القوات السورية تدخل مناطق جديدة وتقصف كهوفا يختبئ فيها ناشطون.. وانفجارات في الكلية الحربية بحمص

إضراب عام يشل عدة مدن.. واعتقالات واسعة في حمص تطال عددا كبيرا من النساء

صور تظهر عناصر من «الشبيحة» يطعنون رجلا مدنيا في حلب أول من أمس
TT

غداة تظاهر أكثر من مليون شخص مطالبين برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، دخلت القوات السورية إلى قرى جديدة في شمال غربي البلاد، وقال نشطاء إنها نفذت اعتقالات طالت العشرات من المدنيين، في وقت قال فيه مسؤولون بالأمم المتحدة إن قوات الأمن السورية ربما ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، خلال حملتها على المحتجين.

وبعد يوم على ورود أنباء عن حصول انشقاقات واسعة في الكلية الحربية في حمص، أكد ناشط سوري لـ«الشرق الأوسط» نقلا عن قيادي معارض في حمص، سماع دور 6 انفجارات في العاشرة من ليل أول من أمس، وقال إن أصوات الانفجارات من المرجح أنها قذائف دبابات. وقال الناشط نقلا عن شهود في حمص، إنهم شاهدوا نحو 50 مجندا يختبئون بين الأشجار ويبدلون ملابسهم العسكرية ويلبسون أخرى مدنية، قبل أن يهربوا.

وذكرت وكالة «رويترز» نقلا عن سكان، أمس، أنه سمع دوي انفجارين خلال الليل جاءا من داخل الكلية الحربية السورية في حمص. وقال اثنان من السكان لـ«رويترز» عبر الهاتف، إنهما سمعا صوت إطلاق نار كثيف، وشوهدت سيارات إسعاف تتجه نحو المجمع في منطقة الوعر القديمة. وقال ساكن، طلب عدم نشر اسمه، إن «الدخان تصاعد من داخل المبنى. والجرحى نقلوا إلى المستشفى العسكري. يبدو وكأنها عملية من نوع ما».

إلا أن مصدرا عسكريا سوريا نفى حدوث الانفجارات في الأكاديمية العسكرية، وقال لموقع «سيريانيوز»، إن «جماعة مسلحة أطلقت قذائف (آر بي جيه) صوب الجدار الخارجي للأكاديمية». وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الهجوم لم يسفر عن سقوط جرحى أو قتلى.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أحد الجنود المنشقين، إن بلدة الرستن الواقعة شمال المدينة، تحولت إلى قاعدة لمجندين شباب في الجيش ممن انشقوا، تجنبا لتنفيذ أوامر الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين. وقال الملازم أول حسام، الذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل، في مكالمة هاتفية عن طريق القمر الاصطناعي من حمص: «هناك اشتباكات يومية بين المنشقين وقوات الجيش في بلدة الرستن، وكانت كل معركة تستغرق من 15 إلى 20 دقيقة».

ويوم الخميس الماضي اشتبكت مجموعة من 14 منشقا مع الجيش وقوات الأمن في حي باب السباع في حمص، مما أسفر عن مقتل 20 منهم وتدمير أربع دبابات وسبع حاملات جنود مدرعة. وقال الملازم أول: «لقد قررنا التدخل نيابة عن الناس». وقال إن مجموعة المجندين المنشقين التي تتكون من ثلاثة جنود اشتبكت بالسلاح الخفيف من أسلحة آلية وبنادق كلاشنيكوف وقذائف صاروخية.

من جهة أخرى، قال ناشطون إن القوات الأمنية نفذت حملة اعتقالات واسعة في باب السباع بحمص، أمس، شملت الكثير من النساء. ويستمر الجيش في انتشاره في مناطق جديدة، إذ توغلت أمس مركبات تابعة للجيش في قرى جبل الزاوية بمحافظة إدلب، شمال غربي البلاد.

وقال رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن دبابات عسكرية اقتحمت جبل الزاوية في محافظة إدلب، وقصفت بالرشاشات الثقيلة الكهوف هناك حيث يختبئ ناشطون هربا من رجال الأمن، وعبر عبد الرحمن عن خشيته من وقوع عدد من القتلى من الناشطين داخل الكهوف.

كذلك قال عبد الكريم الريحاوي، رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان: «سمع إطلاق نار في منطقة الخالدية بحمص، وباشرت قوات الأمن القيام باعتقالات» بالمدينة التي تشهد أعمال عنف أسفرت عن وقوع قتلى منذ أسبوع.

وأضاف الريحاوي أنه جرت اعتقالات أيضا في حي ركن الدين، ذي الغالبية الكردية، في دمشق، حيث «انتشرت عناصر الأمن بأعداد كبيرة في الحي».

وكانت قوات الأمن قد حاصرت منطقتي ركن الدين والقابون في دمشق، حيث نفذت عمليات تفتيش من بيت إلى بيت، بحسب النشطاء.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل طفل في الثانية عشرة من العمر أمس، متأثرا بجروح أصيب بها يوم الجمعة 15 يوليو (تموز) قرب دمشق، بعد إطلاق الشرطة الرصاص عليه خلال مشاركته في مظاهرة، بحسب المرصد السوري، الذي قال إن شرطيا أصاب الطفل بالرصاص في رأسه من على مسافة 25 مترا.

