خادم الحرمين الشريفين: المملكة نجحت في التصدي لآفة الإرهاب وآلته الضالة المدمرة

أمير منطقة مكة المكرمة افتتح نيابة عن خادم الحرمين مؤتمر «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول»

خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن المملكة العربية السعودية نجحت في التصدي لآفة الإرهاب وآلته الضالة المدمرة بكل العزم والحسم، وعالجته بوسطية الإسلام وفككت خلاياه ودحرت الفئة الضالة العاملة عليه وكشفت شذوذها الفكري، حتى حققت الأمن والأمان للوطن والمواطنين والمقيمين وضيوف الرحمن.

كما أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، الذي افتتح يوم أمس، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين مؤتمر «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول» الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي في قاعة المؤتمرات بالرابطة في مكة المكرمة، الحاجة إلى جهود علماء الأمة في التصدي لما يجري في بعض البلدان الإسلامية من أحداث، وقال: «إن النظرة الفاحصة المدققة لما يجري الآن من أحداث في بعض البلاد الإسلامية وما يهدد باستهداف بعضها الآخر، تؤكد الحاجة الماسة إلى جهودكم معاشر العلماء والدعاة وقادة الفكر السديد في عالمنا الإسلامي، ذلك أن المرجعية الغالبة لتلك الأحداث إنما تتمثل في الجهل بصحيح الدين الإسلامي وبتحقيق الإصلاح وتقديم الحلول الناجحة لكافة المشكلات».

ورأى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه لن يتحقق حل مشكلات الأمة وإصلاح أحوالها إلا عبر عدة آليات، أولاها علاج مشكلة الجهل بالإسلام من خلال التعريف بالمنهج الصحيح للإسلام، لا سيما للأجيال الشابة، التي قال إنها اليوم أحوج ما تكون إلى فهم مقاصد الدين والأخذ بمبادئه السامية، وكذلك تطبيق وسطية الإسلام العظيمة في كافة مجالات الحياة، ووضع الآليات العملية الكفيلة بتحقيق وحدة الصف الإسلامي ونبذ الفرقة وما يؤدي إليها من دعوات طائفية مغرضة وتوجهات حزبية ضيقة تشتت صفوف المسلمين، التي تعبث بوحدة الأمة، وتفعيل العمل المشترك والتواصل بين قادة الأمة وعلمائها وأهل الرأي فيها، وفي ما يلي نص الكلمة:

«الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أحيي جمعكم الكريم وأرحب بضيوفنا الأفاضل من علماء الأمة الإسلامية ودعاتها ومفكريها على هذه البقعة المباركة التي اختارها المولى جل وعلا مهبطا للوحي الأمين على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، بآخر الرسالات السماوية لتكون للبشرية منهجا قويما لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، ونبراسا هاديا للإنسان إلى خير الدنيا والآخرة لا يزيغ عنه إلا هالك، ونحمده - جل ثناؤه – أن شرف أهل هذه البلاد بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن من الحجاج والزوار والمعتمرين، وهدانا إلى التمسك بكتابه الكريم وسنة نبيه المشرفة شريعة ودستورا لا نحيد عنه ولا نميل، ووفقنا إلى العمل على تحقيق الأخوة والتضامن بين المسلمين ومتابعة قضاياهم والاهتمام بالمشكلات التي تواجههم يقينا بأن في الإسلام لكل مشكلة حلا وفي شريعته الغراء لكل معضلة علاجا؛ مصداقا لقوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، وفي هذا السياق وإعمالا للمهمة الجليلة للعلماء، ورثة الأنبياء، كما جاء في الحديث الشريف، فإنكم تجتمعون اليوم على أمر جلل لبحث المشكلات المستجدة ومدارسة مجريات الأحداث في بعض أرجاء عالمنا الإسلامي لاستنباط الحلول الناجعة لها من واقع شريعتنا الإسلامية الغراء القائمة على منهج الوسطية والاعتدال، وإنها لمسؤولية جسيمة وأنتم لها أهل وكفء بإذن الله تواجهون فيها محاولات تفريق الشعوب الإسلامية وتفكيك وحدة الأمة ورفع شعارات الطائفية والمذهبية مما يتعارض مع قول الحق سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقوله جل وعلا: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

