الجيش السوري يصعد حملته في حمص.. وإحراق للبيوت والسيارات واستمرار الاعتقالات

المرصد السوري لحقوق الإنسان يصف العملية بـ«الأشرس» حتى الآن.. وأنباء عن انشقاق عدد كبير من ضباط الكلية الحربية في المدينة

TT

صعد الجيش السوري من حملته العسكرية في حمص، عشية جمعة «أحفاد خالد»، وقتل شخصان برصاص قوات الأمن في المدينة، أمس، بحسب ما أكد ناشطون. وقال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» أن العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري في حمص «هي الأشرس» حتى الآن، وتحدث عن إحراق للبيوت والسيارات والمحلات التجارية، إضافة إلى استمرار حملة الاعتقالات الواسعة وأنباء عن سقوط عدد من القتلى.

وفي الوقت نفسه، استمرت حملات المداهمة والاعتقال العشوائي في دوما بريف دمشق، مع قطع تام للاتصالات. وفي حرستا في ريف دمشق، استمرت أيضا التعزيزات العسكرية والأمنية. ولم تمنع الحملات الأمنية السوريين من الخروج في مظاهرات متفرقة أمس، دعما لحمص التي تشهد تطورات دامية منذ يوم السبت الماضي.

ولفت أمس خبر انشقاق عدد من الضباط والجنود في الكلية الحربية في حمص، بحسب ما أكد ناشطون على صفحات «فيس بوك». وذكرت صفحة الثورة السورية أن «عددا كبيرا من الضباط والجنود» في الكلية الحربية في حمص انشقوا. وأضافت لاحقا أنه يسمع انفجارات وإطلاق رصاص كثيف جدا عند الكلية الحربية، مجهولة المصدر، «ويرجح أنها بسبب انشقاق لعناصر من الجيش».

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «مدينة حمص تتعرض منذ صباح الخميس لعملية أمنية شرسة جدا. الحواجز العسكرية منصوبة في كل شوارع المدينة». وأضاف البيان أن باب السباع تعرض «لإطلاق نار كثيف جدا مما أدى لاحتراق أحد المنازل والأوضاع الإنسانية باتت مزرية وانقطعت الاتصالات في عدد كبير من أحياء المدينة».

وأشار عبد الرحمن إلى أن «الجيش وقوات الأمن اقتحموا منازل وقاموا باعتقالات في حمص. ويسمع إطلاق نار كثيف منذ الفجر (أمس)» في هذه المدينة التي تشكل ثالث أكبر المدن السورية، حيث قتل عشرات المدنيين في الأيام الماضية. وأضاف أن «غالبية الشوارع مقفرة بسبب العمليات العسكرية. وتمت رؤية دبابات في محيط قلعة حمص كما تم إقفال مداخل بعض الأحياء». وتابع «الجيش أقام حواجز في كل الطرق. وسائل الاتصال قطعت في غالبية الأحياء. الوضع الإنساني يرثى له». وأكد أن سكان بعض الأحياء خصوصا في باب الدريب حيث تم سماع دوي انفجارات «يشعرون بالرعب».

وقال نشطاء وسكان في حمص لوكالة «رويترز»، إن الجيش السوري صعد حملته العسكرية في المدينة التي أصبحت نقطة ساخنة للاحتجاجات. وقال مقيمون إن إطلاق نار ودوي انفجارات سمعا في حي باب السباع القديم في حمص بوسط سوريا. وقال مقيم في حمص طلب الإشارة إليه باسم أحمد «هناك ضحايا واعتقل كثيرون. إننا نشعر بخوف شديد». وذكر مقيم في حي آخر بالمدينة أن مستشفيات محلية تدعو إلى التبرع بالدم بعدما استقبلت حالات إصابة من باب السباع.

