وقائع اعتقال المثقفين والفنانين.. ترويها إحدى المعتقلات

قالت: خيرونا بين فك المظاهرة والاعتقال.. فاخترنا الاعتقال للهروب من إذلال الشبيحة

TT

«لا الأحلام ولا الأماني يمكن تحقيقها في ظل خانقي الأنفاس» قناعة خرجت بها الناشطة دانا بقدونس بعد تجربة اعتقالها مع المثقفين والفنانين، واستهلت بها شهادة كتبتها في مدونة سورية أنشئت أول من أمس. شهادة تسجل وقائع اعتقال المثقفين والفنانين الذين خرجوا في مظاهرة في حي الميدان في 13 من الشهر الجاري.

تقول دانا «خرجت مع مجموعة من أصحابي وأحبابي نطلب هواء نقيا لا تشوبه شائبة». وتعدد أسماء الذين التقتهم أمام جامع الحسن، من بينهم مي سكاف وريما فليحان. تقول: «منّا السني والعلوي والمسيحي والدرزي والشركسي والكردي، لكننا صوت واحد وقلب واحد سلمي ينشد الحرية». وتضيف دانا «رغم قلة عددنا الذي لم يكتمل بعد، جاء ما يزيد عن مائتي عنصر أمن ليأكدوا لنا أنه لا يحق للسوري أن يرفع رأسه أبدا.. إلا إذا نافق وحاد عن الحق».

تقول إن موعد المظاهرة كان في الساعة السادسة مساء، وكانت الساعة السادسة إلا ثلثا حين احتدم «نقاشنا مع عناصر الأمن الذين خيرونا بين الاعتقال وفك التجمع». تضيف: «في تلك الأثناء واجهتنا سلاحف النينجا من شبيحة النظام وهي تهتف لأبو حافظ (والله سوريا بشار وبس).. وجدنا أنفسنا نصرخ (الله سوريا حرية وبس)، و(واحد واحد واحد الشعب السوري واحد). بدأ الشبيحة يستهزئون بالممثلة مي سكاف والكاتبة ريما فليحان وغيرهما ممن سبق أن وقعن على بيان مساعدة أطفال درعا.. وصاروا ينعتونهن بـ(يا تبعات الحليب) مع كلام بذيء جدا رغم وجود الأمن».

راح البعض من المثقفين يصرخون وهم يقولون للأمن «واجبكم أن تحمونا من هؤلاء.. نحن سلميون». تتابع دانا: «أنا والكاتبة يم مشهدي، وتجنبا لصفاقة ورذالة الشبيحة، طلبنا أن يعتقلونا. ورحنا نصرخ ونسأل أين الباصات؟! الاعتقال والسجن أهون ألف مرة من رؤية أبناء جلدتنا بهذه الأخلاق». وتضيف: «تم سوقنا إلى الباصات بالعنف وجرى ضرب الشباب، وأصيب أحمد ملص برأسه نتيجة الضرب بالهراوات. أما مي التي بدا واضحا أنهم كانوا يتجنبون اعتقالها ربما خشية إثارة الرأي العام والبلبلة فقد لحقت بنا إلى الباصات». بعدها تتابع دانا «أخذنا إلى مقر الأمن الجنائي في منطقة باب مصلى. كبش الفداء كان الصحافي أياد شربجي الذي قال إنه المسؤول عن تنظيم المظاهرة لدى الرد على سؤال أحدهم، من المسؤول عن التجمع؟ ومع أننا أجبنا كلنا أننا مسؤولين، فإن أياد أصر على تحمل المسؤولية وحده، فأخذ إلى غرفة التحقيق وكنّا نسمع صوت الصفعات التي يتلقاها على وجهه وقد فاق عددها العشرين صفعة. ساشا أيوب لم تحتمل سماع الصوت فوقفت لتتلقى على الفور، لكمة على وجهها من الشرطي».

وتابعت دانا تروي: «أخذت هوياتنا وأغراضنا وسط نظرات الازدراء والاحتقار لنودع في النظارة؛ الشباب في غرفة والبنات في غرفة أخرى. كنا عشر صبايا في زنزانة صغيرة جدا - غرفة تحقيق مزودة بكاميرات مراقبة - إلى درجة أنها لا تتسع كي ننام جميعنا، فإذا نام تسع منا بقيت العاشرة واقفة. فضلا عن كسر خاطرنا كسر النوم على البلاط أضلاعنا. بينما الصراصير تسرح حولنا.. إنهم صراصير النظام.. مساكين لم نقدر على غيرهم ففعصناهم بالصرماية. خضعنا للتفتيش من قبل أم علي التي تم جلبها على عجل من منزلها بعد منتصف الليل كرمى لنا». وتضيف: «الطعام كان خبزا وحلاوة مساء اليوم الأول، ومن أكل حلاوة قال إن طعمها مثل طعم الجص».

