أجواء توتر في حمص.. والمدينة مقفلة على الرغم من انتهاء الإضراب العام

القمامة تملأ الشوارع.. وناشطون يؤكدون حصول مفاوضات بين المتظاهرين والسلطة

TT

بعد حملة مداهمات للمنازل واعتقالات قامت بها القوات السورية في عدة أحياء في مدينة حمص، بدت المدينة يوم أمس كأنها تلتقط أنفاسها، بعد عدة أيام مرت ثقيلة على السكان المحاصرين في أحياء باب السباع والعدوية والمريجة والخالدية والبياضة. فخلال اليومين الماضيين، خرج بعض السكان إلى الأسواق للتزود بالمواد الضرورية، في وقت لا تزال فيه المدينة تعيش حالة من التوتر. وبعد انتهاء مدة الإضراب العام، لم تفتح المحلات التجارية في كل الأسواق، وإنما اقتصر الأمر على سوق الخضار.

في سوق الخضار، وأمام بقالية أبو فتحي، كان هناك عدد كبير من أكياس الخضار من الملوخية والبامية والخيار والبندورة والخبز.. اصطف طابور احتل الرصيف أمام باب البقالية وتمدد إلى داخلها، ليملأ الفراغ بين أكياس البضائع. وحين طلبت سيدة عابرة من أبو فتحي أن تودع لديه ما تحمله من خضار ريثما تنتهي من شراء باقي حاجياتها، قال لها لا مانع لدي، لكني لست مسؤولا عنها إذا حصل بعد قليل «طقطقة»، ويقصد إطلاق نار، واضطر لإغلاق المحل على عجل، ترددت السيدة قبل أن تقرر أن تأخذ أغراضها معها.

أبو فتحي أشار إلى أكياس الخضار المودعة أمام محله، وقال متذمرا: «ماذا سأفعل بكل تلك الودائع؟ وضعها الزبائن وعلى مسؤوليتهم، لا أستطيع التكهن بما قد يحصل بعد دقيقة». ويضيف: «منذ عدة أيام عثر على جثة لشخص ملقاة في السوق، وقيل إنها لمخبر آذى المتظاهرين، وكان يقوم بتصويرهم والإبلاغ عنهم، ولدى العثور على الجثة حصلت جلبة كبيرة وطقطقة، أغلقت بعدها السوق لأكثر من يومين».

وإذا سألت أبو فتحي عن هوية الشخص فسيقول: «إنه ليس من جماعتنا وليس من جماعتهم»، أي أنه ليس سنيا ولا علويا، إنه من طائفة ثالثة، ليؤكد أن عمليات القتل التي حصلت لم تكن ذات طابع طائفي، وإنما «لتحذير المخبرين لكف شرهم عن البشر، والتوقف عن أذية الناس»، دون أن يستنكر القتل كجريمة لا يقبل بها أحد. ويتبع كلامه: «المشكلة أن الثوار شباب صغار ويحتاجون لكثير من الحكمة والضبط.. كان عليهم أن يكتفوا بتحذير هؤلاء بوسائل أخرى لا تصل إلى درجة القتل».

في شارع سوق الخضار تتكوم القمامة على نحو غير مألوف، وتنتشر روائح كريهة في مدينة عرفت بنظافتها. يقول أحد الباعة إن عمال البلدية لا يجرؤون على دخول هذه السوق، لافتا النظر إلى أن «الشباب في الأحياء بدأوا يشكلون فرقا للتنظيف، أما الشوارع الرئيسية حيث لا يوجد حواجز فقد باشرت البلدية تنظيفها». ويخالفه الرأي جاره الذي اعتبر عدم إزالة القمامة من شوارع المدينة «أحد أنواع العقوبات التي تطبقها السلطة على السكان المتمردين».

في باب السباع حيث تم هدم منزلين بشكل كامل، يتحدث السكان عن عمليات مداهمة للمنازل تتم وفق خرائط يحملها العسكر معهم، لاعتقال أسماء معينة واردة في قوائم للمطلوبين، ويقولون إنه تم اعتقال العشرات بينهم نساء، كما يتحدثون عن عمليات تخريب وسرقة تتعرض لها المنازل التي تمت مداهمتها، فالمسألة، بحسب تعبير أحدهم، ليست فقط إلقاء القبض على «مطلوبين» من الناشطين في تنظيم المظاهرات، وإنما «هي عملية انتقام» من سكان حي باب السباع، الذين أظهروا تصميما كبيرا على تحدي النظام.

ويقول أحد الشباب إن أكثر من 100 عنصر حاصروا أحد المنازل لإلقاء القبض على «هتيف»، أي الذي يقوم بالهتاف في المظاهرات. وعلى الرغم من ما تحمله روايات السكان عن مبالغة السلطات السورية في معاقبة أهالي حمص من المتظاهرين، بهدف إخماد «ثورتهم»، فإن ثمة أمورا خطيرة جدا شهدتها حمص خلال الأيام الماضية، قال السكان إنها نتيجة انشقاق كبير في الجيش أسفر عن اشتباكات في الكلية الحربية.

