القذافي يتوعد مصراتة ويحث أتباعه على الانضمام إلى مقاتليه في بنغازي

الثوار يتهمون نظامه بزرع طابور خامس وجواسيس في الشرق

ثوار ليبيون قرب سيارة جيب عسكرية تابعة لهم في قرية جوش عند سفح جبل نفوسة (أ.ف.ب)
TT

انفتح المشهد السياسي والعسكري في ليبيا على آفاق جديدة غير مسبوقة، بعدما سعى المجلس الوطني الانتقالي، برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل، إلى تأمين المنطقة الشرقية وطرد ما وصفه بالطابور الخامس الموالي لنظام حكم العقيد معمر القذافي. بينما حاول القذافي استغلال الأمر دعائيا، زاعما أن ما جرى في بنغازي قبل يومين يمثل بداية انتفاضة شعبيه لصالحه، ضد ما وصفه بمجلس الخيانة والعار الممثل للثوار المناهضين له.

ووقعت اشتباكات عنيفة في مناطق عدَّة في مدينة بنغازي، شرق البلاد، بين قوات المجلس الانتقالي المدعومة بسرايا من الثوار، في مواجهة كتيبتين قال الثوار إنهم يشكون في ولاء أفرادهما للقذافي.

وعثر الثوار داخل الثكنة العسكرية التي كان يختبئ بها هؤلاء على أكثر من 400 قطعة سلاح وعلم ليبيا الأخضر وصور للقذافي، بالإضافة إلى أجهزة اتصال، ومبالغ مالية من عملة أجنبية.

وقال العقيد معمر القذافي مخاطبا مناصريه في منطقة جنزور، في كلمة صوتية بثها التلفزيون الحكومي مساء السبت الماضي: «إن جنودنا، جنود الصاعقة في بنغازي، وجنود كتيبة الفضيل، يخوضون معركة الآن ضد الزنادقة، وضد المرتزقة، وضد الخونة. والجماهير تتحرك في بنغازي، وتم تحرير معسكر 7 أبريل (نيسان) وتحرير الثوريين وتم إطلاق سراحهم». وأضاف: «إلى الأمام يا جنود الصاعقة وجنود كتيبة الفضيل وضباطها الأحرار، امحوا العار عن بنغازي»، داعيا الجماهير إلى أن تخرج وتلتف حول جنودها البواسل، لتعود ليبيا كما كانت حرة عزيزة مكرمة، غنية مرتاحة، تعيش في أمان وسلام، تطفئ هذه الحرائق وتوقف هذه الدماء، على حد قوله.

وحث القذافي أتباعه على الزحف باتجاه مصراتة لتحريرها، متوعدا بإلحاق الهزيمة بحلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال: إن إرادة الشعب الليبي أقوى من إرادة الحلف الذي سيهزم أمام «مقاومة وشجاعة الشعب الليبي».

وقال شهود عيان في مدينة بنغازي لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: إن المدينة شهدت تبادلا عنيفا لإطلاق النار بين قوات المجلس وعناصر كتيبتي «نداء الوطن» و«أبي عبيدة بن الجراح»، اللتين يعتقد أنهما على صلة بعملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الثوار مؤخرا.

وأعلن ثوار موالون للمجلس الوطني الانتقالي القضاء على كتيبة «نداء الوطن»، واعتبروا أنها جزء من الطابور الخامس التابع لنظام القذافي. بينما قال مسؤولون أمنيون وعسكريون في مؤتمر صحافي عقدوه بعد توقف المعارك، صباح أول من أمس: قضينا على هذه الزمرة والطابور الخامس، وهناك تجمعات أخرى نترصدها وسنختار نحن ساعة الصفر.

وطبقا لرواية هؤلاء المسؤولين، المحسوبين على المجلس الوطني الانتقالي، فقد تورطت هذه الكتيبة في عملية إطلاق سراح معتقلين لدى الثوار من أعضاء «حركة اللجان الثورية»، وبعض العسكريين السابقين في الجيش الليبي الحكومي الموالي للقذافي.