ونظرا لمخرجات عصر العولمة وما صاحبه من التطورات والتحولات العالمية السريعة التي ضربت كل الأرجاء، فقد أدركت المملكة العربية السعودية أهمية حماية المجتمع المسلم من الجنوح عن الأصالة الإسلامية والتأثر بتلك التحولات العالمية التي برزت معها آفة الإرهاب وآلته الضالة المدمرة فتصدت له المملكة بكل العزم والحسم وعالجته بوسطية الإسلام وفككت خلاياه ودحرت الفئة الضالة العاملة عليه وكشفت شذوذها الفكري فحققت، بعون الله وتوفيقه، الأمن والأمان للوطن والمواطنين والمقيمين وضيوف الرحمن. إن النظرة الفاحصة المدققة لما يجري الآن من أحداث في بعض البلاد الإسلامية وما يهدد باستهداف بعضها الآخر، تؤكد الحاجة الماسة إلى جهودكم معاشر العلماء والدعاة وقادة الفكر السديد في عالمنا الإسلامي؛ ذلك أن المرجعية الغالبة لتلك الأحداث إنما تتمثل في الجهل بصحيح الدين الإسلامي وبتحقيق الإصلاح وتقديم الحلول الناجحة لكافة المشكلات، من أجل ذلك توالت دعوتنا إلى تضافر جهود العلماء الراسخين في العلم مع جهود المؤسسات الرسمية في الدول الإسلامية لعلاج مشكلات الأمة وإصلاح أحوالها، واليوم نبتهل فرصة هذا الجمع الكريم لهذه النخبة المباركة لنجدد الدعوة إلى تحقيق هذا الهدف الجليل من خلال عدة آليات نرى في مقدمتها:

أولا: علاج مشكلة الجهل بالإسلام من خلال التعريف بصحيح منهجه، لا سيما للأجيال الشابة التي نراها اليوم أحوج ما تكون إلى فهم مقاصد الدين والأخذ بمبادئه السامية.

ثانيا: تطبيق وسطية الإسلام العظيمة في كافة مجالات الحياة إعمالا لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

ثالثا: وضع الآليات العملية الكفيلة بتحقيق وحدة الصف الإسلامي ونبذ الفرقة وما يؤدي إليها من دعوات طائفية مغرضة وتوجهات حزبية ضيقة تشتت صفوف المسلمين وتعبث بوحدة الأمة.

رابعا: تفعيل العمل المشترك والتواصل بين قادة الأمة وعلمائها وأهل الرأي فيها والتعاون في علاج المشكلات وتحقيق الإصلاح بالرؤى والحلول الإسلامية إعمالا لقوله جل وعلا: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

أيها الأخوة.. إننا ندعو من خلال مؤتمركم الموقر أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع العلماء وأهل الرأي في كافة الدول الإسلامية بوضع برنامج عمل إسلامي لعلاج مشكلات الأمة وتحصين شعوبها ضد أخطار الغزو من الخارج وتداعيات الجهل في الداخل ودعم أواصر الوحدة الإسلامية، يعتمد الحوار الموضوعي بين الشعوب المسلمة وقياداتها ويتبنى برنامجا فاعلا للتثقيف والتوعية بما في الإسلام من حلول للتحديات والمشكلات المستجدة، ويركز على أسباب تحقيق وحدة الأمة والتكامل والتضامن بين شعوبها، ويحذر من مخاطر الفرقة على كيانها، ويعمل على تفعيل الإصلاح والتنمية على أسس صحيح الإسلام، ويحمي الأجيال الشابة من الجنوح نحو الإفراط أو التفريط بأصول الدين وحقوق أوطانهم..

أسأل المولى جل وعلا أن يوفقكم ويسدد خطاكم لما يحب ويرضى، وأن ينفع بجهودكم أمتنا الإسلامية».

وكان في استقبال الأمير خالد الفيصل لدى وصوله إلى مقر المؤتمر، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعدد من منسوبي الرابطة، وكانت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر قد بدأت بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى والي الولاية الشمالية في السودان، الدكتور فتحي خليل محمد، كلمة المشاركين، نوه فيها بسعي السعودية ودأبها لترسيخ مبدأ الحوار في علاج مشكلات العالم الإسلامي وتلمس الحلول الشرعية الناجعة لمواجهة التحديات الراهنة.

من جانبه ألقى الدكتور عبد الله التركي، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، كلمة شكر فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لرعايته المؤتمر، ولما تحظى به الرابطة من دعم متواصل منه ومن ولي عهده والنائب الثاني لخدمة الإسلام والدفاع عنه، والعناية بشؤون المسلمين وتقديم العون لهم أينما كانوا، والسعي إلى جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم والإصلاح بينهم.

