حماه ودير الزور خرجتا عن سيطرة الحكومة السورية

ستضعان مزيدا من الضغوط على دول أخرى كي تتبنى نهجا أشد ضد الأسد

صورة مأخوذه من موقع «يوتيوب» اثار هجوم الجيش السوري على حماه
TT

قال نشطاء ومواطنون سوريون إن القوات الأمنية والجيش السوري نفذوا هجوما على مدينة حماه ومدن سوريا أخرى تشهد اضطرابات قبل فجر أول من أمس، ليقتل على الأقل 70 مواطنا في أوسع إجراء قمعي وأكثره شراسة من جانب حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة انتفاضة ضد حكمه بدأت قبل 4 أشهر.

وجاءت الغارات المتزامنة على الكثير من المدن السورية قبل يوم من بدء شهر رمضان، الذي تعهد نشطاء بأن يرفعوا خلاله من وتيرة تحركاتها بتنظيم احتجاجات ليلية. ويظهر مدى الهجوم وارتفاع حصيلة القتلى عزم الحكومة على قمع الانتفاضة بالقوة، على الرغم من الإدانة الدولية وإصلاحات مؤقتة ووهمية، في الأغلب، تهدف بشكل واضح دفع المحتجين لتقليل سقف مطالبهم.

ومن المؤكد أن مشاهد إراقة الدماء في حماه ودير الزور، وهما المدينتان اللتان خرجتا عن السيطرة الحكومية، ستضع المزيد من الضغوط على دول أخرى، لا سيما الولايات المتحدة، كي تتبنى نهجا أشد ضد الأسد. ووجه مسؤولون أميركيون وأوروبيون انتقادات حادة للرئيس السوري، وعادوا ليوجهوا المزيد من هذه الانتقادات أول من أمس. ووصف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إجراءات الحكومة داخل حماه بأنها أحداث «مروعة تبرهن على الهوية الحقيقية للنظام السوري». ولكن لم تطالب إدارته بعد رسميا الأسد بترك السلطة كما فعلت مع العقيد معمر القذافي في ليبيا.

وقال أوباما: «مرة أخرى يبدي الرئيس الأسد أنه غير مستعد وغير قادر على الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري». وأكد أنه «خلال الأيام المقبلة ستستمر الولايات المتحدة في زيادة ضغوطنا على النظام السوري والعمل مع آخرين بمختلف أنحاء العالم لجعل حكومة الأسد في معزل».

وتلقي هذه الهجمات ضوءا جديدا على قرارات الحكومة السورية، التي تبدو تفتقر إلى استراتيجية متساوقة في تقلباتها بين وعود بالإصلاح وعمليات قمع وحشية.

وانتهى الهجوم على مدينة حماه قبل مجيء الليل، في إشارة على أن الحكومة عازمة على ترويع مدينة ينظم فيها المواطنون احتجاجات أسبوعية يوم الجمعة ولم تبد أي إشارات على الرضوخ في مواجهة الضغوط. كما ألقت القوات السورية أيضا القبض على زعيم قبلي في مدينة دير الزور شرق البلاد نهاية الأسبوع، ومن المؤكد أن عملية الاعتقال هذه ستثير مشاعر الغضب داخل مدينة يتحلى سكانها بروح التحدي، علاوة على أنهم مسلحون. وتشير هذه الإجراءات إلى أن الحكومة في حالة تيه أثناء تعاملها مع أحد أكبر التحديات على مدار 4 عقود من الحكم الديكتاتوري.

ومن حماه، قال الناشط عمر حبال في مكالمة تليفونية: «لن يتراجع الشارع. لقد قررت المدينة الدفاع عن نفسها، وإذا كانوا يحسبون أنهم قادرون على قمع التجمعات، فهم أغبياء».

وكانت أبشع العمليات داخل مدينة حماه، التي توجد بوسط سوريا ويعيش فيها 800.000، حيث قتل 50 شخصا على الأقل، وفقا لما أفادت به لجان التنسيق المحلية، حركة معارضة تساعد على تنظيم وتوثيق الاحتجاجات. وقدم نشطاء تقديرات مختلفة لحصيلة القتلى، وقال البعض إن عدد القتلى وصل إلى 76 قتيلا أو أكثر. وكان من المستحيل التثبت على الأرقام خلال يوم سادته الفوضى وكثر فيه الكلام عن رفض بعض أفراد الجيش الخدمة ودعوات للانتقام ومزاعم حكومية بوجود متمردين مسلحين يطلقون الرصاص على المدنيين.

