قوات الأمن تمنع الصلاة في مساجد حماه للمرة الأولى منذ أحداث الثمانينات.. وتهدد بقصف المآذن

شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط»: نعيش أوضاعا مأساوية وجثث الشهداء تدفن في الحدائق

لقطة لشارع في حماه وقد خلا من المارة وقت صلاة الجمعة (أ.ب)
TT

استمر قصف مدينة حماه لليوم السادس على التوالي أمس، في اليوم الذي أطلق عليه ناشطون سوريون اسم «جمعة الله معنا». وتمكنت دبابات النظام السوري من منع التظاهر في المدينة يوم أمس، رغم أن مظاهرة كبيرة خرجت في بلدة كفرزيتا القريبة من حماه، والتي هي خارج سيطرة الجيش، حيث هتف آلاف المتظاهرين داعين الجيش لفك الحصار عن حماه.

ولم يستطع أهالي المدينة التوجه إلى المساجد لأداء صلاة الجمعة، للمرة الأولى منذ أحداث الثمانينات بسبب إغلاق جميع المساجد من قبل أجهزة الأمن ومجموعات «الشبيحة»، والتهديد بقصف أي مئذنة يصدح منها صوت الآذان، على ما نقله لـ«الشرق الأوسط» شهود عيان من أهالي المدينة، المحاصرة منذ الأحد الفائت. وكتب أحد الناشطين على الإنترنت أمس «اليوم لم يرفع أذان في حماه، ولم تقم الصلاة في أي مسجد، فالجيش منع الصلاة وأي مئذنة انطلق منها تكبير الله أكبر.. كانت تقصف».

ولم تكف الدبابات المنتشرة في أنحاء المدينة عن قصف أحياء سكنية لا سيما حي الحميدية وحي القصور، في ظل انتشار أمني وحواجز كثيفة واستمرار حملة اعتقالات عشوائية لم توفر، وفق ناشطين، لا النساء ولا الأطفال وكبار السن.

ولا يقتصر الانتشار الأمني في المدينة على الدبابات والحواجز فحسب، إذ ينتشر القناصة فوق جميع الأبنية المرتفعة لاستهداف كل ما يتحرك، حتى النساء والأطفال، وتحديدا في منطقة العلمين. ويؤكد شهود أن رجال الأمن الذين يتجولون في الشوارع يقومون بالإجهاز على الجرحى، وهذا ما يحدث داخل المستشفيات أحيانا.

وقال أحد السكان الذي تمكن من الفرار يوم أمس «أن انقطاع الكهرباء أدى إلى تلف جميع الأغذية المحفوظة في الثلاجات وعجز الأهالي عن جلب مواد غذائية جديدة بسبب إقفال كل المحلات جراء القصف وأيضا منع وصول أي إمدادات غذائية وطبية للمدينة». وقال الشاب الحموي الذي وصل إلى حمص بهدف إيصال نداء استغاثة من أهالي حماه لنجدتهم «هناك نقص حاد بالغذاء والمستلزمات الإسعافية، وإن الأطفال أكثر المتأثرين بالحصار فانقطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة أدى إلى حالات مرضية كثيرة ويصعب معالجتها للافتقار للأدوية ولصعوبة النقل إلى المشافي، كما أن الأطفال يعيشون حالة ذعر من أصوات القصف المتواصلة، وبالإضافة للأطفال هناك حالات كبار السن والعجزة الذين يخضعون للعلاج وصار متعذرا بسبب انقطاع الكهرباء».

أما عن نتائج القصف فقال إنه تسبب في تهدم جزئي لبعض البيوت والتي تسقط على رؤوس أصحابها، وتحدث عن وفيات وإصابات كثيرة في حي الفراية الذي تعرض للقصف يوم أول من أمس وسقط فيه ثلاثة قتلى، وأكثر من ثلاثين جريحا، وأضاف أن حي التعاونية تعرض لقصف مكثف، وأصيب طفل خلال القصف. وأضاف الشاب الحموي أن «القناصة انتشروا على أغلب المباني المطلة على الشوارع الرئيسية إضافة إلى منطقة القلعة ويطلقون النار على أي شي يتحرك، وقد قتل برصاص قناص يوم الخميس الشاب عبد لله العتر عندما خرج لإحضار الخبز».

وأكد أن الجيش والأمن يستهدفون أي دراجة نارية تتحرك، ويستخدمون قنابل محظورة دوليا في قصف المباني، كالقنابل المسمارية التي أدت إلى استشهاد أربعة أشخاص وإصابة الخامس بجروح، «كما يستخدمون قنابل صوتية ويطلقونها بكثافة وقت الإفطار ووقت السحور لإرهاب السكان». وقال ناشطون في حماه أن نحو 500 جندي من الفرقة السابعة التي كانت في درعا، انتقلوا إلى حماه وهم يتركزون في ساحة العاصي، ويمنع الأهالي من الاقتراب منهم.

وفجر يوم أمس اقتحم منطقة الحاضر عشرات الدبابات والمدرعات وترافق ذلك مع قصف عشوائي وإطلاق رصاص كثيف أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى أثناء الاقتحام وسُمعت أصوات قصف في أغلب أحياء المدينة.

