الوزير المعتمد لدى الوزير الأول التونسي: ما يروج عن الجيش كذب وافتراء

رافع بن عاشور في حوار مع «الشرق الأوسط»: الأحزاب السياسية في تونس لا تقوم بواجبها كما ينبغي

TT

أكد رافع بن عاشور، الوزير المعتمد لدى الوزير الأول التونسي الباجي قائد السبسي، أن الحكومة الحالية في تونس ليست طرفا في الصراع السياسي، معتبرا ما يدور في تونس من جدل حول الوضع السياسي وما يحدث ظاهرة صحية من متطلبات الديمقراطية وينم عن تنوع وتعددية. وفي حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في تونس بيَّن الوزير أن الأمور غير واضحة سياسيا في تونس بسبب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي لا تقوم بدورها التوعوي والتأطيري للمواطنين؛ لأنه «من المفترض أن من يشجع المواطن على الانخراط في العمل السياسي والمشاركة فيه هو القوى السياسية والمدنية والأحزاب غير القائمة بواجبها كما ينبغي».

وحول الوضع الاقتصادي ومسألة الاقتراض، أكد رافع بن عاشور أن تونس بعد الثورة لم توقع، حتى الآن، أي اتفاقية جديدة، لكن تمت مواصلة العمل بالاتفاقيات القديمة، وبأن القطاع السياحي وجد تراجعا بنسبة 50% منذ نهاية الثورة إلى الآن مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية... وفيما يلي نص الحوار

* يمر الوضع السياسي في تونس حاليا بالكثير من الاضطرابات المثيرة للجدل، ما تفسيركم لهذا الأمر؟

- تونس عرفت ثورة شعبية، وتمر كل دولة بعد الثورة بفترات صعبة، وقد مرت تونس بوضع صعب، خاصة في الشهرين الأولين بعد الثورة، ثم إنه منذ تولي الوزير الأول الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة بدأ الوضع شيئا فشيئا يستقر سياسيا وأمنيا، وصار نوع من التوافق العام بين مختلف القوى السياسية والمدنية حول شخص الوزير الذي حظي بثقة كبيرة باعتبار عدم انتمائه إلى النظام السابق وماضيه السياسي النضالي على مستوى الحركة الوطنية والديمقراطية، وتمكن، بحنكته، من ربط قنوات التواصل بين جميع الأطراف ومن دون أي استثناء؛ حيث تشاور مع كثيرين، وخير دليل على ذلك توصله إلى الجمع بين جميع الأحزاب في تونس التي وصل عددها إلى قرابة الثمانين. وإعلانه تاريخ الانتخابات وهو 23 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. والوضع السياسي عموما في تونس في الوقت الحالي في استقرار ويسير نحو الأحسن.

* يعيش الناس في تونس حالة من الضبابية وعدم الثقة فيما يدور حولهم من أمور، ما أسباب هذا الوضع؟

- حالة الشك والضبابية وعدم الثقة في المستقبل أمر طبيعي جدا، وحالات الانتقال الديمقراطي مرت بها عدة بلدان في أوروبا وأفريقيا وأميركا، ونحن خرجنا من وضع إلى وضع مغاير ومناقض وكانت البلاد في حالة كبت وانغلاق ومرت نحو حرية تامة، فمن الطبيعي أن يقع الانفلات ويصبح كل شخص يريد أن يعبر عن رأيه ويريد أن يظهر، ويضيع المواطن ويدخله الشك، ولا تعتبر هذه الظاهرة مرضية بل صحية؛ لأنها ديمقراطية تنم عن تنوع وتعددية. والمواطن التونسي العادي سوف تتسع أمامه الرؤى في المستقبل.