ولكن الغموض لا يزال يكتنف هذه القصة؛ إذ يتحدث البعض عن انشقاق أكثر من 100 عنصر في الجيش برتب مختلفة، وأنهم قاموا بضرب رفاقهم في الكلية الحربية حماية للسكان، في حين قالت مصادر رسمية إن «مجموعة مسلحة» قامت، ليل الجمعة الماضية، «بإطلاق قذائف آر بي جي على الكلية الحربية في حمص»، وإنه «لم تقع ضحايا أو جرحى، حيث لم تطل القذائف سوى سور الكلية من الخارج».

وقالت أيضا مصادر شبه رسمية: «إن مسلحين استهدفوا باصين لنقل الضباط، صباح السبت، عند منطقة عقرب؛ مما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى تم نقلهم إلى المستشفى العسكري في حمص». وأعلن رسميا أن «وحدات من الجيش السوري بدأت عمليات تمشيط في حمص بعد انتشار مجموعات مسلحة، وقيامها بقطع عدد من الطرق وإطلاق النار، بحثا عن عناصر هذه المجموعات التي ارتكبت جرائم القتل والتخريب وروعت المواطنين، وأنه تم إلقاء القبض على عدد من أفرادها».

أما قصة حادث القطار قرب قرية أم قصب (22 كم غرب حمص)، فقد كذب سكان من حمص الرواية الرسمية التي اتهمت مخربين يستقلون دراجات نارية قاموا بتخريب سكة القطار، مما أدى إلى احتراق القاطرة الأولى ومقتل السائق، ونجاة قرابة 450 من الركاب، غالبيتهم من العجزة والمرضى الذين توجهوا من حلب إلى دمشق لتلقي العلاج. وقال سكان محليون إن طوقا أمنيا ضرب حول القطار فور تعطله، وإن غالبية ركاب القطار كانوا من القوات السورية وليسوا مدنيين. وأكدت مصادر محلية أن «حادثة القطار ما زالت غامضة»، وسط مخاوف من استغلال السلطات للحادث لتبرير عملية عسكرية واسعة في مدينة حمص، بدأت «بإشاعة كلام عن العثور على كميات كبيرة من السلاح في باب السباع». وذكرت المصادر السلاح الذي قالت السلطة إنها «عثرت عليه في الجامع العمري، مع بداية الحملة العسكرية في مدينة درعا».

وقال ناشطون إن مفاوضات تجري بين المتظاهرين والسلطة، حيث تتركز مطالب الأهالي على الإفراج عن كل المعتقلين من أهالي حمص، وفي المقابل تركزت مطالب السلطة على إزالة الحواجز والكف عن التظاهر. ولم يعرف شيء بعد عند نتائج المفاوضات، إلا أن مسار الأمور يشير إلى مزيد من التصعيد.

ومع أن الأوضاع يوم أمس بدت خلال النهار هادئة في المدينة، فقد نقل موقع «سيريا نيوز» المقرب من النظام، عن مصدر عسكري في محافظة حمص تأكيده «حصول اشتباك مسلح في حي المريجة في باب السباع، أصيب على أثره ضابط برتبة ملازم أول»، يوم أول من أمس الاثنين.

وقال المصدر العسكري: «إن عناصر من الجيش قامت بإلقاء القبض على مطلوبين، وفق قوائم موجودة بحوزته، ومصادرة أجهزة حاسوب وشرائح أجهزة ثريا، ومبالغ مالية كبيرة بعملات أجنبية، من أحد منازل الحي». كما ذكر موقع «سيريا نيوز» أن «مسلحين قاموا بإطلاق النار على بناء مديرية الزراعة وبناء اتحاد الفلاحين، دون وقوع إصابات».

إلى ذلك، تعهد محافظ حمص، غسان عبد العال، في وقت سابق بعدم السماح بتكرار الأحداث التي شهدتها حمص، وأن قوات الجيش والأمن تقوم بمتابعة «المخربين»، وأنه سيتم «الرد بالأسلوب المناسب على المخربين الإرهابيين» الذين قال إنهم «ينتقلون من حي إلى آخر داخل المدينة».

وتعم حالة الهدوء النسبي مدينة حمص مقطعة الأوصال، حيث تم عزل الأحياء بعضها عن بعض، وأقيمت حواجز أمنية وعسكرية، بالإضافة إلى نشر مكثف للدبابات في محيط حي باب السباع وعند القلعة. وفي المقابل قام سكان الأحياء بإقامة حواجز داخل الأحياء لمنع دخول قوات الأمن والجيش من اقتحامها. وقال مصدر محلي إن هناك انتشارا للدبابات في محيط الخالدية والقصور على طريق حماه، كما قطعت الاتصالات الأرضية والخليوية عن الخالدية وطريق حماه، مع الإشارة إلى أن حي باب السباع محاصر بالكامل.