صحف غربية تعتبر المحاكمة محكا للديمقراطية المصرية الوليدة وتحذر من الانسياق وراء الرغبة في الثأر

وصفتها بمحاكمة القرن.. وأحد القضاة لـ«فورين بوليسي»: إذا فتحنا كل الملفات سيحاكم نصف البلد نصفه الآخر

TT

ألقت محاكمة الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، بأصدائها على الصحافة الغربية، حيث أفردت الصحافة البريطانية مساحة واسعة لمتابعة المحاكمة التي وصفتها جريدة الـ«فورين بوليسي» بمحاكمة القرن، في حين أوردتها صحيفة الـ«فاينانشيل تايمز» في إطار مقارنات محاكمات الرؤساء العرب الأخيرة.

وتحت عنوان «الفرعون في القفص» استهلت صحيفة «وورلد ستريت جورنال» البريطانية مقالتها عن محاكمة مبارك قائلة إن الظمأ للثأر قد يقضي على الآمال المعقودة على أي ثورة جيدة، في وصف بليغ لشعور الكثير من المصريين بالسعادة جراء رؤيتهم لرئيسهم السابق خلف القضبان، وفي إشارة تحذيرية منها إلى خطورة سيطرة الثأر على مجرى العدالة مما قد يلوث مسيرة الثورة السلمية حتى اللحظة.

وفندت الجريدة تجارب تاريخية لم تتحقق فيها العدالة لرموز النظم التي أسقطتها، وقالت الجريدة إن سلوك أي ثورة وتعاملها تجاه الماضي يشكل مفتاح فهم لمستقبلها، مستشهدة بالتاريخ الذي يعطي دروسه القيمة، فالانتفاضات المدفوعة بالقصاص مثل ثورة إيران الدموية عام 1979 لا تتجه أبدا للتحكم في تصرفاتها، وتابعت الصحيفة قائلة: «حقيقة من الصعب وضع حد فاصل بين العدالة والانتقام، بين إعطاء الخد الآخر والسماح للنظام القديم بالفرار من العدالة، لكن الدول التي مالت للمصالحة تمكنت من الخروج بنتائج أفضل».

وضربت الجريدة عدة أمثلة حيث قالت: «نيلسون مانديلا أعطى العبرة والعظة في جنوب أفريقيا، المعجزة الديمقراطية بأفريقيا، حين عفا عند مقدرة. كذا الفلبين الذين فضلوا انتقالا سلسا حين هرب فرديناند ماركوس، الرئيس الفلبيني، إلي هاواي عام 1986 وبقي المقربون منه تحت رحمة الحكومة الجديدة، التي قادتها آنذاك كورازون أجينو». ووضعت الجريدة ما حدث في رومانيا عندما أعدم الرومانيون الرئيس الروماني شاوشيسكو وعقيلته، بعد محاكمة شكلية سرية سريعة، محذرة من أنهم انتظروا عقدا كاملا قبل تنظيف العمل السياسي بالبلاد.

ووضعت الجريدة نصيحة مبطنة للمصريين حين قالت إن المشترك الأكبر لقصص الديمقراطيات الناجحة هو أن تكون الفترات الانتقالية منظمة وتحظى بالإجماع.

أما جريدة الـ«فاينانشيل تايمز»، فقد قارنت بين محاكمات الرؤساء العرب الأخيرة، تحت عنوان «طغاة العرب ومسلسل محاكمة مبارك»، حيث استهلت مقالها الكبير عن المحاكمة قائلة: «بينما الناس في العالم العربي يشاهدون محطات التلفزة، كان موقع (تويتر) مليئا بالتعليقات الحادة مع تعليق مميز لوائل غنيم، أحد مديري شركة (جوجل) الذي أصبح ذائع الصيت خلال الثورة المصرية. فغنيم خاطب الحكام العرب قائلا: (على الحكام الباقين أن يتأكدوا أن شعوبهم يشاهدون)، وهو وصف مميز ربط بين المتابعة الكثيفة التي حظيت بها المحاكمة – على الرغم من أنها كانت في أوقات العمل الرسمية - وردود الفعل المتباينة على الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها (تويتر) بطبيعة الحال. وربما كان اختيار الـ(فاينانشيل تايمز) فريدا، خاصة أن وائل غنيم يعد ملهم حقيقي للثورة التي أنهت ثلاثين عاما من حكم مبارك».

وتابعت الصحيفة أن تونس عقدت محاكمة لزين العابدين بن علي، أول رئيس عربي يخلع عبر ثورة شعبية على الرغم من كونه يقبع بعيدا في جدة وليس في قاعة المحكمة. كما أن ديكتاتور العراق، الراحل صدام حسين، والكلام للجريدة، ظهر في قاعة المحكمة، ولكن زوال حكمه كان نتاج غزو أميركي لا ثورة شعبية.

