أهالي حماه يغنون «يلا ارحل يا بشار».. والخوف لم يعد يشكل رادعا

ضابط منشق عن الحرس الجمهوري: بدأت الأغنية تنتشر في أنحاء البلاد وتزداد شعبية

صورة مأخوذة من موقع اوغاريت لمظاهرة «جمعة احفاد خالد» في حماه يعلوها العلم السوري
TT

«يلا ارحل يا بشار» هي واحدة من الأغاني التي يرددها السوريون المعارضون للرئيس السوري بشار الأسد. وخلال الأسابيع التي سمعت فيها هذه الأغنية كاحتجاج في مدينة حماه، أصبحت رمزا لقوة رسالة المحتجين، وللارتباك في صفوفهم، وللعنف الذي تستخدمه الحكومة لقمع معارضتهم.

وعلى الرغم من غياب الاتفاق في حماه حول هوية كاتب الأغنية، فإن هناك شبه إجماع على نقطة واحدة، وهي أنه قد عثر على جثة الشاب الذي غنى هذه الأغنية أثناء الاحتجاجات ملقاة في نهر العاصي خلال الشهر الجاري، ورقبته مقطوعة وأحباله الصوتية ممزقة، وفقا سكان المدينة. ومنذ وفاة هذا الشاب، قام فتيان صغار لا تتجاوز أعمارهم الستة أعوام، بغناء هذه الأغنية بدلا منه. وقد امتدت هذه الأغنية من حماه إلى أماكن أخرى بفضل الإنترنت وأصبح المحتجون يهتفون بكلماتها.

«جميعنا يحفظ كلماتها عن ظهر قلب»، قال تاجر من حماه يدعى أحمد ويبلغ من العمر 40 عاما ويشارك بانتظام في الاحتجاجات. وأضاف: «ما الذي يمكن فعله أكثر، إذا كانت تتكرر كلمات هذه الأغنية في المظاهرات يوما تلو الآخر؟».

التونسيون يمكنهم أن يدعوا أنهم من أطلق شعار الثورات العربية: «الشعب يريد إسقاط النظام». المصريون خلقوا أغنيات تعكس خفة دم الشعب المصري التي لا تضاهى. أما الشعب السوري فقد استخدم أغنية «يلا ارحل يا بشار» التي تخلط بين غضب الثورة ووحشية القمع.

وعندما سخرت الحكومة من الثوار ووصفتهم بأنهم مجموعة من المتسللين، رد المتظاهرون على ذلك بكل كبرياء واعتزاز. وبعدما حذر الأسد من الجراثيم الموجودة في الجسم السياسي في محاكاة لوصف معمر القذافي للثوار الليبيين بأنهم جرذان، استخدم المتظاهرون شعارا جديدا يقول: «الجراثيم السورية تحيي الجرذان الليبية». وقام المتظاهرون في حماه بصنع دبابة من حاويات القمامة في الشوارع. وفي عيد ميلاد الرئيس السابق حافظ الأسد الذي حكم سوريا لمدة 30 عاما، قام الشباب في حماه بغناء شعارات على لحن أغنية «عيد ميلاد سعيد».

«يلا ارحل يا بشار» هي احتفالية أكثر منها مضحكة.. تنشد بطريقة الذي يقوم بشيء كان ممنوعا عنه لفترة طويلة. وتقول كلمات الأغنية: «يلا ارحل يا بشار.. ويا بشار ويا كذاب.. وتضرب أنت وهالخطاب.. الحريّة صارت عالباب.. ويلا ارحل يا بشار».

قال ضابط سابق في الحرس الجمهوري كان قد انضم للمتظاهرين في مدينة حمص التي تبعد نحو ساعة بالسيارة من حماه: «لقد بدأت الأغنية في الانتشار في جميع أنحاء البلاد وتزداد شعبية مع مرور الوقت».

جثة الرجل التي تم انتشالها من النهر، كانت لشاب يدعي إبراهيم القاشوش وهو من منطقة هدير القريبة. كان غير معروف نسبيا قبل الرابع من يوليو (تموز) الحالي عندما تم العثور على جثته ودفنها في مقبرة الصفا في المدينة بالقرب من الطريق السريع. ويظهر مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» - من المستحيل التحقق منه - رجلا على أنه القاشوش، ورأسه متدل من شرخ عميق في رقبته. يقول سكان المدينة إن قوات الأمن قد أطلقت النار عليه أيضا. ولكن أهل حماه تحدثوا عن التفاصيل التي تعكس العقود التي عانوا أثنائها من الديكتاتورية، حيث قالوا إن الكلام البسيط يعد عملا تخريبيا. وقال صيدلي من مدينة حماه يبلغ من العمر 30 عاما ويدعى وائل: «لقد قاموا بالفعل بقطع أحباله الصوتية! هل هناك رمز لقوة الكلمة أكبر من هذا؟».

