باريس ولندن تسعيان إلى موقف موحد من بقاء القذافي في ليبيا شرط تخليه عن السلطة

ملك الأردن وأمين عام الجامعة العربية يبحثان الملفات العربية الساخنة

وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ يسار ونظيره الفرنسي آلان جوبيه خلال مؤتمرهما الصحافي في لندن (إ.ب.أ)
TT

تعود ملفات «الربيع العربي» إلى واجهة الاهتمامات الفرنسية اليوم، مع زيارتين يقوم بهما في وقت واحد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأمين عام الجامعة العربية الجديد السفير نبيل العربي، الذي يزور باريس للمرة الأولى بصفته الرسمية الجديدة.

وبينما يلتقي عبد الله الثاني الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ظهرا، يجتمع العربي مع وزير الخارجية آلان جوبيه عصرا في مقر الوزارة. وفي الحالين تفرض ثلاثة ملفات نفسها على المحادثات وهي، ليبيا، وسوريا، والملف الفلسطيني - الإسرائيلي.

ويأتي الملف الليبي في مقدمة البحث بسبب استطالة الحرب التي بدأت في الـ19 من مارس (آذار) ولم تنتهِ حتى الآن، رغم الضربات الجوية المتواصلة التي يقوم بها الحلف الأطلسي ودعمه المتزايد للثوار، الأمر الذي أخذ يثير تساؤلات لدى الرأي العام الغربي عن كيفية الخلاص منها.

وتبدو باريس التي التزمت موقفا بالغ التشدد من النظام الليبي، بدعوتها المبكرة إلى رحيله وبرفضها مقترحات الاتحاد الأفريقي للتسوية، ومقترح وزير الخارجية الإيطالي لهدنة إنسانية، جاهزة اليوم لتسوية سياسية، بل لقبول بقاء العقيد القذافي في ليبيا شرط تخليه عن أي مسؤولية سياسية أو عسكرية، وابتعاده عن المسرح. كذلك قبلت باريس بلسان وزير خارجيتها تأجيل البحث في مصير مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق القذافي (وابنه سيف الإسلام ومدير المخابرات عبد الله السنوسي) لوقت لاحق، ما يبرز رغبتها في «تسهيل» الحل السياسي الذي ترى أن عقدته تكمن في تخلي القذافي عن السلطة.

وقالت مصادر فرنسية إن «التساهل» المستجد يجب فهمه في ضوء رغبة باريس في إيجاد مخرج من الطريق المسدود الراهن، و«استجابة» للإشارات الواردة من معسكر القذافي الذي يبحث مبعوثوه إلى الخارج في طريقة تضمن له الأمن وتوفر له الحماية القانونية، رغم أن تصريحات المسؤولين الرسمية وتلك الصادرة عنه وعن أفراد من عائلته تنفي بالمطلق استعداده لترك السلطة.

غير أن مساعي باريس لا يبدو أنها تلاقي موافقة الطرف الثاني الأكثر انخراطا في الموضوع الليبي، وهو بريطانيا التي زارها جوبيه أول من أمس، بحثا عن تنسيق المواقف لمرحلة ما بعد القذافي. وحتى الأمس القريب كانت بريطانيا تطالب بتنحي القذافي ورحيله عن ليبيا، وهي المطالب نفسها التي يرفعها الثوار، بينما أخذت باريس تعطي لتصريحاتها وجهة جديدة «متساهلة»، قوامها الأساسي تنحي القذافي ورفضها لأن يلعب أي دور في العملية السياسية.

لكن مصادر فرنسية تفسر تصريحات وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، في المؤتمر الصحافي المشترك مع جوبيه في لندن، حين قال إنه «يعود لليبيين» تقرير مصير القذافي، بأنه بداية تحول ونجاح للدبلوماسية الفرنسية. وحرص جوبيه في المناسبة نفسها على تحاشي تكرار كلامه عن قبول بلاده بقاء القذافي في ليبيا، مكررا كلام هيغ نفسه عن «حرية التصرف» للشعب الليبي. لكنّ المراقبين توقفوا عند تصريح لمصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني المؤقت لصحيفة «وول ستريت جورنال»، وفيه أن «باستطاعة القذافي البقاء في ليبيا ولكن بشروط»، ما فهم على أنه نتاج التدخل الفرنسي لدى الثوار لحملهم على تليين موقفهم.

لكن لندن سارعت أمس إلى «توضيح» موقفها، عبر تسريب لأحد مصادرها الدبلوماسية لوكالة الصحافة الفرنسية، ردا على تفسيرات الصحافة البريطانية الصادرة صباح الثلاثاء لأقوال هيغ. وبحسب ما نقلته الوكالة المذكورة فإن «الموقف البريطاني لم يتغير»، غير أن هذه التوضيحات تصب على الأرجح في خانة تأكيد المواقف «المبدئية» التي يمكن إعطاؤها التلوين المناسب وفق تغير الظروف. والحال أن الأمر الملحّ اليوم بالنسبة لباريس ولندن والحلف الأطلسي بشكل عام هو إيجاد السبيل لوضع حد لهذه الحرب التي كان يراها المخططون الاستراتيجيون قصيرة لكنها تتواصل منذ ما يزيد على أربعة أشهر، وبعد ما يزيد على 6 آلاف طلعة جوية أطلسية. وتلعب عوامل دينية (اقتراب شهر رمضان)، ومالية (كلفة الحرب)، وسياسية (الغرب يضرب بلدا عربيا إسلاميا)، وعسكرية (الاقتراب من استنفاد الأهداف التي يمكن قصفها جويا)، في دفع الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا إلى تسهيل الحل الذي قد يأتي عن طريق الاستجابة لبعض ما يريده القذافي، أي البقاء في ليبيا وتمكينه من تفادي المحكمة الدولية. وإذا كان هذا هو الثمن المطلوب لنهاية الحرب فإن الكثيرين، على ما يبدو، مستعدون لدفعه بمن فيهم من حمل السلاح ضد القذافي.