وقال ناشطون في صفحة «الجيش السوري الحر» على موقع «فيس بوك» إنه تم «استهداف دبابتين من قبل كتيبة القاشوش بحماة عند دوار السيهات ودمرتا بشكل كامل». ولم يتم التحقق في هذه المعلومات التي ترد في الصفحة عن نشاط مسلح للجيش السوري الحر الذي أعلن عن تشكيله عدد من الضباط المنشقين عن الجيش السوري.

وأكد شاهد عيان من المدينة لـ«الشرق الأوسط» أن «أكثر من 300 شهيد سقطوا منذ بداية اجتياح المدينة قبل ثلاثة أيام، 120 منهم في اليوم الأول فقط، وتم دفن بعضهم في الحدائق قرب المنازل أو في الحدائق العامة وبقي قسم منها في براد المشفى، في ظل عدم إمكانية التجول لدفنهم في المقابر أو تشييعهم أو معرفة أسمائهم حتى».

ويطلق أهالي حماه نداءات استغاثة للدول العربية والمجتمع الدولي إذ إن «الأوضاع المعيشية سيئة للغاية، فالتيار الكهربائي مقطوع منذ أيام، ولا إمكانية لدخول المواد الغذائية التي جمعها أهالي القرى المجاورة إلى المدينة، في ظل النقص الشديد في المواد الطبية التي تسيطر عليها الحكومة ولا تقوم بتوزيعها، كما أن العديد من الكوادر الطبية قد تفرقت خوفا من القصف ولصعوبة التحرك».

ونقل شاهد عيان، ممن استطاعوا الخروج مع عائلاتهم من المدينة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «العديد من أهالي المدينة يعيشون أوضاعا مأساوية فيها، مع ارتفاع عدد الشهداء، فضلا عن شهداء الجيش السوري الذين قامت قوى الأمن بتصفيتهم». ويؤكد الشاهد أنه «نقل أكثر من 27 جثة لعسكريين، فيما لا يمكن إحصاء عدد الجرحى الذين استشهد كثيرون منهم بإصابات خفيفة نتيجة النزيف الذي أصيبوا به وعدم التمكن من تعويض نقص الدم». ويضيف: «هناك من مات بعد إصابة في رجله، لا سيما مع صعوبة الوصول إلى المستشفيات، وخصوصا بعد قطع الكهرباء عنها ما أعاق عملها بشدة»، لافتا إلى أن «مستشفى الريس الذي كان يستعمل لمعالجة الجرحى، وعلى الرغم من أنه مشفى توليد فقد تم إحراق الطابق الثاني منه». وعلى الرغم من توزع الأطباء على المستشفيات الميدانية في أحياء مدينة حماه، فإن ذلك لم يحل دون استهدافهم والاعتداء عليهم وإهانتهم عند اعتقالهم. ويحاول الأهالي الحصول على الأدوية الضرورية من صيدليات خارج المدينة لان أغلب الصيدليات داخلها تم تخريبها. ويوضح الشاهد العيان «إننا أصبحنا نبحث عن مواد بسيطة كخافض حرارة للأطفال، لا سيما مع حالة الرعب التي يعيشها الأطفال نتيجة القصف المستمر. ويعاني الأهالي من عدم توفر الخبز منذ ثلاثة أيام، وإقدام القوى الأمنية عمدا على تخريب المحلات الغذائية في ساحة العاصي وعدم السماح بدخول أي مواد أو مساعدات من خارج المدينة».

ويوضح شاهد العيان نفسه أن دبابات الجيش وقناصة الأمن احتلوا المدينة، خصوصا في ساحة العاصي، متحدثا عن «عشرة قناصة يعتلون بناء عبد الباقي وخمسة يتمركزون فوق مركز الشرطة». ويشير إلى أن «هؤلاء القناصة محترفون وحكما ليسوا سوريين ونحن قمنا بتصويرهم». ويقول إن «مداهمات للمنازل تتم بشكل همجي، ويتم استفزاز الرجال بشكل مهين وتذكيرهم دوما بأحداث 1982»، مكذبا ما يروج له عن «وجود مسلحين بيننا، فأكاذيب النظام لا يمكن أن يصدقها أحد، وأعتى سلاح قد يحوزه مواطن هو بندقية صيد عادية وأعدادها قليلة جدا، وفي ظل القصف والقنص المستمرين لن يستطيع أحد أن يرمي حجرا».

من جهتها قالت السلطات السورية إن وحدات من الجيش السوري تلاحق «التنظيمات الإرهابية المسلحة في حماه بعد قرابة الخمسين يوما من سيطرتها على المدينة وبعد فشل الكثير من محاولات الحوار نتيجة تعنتها وإصرارها على الممارسات الإرهابية التي حرضتها عليها أطراف خارجية».

وعرض التلفزيون السوري أول من أمس مشاهد من حماه، وبدت آثار القصف ظاهرة على الشوارع، وقال التلفزيون السوري إنها تظهر «الخراب والدمار الذي لحق بمؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة» التي تتسبب بها «الجماعات الإرهابية».