حجاب السيدات يتحول إلى صراع سياسي بين نجاد ورجال الدين المحافظين

الرئيس الإيراني يدعو إلى أسلوب ثقافي في التعامل مع الموضوع والمحافظون يرونه مسألة أمنية

أحمدي نجاد
TT

في كل صيف، تتعامل الشرطة الإيرانية بقسوة مع النساء اللاتي يخالفن قواعد الزي الإسلامي المتشددة بمحاولة إدخال تعديلات على حجابهن وملابسهن الطويلة الفضفاضة لمحاولة التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة.

إلا أنه في هذا العام، وسط هذه الإجراءات الصارمة السنوية المعتادة، باتت طريقة ارتداء النساء للحجاب - والإجراءات التي تتخذها الحكومة في هذا الشأن - جزءا من خلاف محتدم بين الرئيس محمود أحمدي نجاد ورجال الدين الشيعة ذوي النفوذ.

وأكد رجال الدين المحافظون، والقادة العسكريون المماثلون لهم في طريقة التفكير، على ضرورة اتخاذ أحمدي نجاد إجراءات أكثر صرامة لفرض الزي الإسلامي، حتى «إذا استدعى الأمر إراقة الدماء»، على حد قول بعضهم. وقد ألقى بعضهم اللوم فيما يتعلق بأحداث العنف الأخيرة ضد النساء على الضحايا أنفسهن، مشيرين إلى أنهن قد أخطأن لعدم التزامهن بارتداء الحجاب الشرعي.

ويعتبر الخلاف حول قضية الحجاب محور آخر صدام في سلسلة الصدامات بين القادة العلمانيين في الدولة، الذين يديرون السياسات اليومية، ورجال الدين المتشددين. ويتهم منتقدو نهج أحمدي نجاد حلقة المستشارين المقربين منه بأنهم يخططون من أجل تقويض مكانة رجال الدين وإضعاف تأثيرهم على شؤون الجمهورية الإسلامية. كما يتهمون الرئيس ورجاله بتأييد إتاحة المزيد من الحريات الشخصية سعيا لتوسيع قاعدة شعبيتهم.

وفي أعقاب خلاف أحمدي نجاد الحاد مع القائد الأعلى آية الله علي خامنئي في أبريل (نيسان) الماضي بسبب إقالته الإجبارية لوزير الاستخبارات، بات رجال الدين وأعضاء البرلمان وقادة الحرس الثوري، الذين كانوا من أقوى أنصار أحمدي نجاد، ينتقدونه الآن بصورة غير مسبوقة فيما يتعلق بأمور مختلفة بدءا من خطته لمنح الإيرانيين قطع أراضٍ مجانا وانتهاء بأسلوب إدارته اقتصاد الدولة.

ويأتي موضوع الحجاب على رأس انتقاداتهم، انطلاقا من أيديولوجيات مفادها أن غطاء الرأس (الحجاب) الذي يكشف جزءا كبيرا من الشعر يشكل خطرا يهدد القيم الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية. كما يشيرون إلى أن الرئيس ليست لديه أي نية لفرض الزي الإسلامي الشرعي بشكل صارم.

إبان فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لم يكن ارتداء المايوهات والجونلات القصيرة أمرا غريبا في إيران. ولكن منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ألزم القانون الإيراني السيدات بتغطية شعورهن وارتداء ملابس طويلة فضفاضة عند الخروج.

ويرى رجال الدين أن هذا الإجراء يصون عفة النساء، بمنع الرجال من النظر إليهن كرمز للشهوة. غير أن القانون مبهم نوعا ما، ومع اتجاه المزيد والمزيد من النساء إلى ارتداء ملابس من أقمشة مطاطية تلتصق بالجسم وأغطية رأس تكشف عن نصف شعر الرأس عند المقدمة، يحذر رجال الدين من أن المدن الإيرانية باتت تحاكي مدن الغرب التي تجوب فيها النساء الشوارع وهن «شبه عاريات».

وأوضح أحمدي نجاد أن حكومته لا تؤيد فكرة اتخاذ إجراءات صارمة ضد سيدات «تنسدل خصلتا شعر من أسفل حجابهن»، على حد قوله في تعليق نادر حول الموضوع خلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه وتم بثها على الهواء مباشرة في عام 2010. وأكد أحمدي نجاد أنه يفضل التوعية بالحجاب بدلا من فرضه كقانون، بحيث تصبح «فوائد الحجاب» واضحة، بحيث تتخذ النساء بمحض إرادتهن قرار الالتزام بارتداء الحجاب الشرعي الذي يغطي أجسادهن بالكامل. غير أنه في هذا الصيف، ضجر رجال الدين البارزون من سياسة «التساهل والتهاون» التي ينتهجها نجاد، وأخذوا يطالبون باتخاذ إجراءات أكثر صرامة في هذا الشأن. «يجب إراقة الدماء لإنهاء القضية واقتلاع جذور هذه المشكلة من المجتمع»، هكذا تحدث إمام صلاة الجمعة في طهران، أحمد خاتمي، في خطبة ألقاها مؤخرا.

«لقد تحول الأمر إلى مصدر سلطة بالنسبة لكل من الحكومة ومعارضيها، إذ يحاول كل طرف فرض سيادته على الطرف الآخر»، هكذا قال علي رضا علاويتابار، الخبير الاستراتيجي الطهراني الذي كان عضوا في حزب سياسي مؤثر يؤيد إتاحة مزيد من الحريات الشخصية. وأضاف: «الأمر يتعلق بإبراز أي الطرفين في موضع سلطة بالفعل».