* ما دور الحكومة الحالية في الانتخابات التي ستجرى في تونس؟

- لأول مرة في تاريخ تونس ستجرى انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة لا دخل للحكومة فيها، وتنظيمها ومراقبتها يخضعان للهيئة العليا للانتخابات برئاسة كمال الجندوبي، وهي هيئة انتخبتها الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة. والحكومة وضعت جميع الإمكانات المادية واللوجيستية والإنسانية تحت تصرف هذه اللجنة وتذلل لها الصعاب كلما طلبت منها ذلك. وخير دليل هو تدخل الحكومة وحسم الخلاف حول تاريخ الانتخابات الذي كان تغيير موعده من شهر يوليو (تموز) إلى أكتوبر (تشرين الأول) سيحدث بلبلة لولا تدخل الوزير الأول وحسم الأمر.

* أظهرت آخر الإحصاءات أن الناس يقبلون على التسجيل بنسب ضعيفة جدا بسبب عدم وضوح الأمور عموما، وأنهم لا يعلمون الكثير عن هذه الأحزاب المرشحة! - فعلا الأمور غير واضحة، والأمر ليس بالغريب. وهنا يأتي دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وهي لا تقوم بدورها التوعوي والتأطيري للمواطنين؛ لأنه من المفترض أن من يشجع المواطن على الانخراط في العمل السياسي والمشاركة ليست الحكومة إنما القوى السياسية والمدنية، وهذا دور الأحزاب غير القائمة بواجبها كما ينبغي، والتي يجب أن تضاعف جهودها بـ5 أو 10 أضعاف لإنجاح انتخابات أكتوبر التي تعتبر مصيرية بالنسبة لكل الأمة، وقد نادى التونسي بحق الانتخاب منذ بداية نضاله عام 1954 والآن جاء موعد تحقيقها ولا بد للجميع من الانضباط في هذه العملية. وهي صعبة؛ لأنها ليست رئاسية، إنما انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيضع أسس الدولة التونسية الجديدة، والمشكل هنا أن الأحزاب السياسية لم تفصح عن اختياراتها، فقد كان عليها تحديد طبيعة النظام السياسي الذي ستتبعه، وتحديد نظام العلاقات بين السلطات السياسية، والاتجاهات العامة للدولة، ومن الغريب أنه ليس هناك حزب في تونس أخرج مشروع دستور أو حدد خطوطه، مثلا تحديد ما يريده هل سيعمد لنظام برلماني، رئاسي، إسلامي أو غير إسلامي؟ هذا كله يفسر أنه ليس هناك إقبال كبير على التسجيل.

* ما دور الحكومة الحالية في العمل السياسي في تونس؟

- الحكومة ليست طرفا في الصراع السياسي وآلت على نفسها أن تعد العدة لتنظيم الانتخابات في أحسن الظروف وأن تسلم مقاليد السلطة إلى من يتحصل على الشرعية الشعبية إثر الانتخابات، والدليل على ذلك أن أعضاء الحكومة ليس لهم الحق في الترشح للانتخابات ولا ينتمون إلى أحزاب.

والحكومة تعمل على عدم تعطيل المصالح العمومية، وعلى حل مشاكل المواطنين بأقصى ما يمكن من النجاعة وتوفير الأمن والسلم.

* على الرغم من أن الحكومة في تونس مؤقتة ودورها ينتهي مع نتيجة الانتخابات فإنه يعاب عليها اتخاذ قرارات مصيرية في تونس، كيف تردون على هذا؟

- لا يمكن لأي حكومة أن تكتفي بالمشاهدة والفرجة، ولا بد أن تقوم بعمل ما، وقد قامت الحكومة بعدة أمور إيجابية، أهمها وآخرها: رفع الأجور بالنسبة للقطاعين العام والخاص باتفاق مع النقابات العمالية في تونس، وهذا ما تم خلال هذا الأسبوع. كما تم ترسيم العمال أصحاب العقود المؤقتة، وإلغاء العمل بالمناولة (أي عبر نظام الوسيط) وأصبح من يهمهم الأمر يتبعون الوزارات. وقامت الحكومة أيضا بتعويض خسائر المؤسسات خلال الثورة بإحداث قانون التعويض للمؤسسات عن الخسائر التي لحقت بها، وتعويض عائلات الشهداء التي وصلتها تعويضات كاملة وما زالت الحكومة تنظر في بقية مطالبها. وما تقوم به الحكومة على الحدود حيث إنه منذ بداية الثورة الليبية حتى الآن استقبلت تونس 830 ألف لاجئ من مختلف الجنسيات قدموا من ليبيا. وبقي منهم ما لا يقل عن 100 ألف ليبي، زيادة على قرابة 60 ألف تونسي من العمال العائدين من ليبيا. وهذا كله يتطلب إمكانات، وكلها من الحكومة والشعب.