وفي خضم تمرد لا يزال قادته مجهولي الهوية، تم الاحتفال بالقاشوش بعد موته، ووصفه أحد الناشطين بأنه «بلبل الثورة». ولكن الانتفاضة لا تزال تعاني من التشتت إلى حد كبير، حيث إن الإنترنت هو الوسيلة الوحيدة للاتصال بين المحتجين في مختلف المدن، كما انتشرت الشائعات حول القاشوش نفسه. وحتى في حماه التي لا يعرف زعماء الانتفاضة فيها زملاءهم في الأماكن الأخرى، يقول بعض السكان إن القاشوش لم يكن هو المطرب الحقيقي، وإنه كان هناك رجلان يحملان نفس الاسم، وإنه كان مخبرا للحكومة تم قتله من قبل السكان، وإنه لا يزال على قيد الحياة.

وأصر أحد السكان على أن الرجل الذي قتل كان مطربا غير موهوب يغني في حفلات الزفاف.

وقال مهندس يدعى عدنان: «في كل يوم في الشارع وعندما تكون جالسا في مكان ما، يمكنك سماع خمس أو ست شائعات ثم تكتشف بعد ذلك أن جميعها كان لا أساس له من الصحة».

ويعتقد البعض هنا بأن يد الحكومة متغلغلة في كل شيء. وقد تم توزيع قوائم بأسماء المخبرين، ولكن يعتقد البعض أن قوات الأمن هي من أعدتها حتى تقوم بتشويه سمعة المحتجين أو رجال الأعمال الذين يساعدونهم. وعندما قام سكان المدينة بشنق مخبر الشهر الماضي، قال بعض السكان في حماه إن عملاء الحكومة هم من قاموا بذلك لتشويه سمعة المحتجين.

وقال أحد النشطاء الذي قدم نفسه باسم عبادة وأنه يبلغ من العمر 23 عاما: «لقد سمعت بذلك». وأصر عبادة وغيره من السكان على أن الأغنية من كلمات طالب يعمل ككهربائي ويبلغ من العمر 23 عاما ويدعى عبد الرحمن وكنيته رحماني. وقد احتفل رحماني بما سماه «أيام الإبداع» وهو يجلس في غرفة في الطابق السفلي لأحد المباني.

وبعدما ازداد عدد المحتجين في مدينة حماه، وأصبحوا أكثر جرأة الشهر الماضي، قال رحماني إن المحتجين قد ملوا الشعارات القديمة مثل «سلمية وليست طائفية» و«لا خوف بعد اليوم» و«الله وسوريا والحرية وبس». ونجح نشطاء في الحصول على معدات الصوت التي يتم تشغيلها بواسطة مولدات مخبأة في صناديق السيارات، حسب رحماني الذي كتب أغنيته الأولى «سوريا تريد الحرية». ثم جاءت بعد ذلك أغنية «يلا ارحل يا بشار» رغم أنه دخل في مناقشة مع شقيقه محمد لمدة أسبوع بشأن ما إذا كان ينبغي عليه وضع كلمات تحط من قدر بشار مثل «يا بشار اذهب إلى الجحيم». وقال رحماني: «ما أقوله يشعر به كل الشعب ولكنه لا يجد الكلمات للتعبير عن ذلك. لقد نشأنا ونحن نخشى التحدث عن السياسة».

ومثله مثل الجميع تقريبا هنا، فقد رحماني أحد أقاربه في عام 1982 عندما اقتحم الجيش السوري حماه لإخماد التمرد الإسلامي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 10,000 شخص. وأضاف أنه قد تم إطلاق الرصاص على جده أمام والدته وأن عمه مصطفى لا يزال في عداد المفقودين بعد مرور 30 عاما. واعترف رحماني أنه أفضل في الكتابة عنه في الغناء، ولكن غناءه في بعض الأحيان للحشود التي تريد سماع أغنيته، يعد عملا انتقاميا. وقال إنه وافق على أن يتم تصويره غير آبه بما قد يحدث له. وعندما سئل إذا كان يشعر بالخوف، أجاب رحماني: «مم أخاف؟».

قبالة شارع العلمين، قام صبي يدعى صالح يبلغ من العمر 11 عاما وتم تسميته بهذا الاسم على اسم جده الذي قتل في عام 1982، بغناء أغنية: «يلا ارحل يا بشار» أمام رجال ينظرون إليه بإعجاب شديد. ودون أن ينسي أي كلمة من الأغنية، قام الصبي بالتنديد بماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، الذي يقود الحرس الجمهوري، ورجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وعائلة شاليش، من أقارب الرئيس الذين اشتهروا بالفساد.

كان الصبي يغني قائلا: «ويا ماهر ويا جبان ويا عميل الأميركان. الشعب السوري ما بينهان ويلا ارحل يا بشار». ردد الرجال كلمات اللازمة من ورائه. «يلا ارحل يا بشار». لم يلتفت ولا واحد منهم خلف كتفه، ولم يهمس أي منهم. لم يكن أحد منهم خائفا. استمر الصبي في الغناء وهو يقول: «لسه كل فترة حرامي شاليش وماهر ورامي سرقوا اخواتي وعمامي ويلا ارحل يا بشار». وعاد الرجال وكرروا اللازمة، بأصوات بدت أعلى بقليل هذه المرة.

* خدمة «نيو يورك تايمز»