وفي يوم جمعة قريب، خرجت حشود من المصلين الذين أشعلت حماستهم خطب أئمة المساجد إلى الشوارع بمختلف أنحاء البلاد مدينين عدم تفعيل الحكومة قانون الحجاب. ولوح المتظاهرون بلافتات زودتهم بها مؤسسة يشرف عليها خامنئي وهتفوا بأن الحجاب الإسلامي هو واحد من «الثوابت» التي يجب أن تكون بمنأى عن أي نوع من التحديث.

وفي أبريل الماضي، كثفت قوات الشرطة الوطنية في إيران دورياتها، من خلال تجوال ضباط في الشوارع بدراجاتهم النارية وقيامهم بإيقاف السيارات التي تقودها سيدات لا يرتدين أغطية رأس. وقد تمت زيادة الغرامات والعقوبات، التي تشمل في بعض الأحيان الجلد.

إلا أنه في أحد أيام السبت في سينما «أريكا» في غرب طهران، والتي تعتبر مكانا مفضلا للشباب، لم تكن هناك سوى مجموعة صغيرة من النساء يرتدين العباءة السوداء المصدق عليها من قبل الحكومة. فالفتيات، خاصة في العشرينات من عمرهن، يضعن ماكياجا ثقيلا ويبرزن خصلات شعورهن المصبوغة التي يغطيها حجاب في حجم المنديل. «اعتدنا أن نكون مبدعين في ملابسنا»، قالت نيغين، 23 عاما، طالبة لغة، طلبت عدم ذكر اسم أسرتها خوفا من العقاب. وأضافت: «لكن رجال الدين يعيشون في عالم مختلف». وقالت إنها، كغيرها من نساء المدينة الشابات، لا ترتدي الحجاب بوصفه التزاما دينيا، ولكن لأنه مفروض عليها. «في المنزل، لا أرتدي الحجاب وأنا جالسة مع صديقاتي»، هكذا قالت نيغين، التي بدت مرتدية بنطلون جينز أسفل بلوزة تصل إلى فوق ركبتيها، وقد ظهر شعرها الداكن الطويل من أسفل غطاء رأس لونه أحمر زاهٍ. وأضافت: «أما خارج المنزل، فأحاول أن أظهر بمظهر أنيق دون أن أدع رجال الشرطة يلقون القبض علي».

وفي الوقت الذي يفضل فيه أحمدي نجاد ما يعتبره أسلوبا «ثقافيا» في التعامل مع موضوع الالتزام بقواعد الزي الإسلامي الشرعي، والذي تسعى الحكومة من خلاله إلى التأكيد على أن الحجاب الصحيح «يمنع الرذيلة ويحض على الفضيلة»، يرى رجال دين مؤثرون أن الحجاب لا يتعلق بالإيمان فحسب. فهم يزعمون أن طريقة ارتداء النساء الحجاب «مسألة أمنية» ويدعون أن النساء اللائي لا يرتدين الحجاب الشرعي يدفعن الرجال لإيذائهن ويغرسن بذور «الفساد الأخلاقي» داخل الأسر. وتحدث رجل الدين المتشدد آية الله ناصر مكرم شيرازي إلى صحيفة «ماردوم سالاري» في يونيو (حزيران) الماضي قائلا: «تزداد حالات الطلاق والجرائم، ولا سيما جرائم الاغتصاب، بسبب عدم الالتزام بارتداء الحجاب الشرعي».

وحينما أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرا عن واقعتي اغتصاب، سارع العديد من رجال الدين وقادة الشرطة بإلقاء اللوم على النساء والفتيات الضحايا لارتدائهن ملابس غير مناسبة، مما شجع المعتدين على ارتكاب جريمتهم النكراء.

وفي مايو (أيار) الماضي، قام رجال ادعوا أنهم من شرطة الأخلاق، قوة متطوعين مصدق عليها بشكل رسمي والتي تحارب «الرذيلة»، باغتصاب ثماني سيدات، جميعهن من أسرة واحدة، في الوقت الذي وقف فيه أقارب هؤلاء السيدات عاجزين عن التصرف في حديقة خاصة في مدينة خميني شهر.

وأشار خطيب صلاة الجمعة في المدينة، حجة الإسلام موسى السالمي، لاحقا في إحدى الخطب إلى أن الضحايا «لم يكن عفيفات» وأنهن لا يستحققن الثناء، بل العقوبة، بسبب قيامهن باللهو والرقص دون ارتداء أغطية رأس في وجود رجال، بحسب صحيفة «روزنيغار». جدير بالذكر أن كثيرا من الناشطات المسلمات لا يتفقن مع رجال الدين في الرأي.

فقد أشارت توران والي مراد، سكرتير جمعية النساء الإسلامية، وهي منظمة مستقلة، إلى أن تغطية شعر رأس المرأة جزء من الثقافة الإيرانية. لكن، على حد قولها، «لا يمكن أن يمثل الحجاب مسألة أمنية بأي حال من الأحوال». وقالت والي مراد: «لا يمكنك أن تلقي اللوم على الضحية، بل يجب أن يركز المسؤولون على هؤلاء الرجال الذين تعوزهم القدرة على كبح جماح شهواتهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»