وقال مصدر في المجلس الانتقالي: إن الاشتباكات وقعت على خلفية معلومات بشأن ضلوع بعض عناصر هذه الكتيبة في عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس ورفيقيه قبل 3 أيام في بنغازي، مشيرا إلى أنه كان يعتقد أن قتلة يونس يختبئون لدى هذه الكتيبة، التي تحمل اسم برنامج شهير يبثه التلفزيون الرسمي الليبي.

وعرض التلفزيون الرسمي الحكومي في طرابلس لقطات مصورة تظهر وقوع اشتباكات بين عناصر موالية للقذافي وأخرى مناهضة له. بينما دعا الفريق أول أبو بكر يونس، وزير الدفاع الليبي، كل العسكريين والجنود في المنطقة الشرقية إلى الانتفاض على من وصفهم بالمتمردين الخونة والعملاء.

وأكد يونس، في بيان عاجل بثه التلفزيون الليبي، صدور عفو عام من القذافي باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة عن كل من هرب في السابق من الجيش الحكومي وانضم للثوار.

ودشن القذافي حملة إعلامية مكثفة، زاعما أن ما شهدته شوارع بنغازي هو علامة على رفض سكانها للمجلس الانتقالي ورغبتم في العودة مجددا إلى سيطرته. لكن مسؤولين محليين قالوا لـ«الشرق الأوسط»: إن ما حدث أمر طبيعي في ضوء رفض بعض الكتائب العسكرية والأمنية المنضوية للثوار إعلان ولائها التام للمجلس الانتقالي والانخراط في قواته العسكرية أو الأمنية، منعا لتفاقم ظاهرة حمل السلاح في مختلف أرجاء المدينة.

وقال محمود شمام، مسؤول الشؤون الإعلامية بالمجلس الانتقالي: إن الاشتباكات اندلعت حين هاجمت قوات الثوار ميليشيا ساعدت نحو 300 من الموالين للقذافي على الهروب من سجن يوم الجمعة، مشيرا إلى مصرع 6 من مقاتلي الثوار في الاشتباكات التي استخدمت فيها القذائف الصاروخية والأسلحة الآلية.

لكن شمام أعلن أعن السيطرة على الثكنات، وأن 30 رجلا سلموا أنفسهم وصادرت المعارضة سلاحهم.

وفى وصفه للقتال الذي وقع بين الساعتين الثالثة والسادسة من صباح الأحد، قال مسؤول عسكري: «تعاملنا مع هذه العملية الناجحة 100%، وحاولنا حقن الدماء قدر المستطاع، واستغربنا لجسارتهم وعدم الرضوخ إلى من أرسلناهم إليهم من أقاربهم للتفاوض معهم، وعرفنا أن هناك شيئا مهما في الداخل عندما رفضوا التفاوض، فتنادت كتيبة 17 فبراير (شباط) وبقية الكتائب داخل المدن (...) للزحف من كل مناطق مدينة بنغازي بقوة، مما سهل علينا حسم المعركة».

وأضاف، في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس في بنغازي: جئنا إلى هنا لنؤكد للعالم أن في المدينة عيونا ساهرة لحماية أهلنا، مشيرا إلى أن الاشتباكات كانت قوية، مما يدل على أن هؤلاء أناس متمرسون.

وبعدما أعلن اعتقال 25 أسيرا، كلهم من كتائب القذافي من المناطق الجنوبية، اعتبر أن هذه العملية كانت ضربة قاصمة للطابور الخامس الذي حاول أن يتحرك بشكل مضاد. وأوضح أن تشكيل نداء ليبيا كان مدعوما من نظام القذافي، وأنه حالة خاصة باعتباره تشكيلا يتبع لنظام القذافي ومن هنا خطورته. ولفت إلى أن ما وصفه بالطابور الخامس يريد ضرب الثورة ومؤسساتها وقادتها.