وأضافت الجريدة أنه في الوقت الذي ترى فيه الأجيال القديمة مبارك في صورة القائد البرغماتي الذي حافظ على السلام مع إسرائيل عبر ثلاثة عقود، والوسيط البارع في الكثير من أزمات المنطقة الأكثر تعقيدا، وأن القصاص منه ليس بالضروري.. فإن الشباب الأصغر يبدون كأنهم من كوكب آخر، فالعدالة بالنسبة لهم جزء مهم من مرحلة ما بعد الثورة. كذا يعدونها تحذيرا قويا للحكام الآخرين، الذين يرفضون الانصياع لمطالب شعوبهم.

واختتمت الصحيفة تقريرها بأن المحاكمة بالنسبة لمصر مهمة جدا، حيث تذكر المجتمع المصري، الذي ينقسم بطريقة متزايدة، بإنجازات الوحدة التي أظهرها خلال الثورة. كما ترسل رسالة تحذير لقادة المستقبل بأن عهد الحصانة قد ولى دون رجعة.. في إشارة واضحة إلى أن المحاكمة تعتبر الحدث الأبرز الذي يوحد قطاعا كبيرا من المصريين منذ فترة كبيرة، وبعد سلسلة من المظاهرات والمسيرات الحاشدة التي فرقت بين المصريين لاختلاف توجهاتهم.

أما صحيفة الـ«غارديان» فقد أوضحت أن محاكمة مبارك ليست مهمة لمصر فحسب، وتناولت الـ«غارديان» أوضاع الرؤساء العرب المرشحين للمثول أمام العدالة، فقالت إن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي أصيب في هجوم للثوار ويتلقى علاجا طبيا في السعودية، يحظى بعرض للحصانة من المساءلة والمقاضاة في صفقة يدعمها الغرب على استحياء، في الوقت الذي حوكم بن علي غيابيا وصدرت بحقه أحكام بالسجن. وهو ما جعل العدالة تغيب مرات عدة مرشحة للزيادة في حال تم التوصل لاتفاق مع القذافي، وهو ما سيكون على حساب اتهامات بجرائم حرب. واختتمت الصحيفة قائلة: «دون أي مبالغة، ومع وسيلة الانتخابات بالطبع، فإن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي يتوقف كله على تلك المحاكمة».

البعد العربي لمعالجة المحاكمة الذي غلب على الـ«غارديان» لا يمكن تفسيره إلا في إطار خضوع مبارك للمحاكمة المدنية خاصة بعد دعاوي خضوعه وآخرين لمحاكمات عسكرية، لكن الجريدة ترى أن الخضوع للمحاكمات المدنية هو السبيل الوحيد أمام العالم العربي لإنشاء ديمقراطية وليدة.

وتحت عنوان «محاكمة القرن» تروي الصحافية ناثان براون في مجلة الـ«فورين بوليسي» عن تجربتها خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي عبر نقاشات قالت إنها جمعتها مع قضاة مصريين. حيث تقول إنها استشعرت ثقة عمياء لديهم في أن القضاء المصري سيكون على قدر إجراءات محاكمة مبارك، ولكنها تناولت قلقها من العدد الكبير والمرهق من قضايا الفساد والانتهاكات التي ظهرت مؤخرا، حيث تقول نقلا عن قاض مصري: «إنه في حال تم النظر في كل القضايا في وقت واحد، فإن نصف البلد سيكون في وضع محاكمة للنصف الآخر». وهو توصيف دقيق جدا لحالة النيابة العامة والقضاء في مصر، اللذين يعانيان في الفترة الأخيرة جراء فتح كل ملفات الفساد في مصر مع ازدياد الشبهات في كل مؤسسات الدولة. وهو ما سيؤدي إلى مشكلة ثانية، حيث إن بعض القضاة الذين تحدثت إليهم الصحافية كانوا غير متأكدين مما إذا كان الوضع الأمني في المحاكم يمكن أن يوفر مناخا آمنا للمحاكمات أم لا، لكنهم كانوا أقل قلقا حول خضوع القضاة للضغوط الشعبية، أكثر من تعرض القضاة والمحاكم نفسها للخلل الأمني.

وبالتالي يمكن تفسير وفهم المكان غير العادي لمحاكمة مبارك (أكاديمية الشرطة) التي تخضع لحراسة مشددة للغاية. ومع ذلك، فإن الاشتباكات خارج الأكاديمية بين الموالين لمبارك ومعارضيه تشير إلى أن مخاوف القضاة لها ما يبررها. وهو الواقع الذي يحدث فعلا بين الفينة والأخرى مع كل حكم بالتأجيل أو الإفراج أو البراءة بحق رموز النظام السابق أو ضباط الشرطة، مما أثار أهالي الضحايا وأثار الفوضى في أرجاء المحاكم المختلفة.. إلا أنها أشارت إلى أن ذلك حدث أيضا مرارا وتكرارا قبل الثورة.