* حكومتكم مؤقتة على الرغم من ذلك اتخذتم قرارات حول قروض واتفاقيات اقتصادية، هل يدخل هذا في صلاحياتها؟

- بالنسبة للاقتراض حتى الآن تونس لم توقع أي اتفاقية جديدة، لكن تمت مواصلة العمل بالاتفاقيات القديمة، ولا توجد دولة في العالم بما فيها أميركا يمكنها الاكتفاء بمواردها الذاتية. وما قامت به الحكومة هو تقديم مشاريع وبرنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي، وقالت للدول المتعاطفة مع الثورة هذا هو برنامجنا وإن لم تساعدونا فلنا القوة والإرادة التي تمكننا من التعويل على أنفسنا. القروض التي حصلنا عليها حاليا هي 500 مليون دولار بناء على اتفاق سابق قبل الثورة، ووضعية الديون في تونس من الوضعيات السليمة، ولا مقارنة بينها وبين اليونان مثلا، وأرقام الديون التونسية ليست فيها خطورة.

* ما الدول التي قدمت مساعدات لتونس بعد الثورة؟

- لم تصل حتى الآن مساعدات ملموسة، وهناك نوايا ووعود، وإلى الآن لا بد أن نتوجه بالإكبار، خاصة لأشقائنا من الدول العربية والإسلامية التي أبدت تفهما ووعودا بإعانة تونس، خاصة الجزائر، وهي أول بلد زاره الوزير الأول ثم أيضا بلدان قطر والإمارات والكويت. ويقومون بجهود في إعانة اللاجئين عبر المستشفى القطري والإمارات.

والأسبوع الماضي زارتنا لبنى القاسي، وزيرة خارجية الإمارات، مصحوبة بوفد من 30 رجل أعمال ومستثمرا، وانتظم مؤتمر لبحث فرص العمل، ونحن نتوقع نتائج طيبة. والآن أؤكد أن هؤلاء المستثمرين من الخليج مرتاحون لجو الطمأنينة والشفافية؛ لأنهم أصبحوا يعرفون أنه ليس هناك من يقاسمهم الربح أو يستولي على جانب من استثماراتهم، كذلك مجموعة الـ8 دعت تونس كضيف شرف هي ومصر بدوفيل وهناك وعود.

* هل هي وعود مشروطة؟

- لا، ليست مشروطة، لكن الجميع في حالة انتظار، ووعدوا بتمويل لكامل المنطقة، بما فيها شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بمبلغ 40 مليار دولار بين قروض ومنح.

* وضع السياحة تراجع بشكل لافت في تونس بعد الثورة، هل ستزداد الأمور الاقتصادية سوءا إذا تواصل هذا التراجع؟

- وضع السياحة في تونس ليس سيئا جدا؛ فالسياح الذين زاروا تونس في فترة ما بعد الثورة يمثلون 50% من عدد السياح في الفترة نفسها من العام الماضي، وقد أتوا من مختلف بلدان العالم، وفي الأحوال كلها كان من المتوقع أن يكون لهذا الموسم ظروفه الخاصة، خاصة أن شهر رمضان أتى في أغسطس (آب) هذا العام، وهذا ما أثر على سياحة العرب والمسلمين، خاصة من الجزائر التي مثلت في السنوات الأخيرة بلدا مهما للسياحة التونسية.