وبيّن أن المؤتمر يهدف إلى تبادل الرأي في ما يجري في هذه الأيام في بعض بلاد المسلمين من أحداث وبيان وجه الحق فيها، والإسهام في مواجهة ما تتعرض له من فوضى وفتن، وقتل وتشريد وخوف وفاقة، وحذر أمين عام الرابطة من استغلال أعداء الإسلام للخلافات الداخلية وإثارة النعرات الطائفية والعرقية، وكل ما من شأنه أن يزيد في التفرق والتمزق.

من جانبه ألقى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، كلمة أكد فيها أن من سنن الله في هذه الحياة أن يواجه المؤمن أنواعا من الابتلاء؛ وذلك ليمحص الله من كان ثابتا على الإيمان صابرا على الشدائد متجاوزا العقبات.

وبين أن «الأمة الإسلامية تمر في هذه الأيام بأخطر المراحل وتعاني أزمات شديدة وفتنا بالداخل وانقساما بين أبنائها وحملات شرسة من أعدائها وتدخلا سافرا في شؤون حياتها فواجبنا حمايتها من هذه البلايا والمصائب والخروج بها إلى بر الأمان والسلامة، وأن من أسباب قوة الأمة وتماسكها اعتصامها بكتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتحكيمها الكتاب والسنة في جميع شؤونها»، وشدد على أن الالتحام بين الراعي والرعية والتقارب بين الحاكم والمحكوم وتطبيق ذلك على معالم الشرع وضوابط الشرعية «خير عامل لاجتماع الأمة وتماسكها»، وأن من تأمل الشريعة الإسلامية رأى أن التلاحم بين الراعي والرعية والتقارب بين الحاكم والمحكوم ومعرفة كل منهما ما عليه من واجبات وحقوق يضمن سعادة الأمة وأمنها واستقرارها، كما أن الحاكم يجب أن يحكم شرع الله في رعيته، لأن تحكيم الشرع إقامة للعدل ورفع للظلم وتحقيق للأمن والاستقرار.

وكان الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز قد تسلم درعا تذكارية بهذه المناسبة من الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

وحضر الحفل الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجه، وزير الثقافة والإعلام، والشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعدد من العلماء والمسؤولين.

وكانت أولى جلسات المؤتمر العالمي بعنوان «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول» انطلقت، مساء أمس، في مقر الرابطة بمكة برئاسة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة، وبحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

وتم خلال الجلسة التي رأسها المراقب الشرعي في بنك دبي الإسلامي، الدكتور حسين حامد حسان، استعراض ثلاثة بحوث، وهي «خصوصية الهوية الإسلامية في تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي»، للدكتور عبد الحميد محمود البعلي، المستشار في الديوان الأميري بدولة الكويت, و«أزمات الشعوب المطالبة بالإصلاح في البلاد العربية والإسلامية أسبابها وعلاجها»، للشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني، رئيس المجلس الأعلى للإفتاء في ليبيا, و«الفتنة الطائفية في العالم الإسلامي ودور إدارات الأوقاف في تطويقها»، للدكتور عبد المحسن الجار الله الخرافي، الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف في دولة الكويت. وقد أبرز الباحثون خلال استعراض بحوثهم الأحكام المستنبطة من شريعة الإسلام في تحديد خصوصية الهوية الإسلامية التي ينبغي أن تحافظ عليها الأمة، وأن تتمسك بها شعوب البلدان المسلمة.

وركزوا على أهمية السعي إلى ربط الشعوب المسلمة بعلماء الأمة الثقات برباط وثيق لضمان الخصوصية الإسلامية التي تعد من ضرورات تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي لأمة الإسلام. وأكدوا أن من أهم أسباب الأزمات التي تواجه بعض شعوب الأمة التخلي عن اتخاذ شريعة الإسلام بتفاصيلها مرجعية لعلاج ما يجد في حياتها، داعين علماء الأمة إلى توسيع مساحة التواصل مع الشعوب التي تبحث عن حل للمشكلات التي تواجهها.

وحذر الباحثون من الجنوح الطائفي في بعض بلدان الأمة، الذي يؤدي إلى الفتنة بين مواطني البلد الواحد، مذكّرين بأهمية الحرص على وحدة الشعوب التي يجب على المؤسسات الإسلامية وإدارات الأوقاف التأكيد عليها، ومحاصرة التوجهات الطائفية، وبيان خطرها على شعوب الأمة المسلمة، ونبذ كل دعواتها حفاظا على وحدة الأمة الإسلامية.