وفي محاولة للدفاع عن تباطؤ المجلس الانتقالي في حسم سيطرته على التشكيلات والمجموعات المسلحة في بنغازي، قال مسؤول أمني آخر: إن لتلك المجموعات المسلحة أجندة خاصة، والبعض فضل الالتحاق بجبهة القتال، وآخرين فضلوا حماية الجبهة الداخلية والشؤون الأمنية. وتابع: «هناك مجموعات منظمة لدينا وفقا لسجلات، والغالبية العظمى استجابت لكلام عبد الجليل». وأشار إلى أن «تشكيل نداء ليبيا أخذ، في بداية الأمر، صبغة قبلية، وحرصا على عدم شق الصف، قمنا بمراقبته وعناصره، وكنا نعلم أنهم من بقايا اللجان الثورية. وعندما تحققنا من أن القبيلة التي يدعون أنهم ينتمون إليها بريئة منهم، وأنهم من أذناب النظام، أجهزنا عليهم». واستطرد: «هم كانوا تحت المتابعة ومعروفين وليس هناك أي تشكيل آخر أو كتيبة تمثلهم».

إلى ذلك، تعهد اللواء جلال الدغيلي، وزير الدفاع بالمجلس الانتقالي، بالقصاص من قتلة رئيس هيئة أركان الثوار اللواء عبد الفتاح يونس، وقال، في تصريح مقتضب في بنغازي: «سأتابع التحقيق للقصاص من الجناة، ومن كل من شارك في هذه الجريمة الشنعاء، ومن كل من أسهم في حدوثها، لردع كل من تسول له نفسه مستقبلا النيل من مستقبل هذا الوطن».

كما نعى فوزي بوكتف آمر كتيبة 17 فبراير اللواء يونس، معتبرا أن هذه الفاجعة لا تخدم أحدا سوى العدو في إشارة إلى نظام العقيد القذافي، الذي قال إنه رأس الفتن وإبليس الشعوذة والسحر والعدو الحقيقي لكل الليبيين الأحرار.

إلى ذلك، اعتبر خالد كعيم، وكيل أول وزارة الخارجية الليبية، أن الثوار الذين وصفهم بعصابات الخونة في بنغازي لا يتمتعون بشعبية ويعارضون أي حلول سلمية؛ لأنهم هم الخاسر الوحيد من تطبيق خارطة الطريق الأفريقية أو أي حل سلمي آخر، في حين تؤيد روسيا والصين والبرازيل والهند أيضا خارطة الطريق الأفريقية، بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي، ويقفون مع الشعب الليبي.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن كعيم، عقب اجتماعه في العاصمة طرابلس مع رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة، قوله: إنه تم التطرق، خلال اللقاء، إلى مسألة الرجوع إلى مجلس الأمن، كما اقترح بعض السفراء، وإن هناك مشاورات مع هذه الدول للنظر في كيفية الرجوع إلى مجلس الأمن مرة أخرى، لمناقشة الأوضاع الناجمة عن التدخل الأجنبي في ليبيا.

وقال كعيم: «أبلغناهم أيضا بتعرض مواطنين في منطقتي بنغازي ودرنة للقتل والذبح، وأعطيناهم بعض الأسماء كأمثلة، وكذلك معلومات عن وجود مراكز اعتقال سري، وسجون سرية، وعصابات اغتيالات في بنغازي، وطلبنا منهم دعمنا في أن تقوم الدولة بممارسة مسؤولياتها في منطقة بنغازي تجاه مواطنيها وفقا للقانون الدولي».

واعتبر كعيم أن الحل الذي يقره القانون الدولي هو أن ترجع الدولة لبسط سيطرتها ونفوذها على تلك المناطق؛ حيث إن الناتو هو الطرف الوحيد الذي يتحمل مسؤولية منع ذلك في تسفيه لمبادئ القانون الدولي.