كما أن الحرب على الحدود الليبية لا تشجع السياح، خاصة الذين تعودوا على زيارة جزيرة جربة التي تعتبر قطبا مهما في السياحة التونسية. والجو الاجتماعي أيضا وما يسود البلاد من اعتصامات وإضرابات عشوائية، وقطع المياه والتهديدات الإرهابية، كل هذه الأمور أثرت على القطاع، لكني متفائل بتحسن الأمور وبأن الأمور تمضي نحو الاستقرار ووعي التونسي هو الذي سينتشر.

* التوقعات التي تقول بهجومات إرهابية في تونس خلال شهر رمضان، ما مدى صحتها؟

- هناك تهويل في هذا الموضوع، وهناك تخمينات وشائعات والكثير من الأخبار الزائفة، وهناك أطراف لا تريد الخير لتونس، وأصحاب مصالح ليس من مصلحتهم أن تستقر البلاد كي لا ينكشف ما يقوموا به من أمور غير قانونية. وليست لديَّ معلومات دقيقة حول الموضوع، لكن ربما هؤلاء من مصلحتهم تواصل الهاجس الأمني والفوضى وترويع السكان وتخويفهم للمحافظة على مصالحهم وكذلك لعدم تتبعهم أمام القضاء ومساءلتهم.

* ماذا عن الوضع الأمني وتوتر العلاقة بين رجل الأمن والمواطن التونسيين؟

- الوضع الأمني في تونس يتحسن من يوم لآخر، كما أن عقلية رجل الأمن الآن تتغير، فأصبح يعتبر أنه في خدمة المواطن وليس في خدمة نظام بعينه أو أشخاص، ومن غير شك فإن رجال الأمن تعرضوا إلى حملات مضادة وتشكيك في نزاهتهم ومعنوياتهم تضررت كثيرا على أساس العلاقة السابقة بينهم وبين المواطنين فاتهموا بتقبل الرشوة مثلا وغيرها من الأمور.

اليوم الأمن التونسي دخل في مرحلة جديدة وكُلف وزير بالإصلاحات، وهو الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية الأزهر العكرمي، وتتمثل هذه الإصلاحات في تكوين العناصر، التنظيم الإداري وتشمل أعوان التراتيب والحرس الوطني وإجراء مصالحة بين رجل الأمن والمواطن، ولا حياة في مجتمع من دون أمن.

* يقال إن الجيش في تونس هو الذي يدير الأمور من وراء الستار، ولن يسمح بتحقيق الديمقراطية إذا لم يفز الطرف الذي يريده! - ما يروَّج عن الجيش هو كذب وافتراء، الجيش التونسي جيش وطني جمهوري منضبط لا علاقة له بالسياسة، يقوم بدوره في الدفاع عن الوطن وفي التنمية الاقتصادية ويدعم بعض المناطق بالمساعدات، ويقوم بدوريات مشتركة حماية للأمن وليس من باب الوصاية، ولا دخل له في السياسة، وهو يخضع للسلطة المدنية.

* زيارة رئيس أركان الجيوش الجنرال رشيد عمار لقطر أثارت الكثير من الجدل حول أنه هو من يدير الأمور في تونس، ما رأيكم؟

- قطر تساعد تونس على مستوى الأزمة الليبية ولديها مستشفى عسكري على الحدود، وتبادل الآراء حول التعاون العسكري التونسي والقطري في هذا المجال هو سبب الزيارة.

* هناك حديث يدور عن تدخل قوى أجنبية في الشأن التونسي وأنها تعمل على إفشال الثورة التونسية، من هذه القوى؟ وما دوافعها؟

- لا يمكنني الحكم على الأمور، لكن أقول: إن الشعب التونسي قام بثورته لنفسه وليس لغيره، وليس من أجل تصديرها، وقد صدرت ليس بإرادته لكن اقتبست الشعوب منها، ولكل شعب الحق في تقرير مصيره بحرية ومسؤولية.