تشير دانا إلى أنها أضربت عن الطعام مع بعض رفاقها منذ لحظة اعتقالهم، والآخرون أضربوا بعد «أكلهم حلاوة». تكمل سردها للتفاصيل وتقول «ضاع الزمن ولم نعد نميز الليل من النهار، وكنا نبحث عن أي شيء نتحدث به كي نتسلى، وإحدى المرات ضحكنا بصوت عالٍ، وعلى الفور جاء عناصر الأمن وراحوا يشتموننا، وتم نقلنا إلى زنزانة أخرى أصغر وأكثر ظلمة..».

وتقول إنه تم التحقيق معهم يوم الخميس، «الواحدة تلو الأخرى لمدة يوم كامل». وتضيف: «التحقيق مع النساء لم يستخدم فيه العنف، أما الشباب وكما علمنا لاحقا فقد تعرضوا للضرب، ولدى عودة الشباب إلى زنزانتهم التي تجاور زنزانتنا، أبلغناهم بإضرابنا عن الطعام، فقرروا الإضراب أيضا حتى نعلم مصيرنا أو حتى يأتي الرائد ليتحدث معنا، الذي حضر مساء الخميس وتعهد بإخراجنا للمحاكمة يوم السبت صباحا.. تحدث بلطف غير متوقع طالبا منّا فك الإضراب». وتتابع تروي: «اختلفنا بالرأي حول فك الإضراب، مما أخاف الذين اعتقلونا خاصة أنه يوجد معنا الصبية نهلة ذات وزن 40 كيلو التي تمسكت بالإضراب رغم التعب والإعياء الشديدين. انتهينا إلى التصويت على موضوع الإضراب وكانت النتيجة 13 شخصا مع الاستمرار و15 شخصا مع التوقف عن الإضراب».

وذكرت أن المحامية المعتقلة معهم، مجدولين حسن، علقت موجهة كلامها للرائد «رأيتم كيف أن الديمقراطية حل لكل شيء.. الآن نحن نعطيكم درسا بالديمقراطية». وتابعت تقول إن «الرائد الذي ارتاح لفك الإضراب عن الطعام سأل إذا كان ينقصنا شيء أو أي طلبات، لم نطلب سوى فرشات بدل البلاط. صباح يوم السبت استلمنا أغراضنا وخرجنا مقيدين بالسلاسل ليقلنا الباص إلى المحكمة». وتضيف: «أحد عناصر الأمن زف إلينا بشرى اقتيادنا إلى سجن عدرا وقال هناك سترتاحون وتستحمون على راحتكم».

وتروي أنه في الباص، وهم مكبلو الأيدي، غنوا النشيد الوطني «في الوقت الذي كانت تنهال علينا الشتائم والكلمات النابية مع التهديد أننا لن نذهب إلى المحكمة بل إلى السجن». وتقول: «في المحكمة بصمنا على أوراق كثيرة قبل أن يزج بنا في سجن القصر العدلي وكان كبيرا جدا، فرحنا باتساعه بالبداية، ولكن فرحتنا لم تكتمل، فقد أودع معنا فتيات التشرد والدعارة مرة أخرى وكان بينهن فتاة (16 عاما) حامل ومتهمة بالتشرد، كانت تشتمنا بكلام بذيء جدا، وكأنها كانت مدفوعة لذلك دفعا إذ كانت تعلم أننا متظاهرات من أجل الحرية، وكلما تحدثنا مع بعضنا وسمعت صوتنا كانت تصرخ وتطلب منا أن نخرس، إلا أن مي سكاف وريما فليحان كانتا تعملان على تهدئتها باللطف وسؤالها عن مشكلتها. حتى تمكنتا من تهدئتها». وتذكر أنه بعد ذلك أخلى القاضي سبيلهم، على أن يخضعوا للمحاكمة بعد شهر.

وتختم دانا قصة وقائع اعتقالها الأول بوصف مشاعرها عند الخروج من القصر العدلي: «شعوري لا يوصف، لن أنسى تلك اللحظة. كنت من الدفعة الأولى التي خرجت.. حرصنا على أن لا نغادر حتى يخرج الجميع جلسنا في الشارع وأحبابنا حولنا، وبسبب كثرة العدد طلب منا عناصر الأمن المغادرة فورا كي لا يتحول التجمع إلى مظاهرة فذهبنا إلى مقهى خلف القصر العدلي لننتظر رفاقنا. في هذه الأثناء هاجمنا (الشبيحة).. ثم حاصرونا ولم نعد نستطيع الخروج. استغرق ذلك ساعة قبل أن نتمكن من الهرب والركض وكنا نضرب بالبيض والحجارة».

وتضيف: «لم يصب أحد منا بأذى باستثناء اثنين من الأصدقاء، وقد تعرضا للضرب لأنهما كانا يحمياننا. تفرقنا على مجموعات أنا وريما فليحان وشاب وصبية ركبنا تاكسي على عجل وكنّا منفعلين جدا ونحن نتحدث عن الشبيحة. سائق التاكسي الذي سمعنا أقفل النوافذ ونزل من السيارة وذهب مسرعا كي يبلغ عنا، وبدورنا هربنا بسرعة البرق واختبأنا في أحد الأبنية القريبة نحو النصف ساعة قبل أن نتمكن من الوصول إلى بيوتنا».