من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها في بيان أصدره في وقت متأخر، أول من أمس، فرانسيس دينغ المستشار الخاص للأمين العام بان كي مون، بهدف مكافحة جرائم الإبادة، وإدوارد لاك، المستشار الخاص، بهدف حماية المدنيين.

وجاء في البيان المشترك: «استنادا إلى المعلومات المتوافرة لدينا، يعتبر المستشارون أن مستوى الانتهاكات المرتكبة وخطورتها قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، التي ربما اقترفت وتقترف في سوريا». ودعا المستشاران لإجراء «تحقيق مستقل ودقيق وموضوعي» في مجريات الأمور في سوريا.

وكرر المستشاران دعوة الأمين العام لحكومة الرئيس بشار الأسد للسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة من العنف، وتسهيل زيارة بعثة تقصي الحقائق، التي أوصى بها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وقال المستشاران: «دون اتخاذ تلك الخطوات سيتعذر نزع فتيل التوترات القائمة والحيلولة دون تصاعد العنف». وتابع البيان: «نحث كافة الأطراف المنخرطة في الأزمة الراهنة في سوريا على الامتناع عن استخدام القوة واللجوء إلى أعمال العنف أو التحريض عليها».

إلى ذلك، قال نشطاء إن عدة بلدات سورية استجابت لدعوات لتنظيم إضراب عام، أمس، بعد يوم من احتجاجات لقي خلالها تسعة أشخاص على الأقل حتفهم، على أيدي قوات الأمن. وقالت لجان التنسيق المحلية المعارضة في سورية إن معظم شوارع مدينة حمص بوسط البلاد بدت خالية بسبب حملة أمنية واسعة النطاق. وأضافت أن النيران أضرمت في كثير من المتاجر في حي باب السباع بمدينة حمص. وتم الإبلاغ عن وقوع إطلاق نار كثيف.

وعلى عكس حماه، التي تضم سكانا من السنة المحافظين، تعد حمص نموذجا مصغرا لسوريا بكل مكوناتها، حيث تضم علويين ومسيحيين وسط أغلبية مسلمة. إلا أن أعمالا طائفية وقعت منذ نهاية الأسبوع الماضي، أثارت مخاوف من أن هذا التعايش السلمي بدأ ينهار.

وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس، يبدو أن النظام استخدم الاشتباكات الطائفية التي شهدتها مدينة حمص، والخليط الذي يجمع مختلف المكونات الدينية، كذريعة للهجوم على المدينة مرة أخرى، ومحاولة التفاوض من أجل عقد هدنة، كما حدث في حماه. وتعد حمص ثالث أكبر مدينة وبعدها حماه وتحتل الاثنتان موقعا استراتيجيا بين العاصمة دمشق وحلب، اللتين تعدان معقل الموالاة لنظام الأسد.

وسيعيق فقدان السيطرة على كل من المدينتين قدرة القوات على التحرك من دمشق إلى حلب، مما يجعلهما مثل جزيرة منعزلة بعيدة عن سيطرة النظام، وهو ما سيكون أمرا غير مسبوق، على حد قول مؤسسة «إكسكلوسيف أناليسيز»، التي تعمل في مجال المخاطر الاستخباراتية والسياسية، ومقرها لندن.

ويرى محللون أن من الأسباب التي جعلت من حماه استثناء في هذه الانتفاضة هو إرث عائلة الأسد فيها. ففي عام 1982، قمع حافظ الأسد انتفاضة قادها الإخوان المسلمون، مما أسفر عن مقتل مائة ألف. وعندما قتلت قوات الأسد 27 شخصا على الأقل في نهاية أحد الأسابيع في يونيو (حزيران)، أجبر الغضب الذي ظهر من خلال الاحتجاجات التي اجتاحت سوريا على الانسحاب من حماه، مما منح سكانها الفرصة لإدارة شؤون مدينتهم بأنفسهم بعيدا عن أعين الأمن إلى حد كبير.

وقال وسام طريف، رئيس منظمة «إنسان» الحقوقية للصحيفة: «ما أنقذ حماه عام 2011 هو مذبحة 1982 وتركة النظام الثقيلة. لا يخيم شبح مذبحة مثل مذبحة 1982 على حمص، لذا ما زال تنكيل وقمع النظام مستمرا هناك». لكن ما زال يُنظر إلى حماه باعتبارها معقل الإخوان المسلمين، على الرغم من أن أكثر أعضاء تلك الجماعة المحظورة يعيشون في المنفى أو قابعون في سجون سوريا. ويبدو أن تنظيم وتماسك حركة الاحتجاجات، التي تشهدها مدينة حماه، والتي تشمل من المجالس المحلية إلى نقاط التفتيش المدنية، يوضح القدرات التنظيمية التي تتحلى بها جماعة الإخوان التي تعد من أكبر فصائل المعارضة وأكثرها تنظيما، والتي كان لها في السابق تمثيل في البرلمان.