وقال رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم الريحاوي لوكالة الصحافة الفرنسية إن شخصين قتلا أمس في حمص برصاص قوات الأمن الذين كانوا ينفذون مع الجيش عمليات أمنية. وأضاف الريحاوي «ثمة إطلاق نار كثيف في أحياء الخالدية وبابا عمرو ونزهة التي تطوقها قوات الأمن. وقد قتل مدنيان برصاص الأمن».

وذكر ناشط في حمص أن الجيش اقتحم منازل في حي باب السباع. وقال ساكن لـ«رويترز» عبر الهاتف إن الجيش أطلق النار على مصلين في حي الخالدية بشرق حمص أثناء خروجهم من مسجد خالد بن الوليد في الساعات الأولى من صباح أمس.

وتصاعد التوتر بين الأغلبية السنية في البلاد وأفراد الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد في حمص، مما أثار مخاوف من أن تأخذ حركة سلمية تنادي بالديمقراطية منحى خطرا صوب الصراع الطائفي. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الاثنين الماضي، إن إعادة جثث مشوهة لثلاثة من العلويين إلى أقاربهم أسفرت عن نشوب قتال بين سكان مسلحين في حمص هذا الأسبوع. وذكر نشطاء وسكان أن عدد القتلى في حمص منذ مطلع الأسبوع ارتفع إلى 33 على الأقل. ومن الصعب معرفة ما إذا كان القتلى سقطوا برصاص القوات الحكومية أو في قتال بين السكان. ودخلت القوات والدبابات السورية حمص الواقعة على بعد 165 كيلومترا شمال دمشق أول مرة قبل شهرين واحتلت الميدان الرئيسي بالمدينة بعد احتجاجات كبيرة تطالب بالحريات السياسية.

ومنذ بداية الأسبوع الماضي والمدينة تعيش حالة أشبه بالإضراب العام، بينما تتجول الدبابات في الأحياء، وعناصر الأمن والشبيحة يتولون أمر فض المظاهرات التي لم تهدأ بالقصف والرصاص الحي، مع حملة اعتقالات موسعة. وقالت مصادر محلية إن العملية العسكرية التي يشنها النظام على المدينة استمرت طلية ليل أول من أمس، وفجر الخميس تمركزت الدبابات والمدرعات في ساحة باب الدريب، كما سمع صوت قصف في حي باب السباع. ووصفت المصادر الوضع في مدينة حمص بأنه أشبه بـ«حالة حرب»، حيث لا يتمكن السكان من مغادرة منازلهم. وأضافت المصادر أن حي العدوية تعرض لحملة أمنية عنيفة، مصحوبة بقصف مدفعي وكذلك أحياء المريجة والفاخورة والقصور، وتمت مهاجمة مسجد في المريجة.

ولم يمنع القمع الشديد الذي ظهر في حمص، من خروج المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام ونصرة حمص. ففي مدينة دمشق، وفي تطور لافت، خرج في المدينة القديمة نحو 500 شاب وشابة من طلاب جامعات ومثقفين، فيما يعرف بمظاهرة «طيارة» أي تكون سريعة، هتفوا «شدي حيلك يا بلد الحرية عم تنولد» و«بدنا حرية إعلام» و«بدنا نحكي وع المكشوف حرامية ما بدنا نشوف» و«الشعب السوري واحد».

وقال شهود إن جمهورا من مؤيدي النظام، بالتعاون مع الشبيحة، هجموا على المتظاهرين وراحوا «يضربونهم بأي شيء حتى بالكراسي»، كون المنطقة تلك من المناطق السياحية التي تنتشر فيها المقاهي. وتم اعتقال عدد من المشاركين منهم خزامي درويش، وربا حسن، ووفاء صالح ورهف عيسى موسى ونوال شاهين وأليس مفرج والدكتور عمر عبد الدين وعقبة عمود وخلدون البطل مصور فوتوغرافي.

