معتقل سابق: التعذيب داخل سجون الأسد يساوي جهنم

اعتبر نفسه عائدا من الموت بعد 35 يوما في السجن

غسان ياسين معتقل سوري سابق
TT

«لا توجد حروف تكفي لوصف ما حدث معي خلال 35 يوما تحت الأرض، ومهما حاولت وصف ما جرى ستكون الكلمات عاجزة عن إيصال الصورة لكم.. إنها جهنم»، ثم تابع بنبرة حزينة تحشرجت معها كلماته وتقطعت: «لم أكن أتصور أن كل هذا الحقد والبشاعة موجود. السجانون كأنهم بلا قلوب وبلا مشاعر، يتفننون في اختراع أساليب التعذيب والشتائم والإهانات».

كان هذا أول ما قاله غسان ياسين، معتقل سوري سابق، يبلغ من العمر 35 عاما، عبر الإنترنت من سوريا لـ«الشرق الأوسط»، ولكنه تابع بآسي قائلا: «الـ35 يوما التي قضيتها في المعتقل أطول كثيرا من الـ35 عاما التي تشكل سنوات عمري». فياسين المتواري عن الأنظار حاليا في سوريا يعتبر أن ما حدث له خلال أيام اعتقاله سيظل محفورا في ذاكرته طيلة حياته، ولكنه لا يهاب أبدا الاعتقال مجددا وهو ما يجعله يشارك في كل المظاهرات الحاشدة التي تنطلق ضد نظام بشار الأسد.

تعود قصة اعتقال ياسين، الذي يعمل في مجال التسويق الإعلاني ولديه مكتب خاص في مدينة حلب التي ينتمي إليها، إلى يوم 10 فبراير (شباط) الماضي حين ظهر على تلفزيون «أورينت» قائلا: «سأنزل للشارع وأتظاهر في يوم قريب. أنتظر فقط انتهاء الثورة المصرية. لا نريد إسقاط النظام، لأننا نحب بلدنا ولا نريد نقطة دم واحدة أن تسيل في شوارعها»، ولكنها كانت الكلمات التي قلبت حياته رأسا على عقب.

فبعدها بخمسة أيام داهمت عناصر الأمن السياسي منزله، لكنه لم يكن موجودا، ليهرب بعدها إلى دمشق؛ حيث بقى يومين قبل أن يتم اعتقاله في منطقة باب توما أثناء خروجه من مقهى إنترنت.

ثم اقتيد ياسين إلى مكان لا يعلمه؛ وإن كان يعلم بقينا أنه مقر أمني. المثير أن الاستقبال الذي لقيه ياسين كان جد غريب، فالضابط المسؤول عن المكان قال له: «لا تخش شيئا نحن في دولة مؤسسات، دولة يحكمها القانون»، وبعد التحقيق معه الذي استمر لساعات متواصلة، أنزل ياسين لمكان في الطابق السفلي من المعتقل، الذي علم ياسين بعد ذلك أنه مقر لفرع أمني في منطقة كفر سوسة بدمشق، حيث تم إعطاؤه ثياب السجن الزرقاء الشهيرة ليقبع في زنزانته الفردية ذات الرقم «9»، حيث يقول ياسين: «ومن يومها صار اسمي عندهم تسعة».

اللافت أن غسان لم توجه له أي تهمة خلال أيام بقائه في السجن، وبصوت حانق يقول ياسين: «لم يوجهوا لي تهمة واحدة، ورغم ذلك، فإنهم أخبروني أننا في دولة مؤسسات». ويواصل ياسين، المتواري عن الأنظار حاليا داخل سوريا، رواية قصته مع الاعتقال، قائلا: «بقيت ثلاثة أيام لا يفتح الباب إلا لدخول الطعام الذي لم أتذوقه أبدا، وحين الخروج للحمامات مرتين في اليوم فقط»، وتابع قائلا: «لم أكن أستطيع النوم. كان الهدوء مخيفا.. ضاعت مني بوصلة الساعات والأيام، ولم أكن أعرف الصباح من المساء.. اللحظات كلها متشابهة، كنت أتمنى سماع أي صوت حتى أشعر أني ما زلت على قيد الحياة».

وفي اليوم الرابع فتح باب المعتقل رقم «9»، لتبدأ معه التحقيقات من جديد، حيث وجهت إليه تهمة إثارة ثورة في البلاد عبر قيادته الجمعية السورية لمكافحة الفساد التي لم تكن أصلا سوى مكان للنقاش على الإنترنت. حفلات التعذيب بحق ياسين تواصلت، وقد أصر هو على ذكر تفاصيلها عبر «الشرق الأوسط»، حيث قال بنص كلماته: «يأتي ثلاثة أفراد ليجلسوا فوقي؛ واحد عند الكتفين، وواحد عند الظهر، والثالث عند (قدماي)، ويبدأ الضرب المبرح حتى تسيل الدماء من أصابعي، وكلما ارتفع صوت صراخي وصوت آلامي، كانت تزداد قوة الضربات، عرفت في ما بعد أنه يتلذذ بصوت المعذبين. يستمر الضرب حتى أفقد الوعي فيحملني الثلاثة ويضعونني عاريا في برميل فارغ، ويفتح فوقي الماء البارد ببطء شديد لتنزل فوقي قطرات الماء كأنها رصاصات قاتلة حتى يمتلئ البرميل». وبنبرة جد حزينة، يواصل روايته، قائلا: «أكون حينها قد استيقظت من غيبوبتي، فيحملونني مرة أخرى لغرفة التعذيب ليواصل المحقق هوايته المفضلة بسماع صوتي وأنا أتألم من شدة الضرب حتى أفقد الوعي مرة ثانية، حينها يحملونني إلى زنزانتي كما لو أنهم يحملون خروفا مسلوخا ويلقون بي في أرضية الزنزانة»، ثم تابع بصوت يغلبه التماسك: «أقسم أنك لن تفهم.. فما يحدث بالمعتقلات لا يمكن وصفه على الإطلاق».

ويضيف ياسين أن ما هو أصعب من التعذيب الجسدي، كان التعذيب النفسي؛ حيث كان يتم إخباره بأن أباه وأمه وبعض أقاربه يعذبون في غرف مجاورة لإجباره على الاعتراف.

ثم انقلبت سوريا رأسا على عقب، وخرجت المظاهرات في كل المدن السورية، وهو ما انعكس تماما داخل المعتقل، حيث يقول ياسين: «كان هناك توافد كبير جدا من المعتقلين، حتى إن الزنازين لم تكفِ، فقرروا أن يضعوا كل 3 في واحدة منفردة». وأوضح ياسين أن معظم المعتقلين تعرضوا لحفلات تعذيب قاسية ربما تفوق ما تعرض له هو عبر الخمسة والثلاثين يوما، حيث يصف كيف كانت أصوات آلام المعذبين تدوي في جنبات المعتقل.

وفي 21 مارس (آذار) الماضي وجهت لياسين التهم الرئيسية؛ وهي: إنشاء جمعية الهدف منها النيل من هيبة الدولة، ومراسلة جهات أجنبية معادية بهدف زعزعة الاستقرار، وإثارة النعرات الطائفية.