ومنذ يونيو (حزيران) لا يوجد وجود أمني يذكر داخل حماه، مما مكنها من التأكيد على نوع من الاستقلالية. وخلال الأسابيع الأخيرة، قام سكان محليون ببناء متاريس مؤقتة باستخدام أعمدة الإنارة وكتل صخرية وأجولة ممتلئة بالرمال لمنع القوات الأمنية من دخول المدينة مرة أخرى. ولكن هذه الدفاعات لا تمثل شيئا في مواجهة دبابات وسيارات مصفحة بدأت عدوانها من 4 اتجاهات قبل الفجر. وكان الكثيرون في سوريا يعتقدون أن الحكومة لن تجرؤ على السعي لاستعادة حماه، على ضوء تاريخها الدامي مع الحكومة. يذكر أنه في عام 1982، وبناء على تعليمات من الرئيس السابق حافظ الأسد، قضى الجيش السوري على انتفاضة إسلامية بالمدينة، وهي إحدى أبرز المدن المحافظة في سوريا، وأدى ذلك إلى مقتل 10.000 شخص، وربما أكثر من ذلك بكثير، ويعد هذا الحادث من بين الأحداث الأكثر وحشية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

ويوم الأحد، ذكر سكان محليون روايات أليمة عن شباب يحاولون منع طريق الدبابات بأشياء لا تتجاوز العصي والحجارة والقضبان الحديدية، وقام بعض الرجال الشباب في المدينة، الذين دافعوا عن المتاريس ليلا على مدار أسابيع، بإضرام النيران في إطارات سيارات. وناشدت مستشفيات المواطنين التبرع بالدم مع ارتفاع حصيلة الضحايا خلال اليوم. ونشرت على شبكة الإنترنت مقاطع فيديو تظهر أعمدة دخان تخيم على شوارع المدينة. «مذابح.. تحدث مذابح هنا»، بهذا صرخ الناشط عبادة أرواني في مكالمة تليفونية. وأضاف: «التاريخ يعيد نفسه. إنه يعيد نفسه».

وقال أرواني إن السكان هتفوا «الله أكبر» بينما كانوا يقفون في طريق الدبابات. وقال إنه رأى قتلى وجرحى في أماكن متفرقة بين المتاريس في الشوارع. وكان إطلاق الرصاص وحشيا مما أعاق المواطنين عن إنقاذهم أو نقل الجثث. واختلط صوت دوي طلقات الرصاص مع صرخات تعلو من مكبرات الصوت داخل مساجد المدينة.

ويقول سكان محليون إنه بحلول الليل رحلت الدبابات وعاد هدوء نسبي إلى المدينة. ويقول أرواني: «يعرفون أن حماه ليست مسلحة، ولذا شنوا هذه الحملة. إنهم جبناء. يأتون إلى هنا ليقتلونا لأنهم يعرفون أنهم يستطيعون فعل ذلك».

وقدمت الحكومة السورية رواية مختلفة تماما للأحداث، وهي رواية طعن فيها كل من تحدثنا معهم عبر الهاتف. وقالت الحكومة إن عشرات من المسلحين وقفوا على أسطح المنازل وكانوا «يطلقون الرصاص بغزارة لإرهاب المواطنين»، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء السورية (سانا). وأضافت الوكالة أن مجموعات متمردة أضرمت النيران في مراكز للشرطة وقامت بتخريب ممتلكات عامة وخاصة ووضعت عوائق في الطرقات. وقالت: «تقوم وحدات الجيش بإزالة المتاريس وحواجز الطرقات في مداخل المدينة».

وكانت الرواية الحكومية للأحداث تؤكد زعم الحكومة بأنها تواجه انتفاضة مسلحة يقودها مسلحون تدعمهم دول أجنبية. وقالت الحكومة إن هذه المرة حمل مسلحون بنادق وقاذفات «آر بي جي»، ولكن لم ير سلاح واحد في الشوارع عندما قام صحافي في «نيويورك تايمز» بزيارة المدينة الشهر الماضي. ووصف المتحدث باسم السفارة الأميركية في دمشق، جي جي هاردر، رواية الحكومة بأنها «محض هراء». وقال: «يتحدثون عن عصابات مسلحة، ولكن توجد عصابة واحدة مسلحة في هذه المدينة، إنها الحكومة السورية نفسها».

* خدمة «نيويورك تايمز»