنظام الجديد»، مشيرا إلى أنها عموما حالات قليلة، وأن ما يذكره التقرير الأميركي بهذا الخصوص بعيد عن الواقعية.

وبين أن الرياض رحبت بزيارة الوفود الرسمية الأميركية التي زارت المملكة لبحث الكثير من القضايا التي تهم البلدين، وذلك لإدراكها بأهمية التعاون الدولي لمكافحة مثل هذه الجرائم وما شابهها، وأن المملكة ليس لديها ما تخفيه، بل هي ترغب في معالجة ما قد يوجد من قصور أو ثغرات، مضيفا أنه، مع الأسف، لم يحدد التقرير الأميركي حالات معينة وموثقة حتى يمكن الوقوف عليها ومعالجتها، ولكي يصبح تقريرهم ذا قيمة، ويصب في مسار تعديل الأخطاء.

وحول ما ذكره التقرير الأميركي حول قيام بعض العصابات في الكثير من الدول الآسيوية والأفريقية الفقيرة باستغلال مجموعات من الأطفال وذوي الإعاقة وترحيلهم إلى دول ذات أوضاع اقتصادية جيدة، مثل السعودية، للتسول أو للعمل كبائعين في الشوارع، أوضح الأمير تركي أن بلاده تعاني فعلا من حالات كهذه، خاصة في مواسم معينة من السنة؛ كموسم الحج أو رمضان، وختم وكيل الخارجية السعودي حديثه لـ«الشرق الأوسط» موضحا أن لدى بلاده تعاونا طيبا مع المجتمع الدولي على المستويين الثنائي أو المتعدد الأطراف، من خلال المنظمات والمؤتمرات الدولية والإقليمية التي تشارك المملكة في أعمالها وفعالياتها، ونحن نطمح إلى تعزيز وتطوير هذا التعاون في الجوانب الإيجابية والبناءة.

من جانب آخر، أوضح مكتب الناطق باسم السفارة الأميركية في الرياض، في رد له، أن تقرير الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» أن التقرير يسعى بصورة متواصلة ليكون واقعيا وموضوعيا قدر الإمكان. وذلك حسب ما صرح به الرئيس أوباما، «فإننا نقف مع أولئك الذين يعملون كل يوم لإنهاء العبودية الحديثة، وتقديم المتاجرين بالأشخاص للعدالة، وتمكين الناجين من المطالبة باسترداد حريتهم الشرعية».

وأضاف المسؤول في المكتب الأميركي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن حكومة بلاده امتدحت السعودية على الخطوات التي تم اتخاذها خلال السنتين الماضيتين لمحاربة المتاجرة بالبشر، موضحا أن الإقرار بالمشكلة وإجازة تشريعات لمعالجة المشكلة، والبدء في تدريب المسؤولين السعوديين على تحديد الضحايا ومحاكمة المجرمين، جميعها «تمثل خطوات أولى بالغة الأهمية».

واعتبر المتاجرة بالبشر مشكلة تنطوي على تحد كبير، كونها تتطلب طرقا منظمه لتحديد الضحايا، وتتطلب محققين ووكلاء نيابة وقضاة مدربين، كما تتطلب مرافق تقوم بتقديم المساعدة الطبية والنفسية للضحايا، وهي تتطلب أيضا وعيا عاما بالمشكلة. وأضاف: «لقد بدأت الحكومة السعودية في معالجة هذه التحديات، ولكن هناك الكثير الذي ينبغي القيام به».

وأضاف الناطق الإعلامي باسم السفارة بالرياض لـ«الشرق الأوسط» أن حكومة الولايات المتحدة أثنت على الحكومة السعودية حيال إقرار التشريع الشامل المعني بمكافحة المتاجرة للعام، وأثنت على اللجنة الدائمة لمكافحة الاتجار بالأشخاص لمشاركتها في برامج التدريب الدولية، وقيام اللجنة بتدريب المسؤولين السعوديين على أفضل الممارسات والدروس المستقاة من هذه البرامج. كما أثنت على اللجنة الدائمة بالنسبة لخططها الرامية لزيادة وتوسيع نشاطاتها خلال العام المقبل.

وأشار إلى أن التوصيات الواردة في التقرير ترمي إلى تشجيع الحكومة السعودية لمواصلة وتوسيع تدريب القضاة ومواصلة حملات نشر الوعي العام، وذلك بتمييز حالات المتاجرة بالبشر، وأن التوصيات تقترح قيام الحكومة السعودية بالبدء في إنشاء آلية رسمية لتحديد الضحايا؛ ففي الكثير من البلدان يتم تحديد ضحايا المتاجرة في مراكز الشرطة ومراكز الحجز ومراكز الترحيل ومكاتب العمل والمطارات. وبين أن تزويد المسؤولين في هذه المرافق باستبيان بسيط، وتزويدهم بالتدريب على تحديد الضحايا، سيساعد السلطات على حماية الضحايا على نحو أفضل.

وإضافة إلى تقديم المتاجرين للمحاكمة وحماية الضحايا، علينا مراجعة وتغيير الهياكل والسياسات والممارسات التي تؤازر العمل القسري الآن. وتكمن الوقاية في المبادرات التي تقوم على سبيل المثال بتنظيم شركات الاستقدام وبرامج العمال الضيوف، وتعزيز الفئات الضعيفة، وتثقيف القوى العاملة الأجنبية والوطنية بشأن حقوقها، وقال: «لم يتمكن أي بلد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، من بلوغ رد حقيقي شامل على هذه الجريمة، والولايات المتحدة وبعد عشر سنوات من تركيز الجهود الخاصة بمعالجة هذه المشكلة، لا تزال تشق طريقها بجهد لمحاربة المتاجرة بالأشخاص داخل حدودها».

وكانت الخارجية الأميركية أصدرت تقريرا حول جهود الدول في مكافحة الاتجار بالأشخاص، ووضعت عددا من الدول في أسوأ مستوى، وهو المستوى الثالث، أتت من ضمنها السعودية؛ حيث وجه الاتهام للمملكة التي تعتبر مقصدا للعمالة، بإجبار تلك العمالة على العمل القسري، واتهم التقرير الأميركي السعودية بعدم التزامها بالحد الأدنى من المعايير الموضوعة لمكافحة الاتجار, كما اتهم التقرير الأميركي الحكومة السعودية بتقييد حرية العمالة الوافدة.