وشكلت هذه المظاهرة مفاجأة في أوساط المثقفين، إذ خرجت دون سابق إنذار، وفي مكان لم تخرج فيه سابقا أي مظاهرات. كما أن التنوع الديني والمناطقي للمشاركين يضم كل الأطياف السورية. واعتبر أحد الناشطين «هذه المظاهرة الطيارة ردا بليغا على من يدفع باتجاه الاقتتال الأهلي»، بينما أحال المصور الفنان عمر البحرة كل من يقول إن للمظاهرات في سوريا «طابعا دينيا طائفيا إلى أسماء المشاركين في مظاهرة القيميرية».

كما خرجت مظاهرة في حي الميدان ليل الأربعاء، وقامت قوات الأمن بتفريقهم بإطلاق نار في الهواء. وخرجت مظاهرات أخرى في كل من كفر سوسة والقابون وركن الدين، وهتف المتظاهرون بإسقاط النظام في بلدات كناكر وعربين والكسوة بريف دمشق.

وفي محافظة دير الزور (شرق) خرجت عدة مظاهرات في مدينة دير الزور التي تشهد اعتصاما أمام جامع عثمان، أما في البوكمال فقد رفض المعتصمون طلب الجيش الذي يحاصر المدينة تسليم الضباط المنشقين الذين لجأوا إلى الأهالي في وقت سابق هذا الأسبوع. وكان وجهاء البوكمال وزعماء العشائر قد دخلوا في مفاوضات مع قادة عسكريين لتسليم قطع الأسلحة التي صودرت من مخفر للشرطة وجهات حكومية وإنهاء المظاهر المسلحة وتوقيع المطلوبين على تعهد بعدم المشاركة في أعمال عنف مقابل عدم دخول الجيش إلى المدينة.

وفي محافظة السويداء، خرجت مظاهرات في مدينة الشهباء لنصرة حمص يوم أول من أمس، كما أصدر محامو محافظة السويداء بيان استنكار «لتفشي ظاهرة البلطجية أو الشبيحة»، وقال البيان الناطق باسم محامي فرع نقابة المحامين في السويداء: «أمام السلوك الإجرامي واللاأخلاقي للشبيحة والمتمثل بالتعرض لحياة الأفراد من شرائح المجتمع كافة، بالضرب والشتم بأقذع العبارات، وأمام تطاولهم بالاعتداء على الأملاك الخاصة، من محلات تجارية ومكاتب وعيادات أطباء وصالات فنون وصالات أفراح.. ونظرا للاستهداف المتكرر للمحامين، الذي كان آخره الاعتداء الواقع على كل من الزملاء؛ أيمن شهاب الدين وعلاء صيموعة ومهند بركة، المتمثل بالتعرض لهم في الطرقات والاعتداء عليهم بالضرب واستخدام الأدوات المؤذية والقاتلة، من حجارة وسكاكين وعصي وجنازير، على مرأى ومسمع من الجهات الأمنية والضابطة العدلية، وقيامهم بتوجيه الشتائم للمحامين، ووصفهم بصفات العمالة والخيانة (باعتبارهم محامين) مما يشير جليا، إلى استهداف المحامي، بصفته هذه». وتابع البيان: «أمام كل هذه السلوكيات لهؤلاء الخارجيين على القانون، نعلن احتجاجنا واستنكارنا واستهجاننا لما يتعرض له المواطنون الآمنون، وأملاكهم، في هذه المحافظة، ولما تعرض له زملاؤنا المحامون». ودعا المحامون الموقعون على البيان، الذي يكتسب أهميته لصدوره عن نقابة مهنية رسمية، تخضع بشكل ما إلى حزب البعث الحاكم، «جميع أفراد الضابطة العدلية، وعلى رأسهم السيد المحامي العام والسيد محافظ السويداء والسيد أمين فرع الحزب إلى تحمل مسؤولياتهم الكاملة والمطلقة، في هذا الصدد، ووضع حد لهذه الظاهرة الإجرامية، التي تحصل على مرأى من الجميع».