قيادي كردي سوري لـ «الشرق الأوسط»: ما يجري في حماه يؤسس لحرب طائفية

عبد الباقي يوسف: صمت الأتراك لم يعد مقبولا

عبد الباقي يوسف
TT

وصف قيادي كردي سوري الموقف التركي حيال ما يجري في سوريا بأنه غير مقبول، خصوصا تدخلاتهم في شؤون المعارضة السورية في ظل الصمت العربي، سواء من خلال علاقاتهم المميزة ببعض أطرافها، أو من خلال المؤتمرات الكثيرة التي تجري في تركيا وبدعم مادي ومعنوي منها تحت لافتة دعم المعارضة السورية، بينما في الحقيقة هم يضغطون على أطراف المعارضة العربية لتجاهل الكرد، وتهميشهم في الوقت الذي يشكل الكرد المكون الثاني بعد المكون العربي وتعدادهم يزيد عن 3 ملاين ونصف.

وعلق عبد الباقي يوسف القيادي في حزب اليكيتي الكردي السوري على التصريحات المنسوبة لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو حول المذبحة التي جرت في حماه والقتل المستمر للمتظاهرين من قبل أجهزة النظام منذ بدء شهر رمضان بأنها «غير مقبولة»، مضيفا أنه «يوما بعد يوم يتضح الموقف التركي حيال ما يجري في سوريا والذي ينم عن مصالح تركية بحتة، فجميع التصريحات التركية منذ بداية الأحداث والانتقادات اللاذعة للنظام السوري إلى درجة التهديد بالتدخل العسكري وإنشاء منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، ومطالبة الرئيس السوري بإعفاء شقيقه ماهر من صلاحياته، كل ذلك كانت مجرد دعاية انتخابية لا أكثر ولا أقل». وأشار إلى «أن الحكومة التركية رضيت لنفسها التزام الصمت تجاه الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، ويبدو أنه قد حصل تفاهم مؤخرا مع نظام دمشق لترك يده بقمع المتظاهرين ليستمر النظام الحالي في الحكم، فتركيا قلقة جدا مما يحصل في سوريا وذلك لوجود طائفة علوية كبيرة في داخلها، وأن المخاوف التي تبديها تركيا حيال القضية الكردية في سوريا غير صحيحة، لأن الكرد لم يطالبوا يوما بدولة لهم، كل ما يطالبونه هو إنهاء السياسات التمييزية والعنصرية حيالهم، وإيجاد حل عادل لقضيتهم القومية في إطار دولة سورية حرة وموحدة ديمقراطية، وبرامج جميع الأحزاب الكردية تؤكد ذلك».

وحول ما جرى في مدينة حماه، قال عبد الباقي: «كلما ورد ذكر مدينة حماه في خضم الأحداث الجارية حاليا في سوريا، يذكرنا ذلك بالمذبحة التي نفذت ضد أبنائها عام 1982 من قبل الرئيس السابق حافظ الأسد والد الرئيس الحالي، والتي ذهب ضحيتها نحو 35 ألف مواطن، حيث إن صبغ شوارع المدينة بالدم في تلك الفترة ستظل مشاهده عالقة في ذاكرة السوريين إلى أجيال كثيرة، وما يجري الآن في هذه المدينة فتقت جروحا عميقة لدى سكانها والمدن والقرى والبلدات التابعة لها أو القريبة منها، وأن مقتل مائة شخص في الليلة الأولى من شهر رمضان في هذه المدينة مجددا يؤسس لحرب طائفية يتحمل النظام وحده مسؤوليتها».

وأشار إلى «أن الشعب السوري في جميع أماكن تواجده أدان الاعتداءات المستمرة على المدن السورية، منها حماه وحمص ودير الزور وغيرها، والمظاهرات والمسيرات الليلية أخذت منحى جديدا من خلال المطالبة بإسقاط النظام وكذلك بمحاكمة الرئيس باعتباره المسؤول الأول عن ارتكاب الجرائم ضد المتظاهرين. وأن قيام أجهزة النظام باعتقال شيخ مشايخ عشيرة البكارة، التي عدد أفرادها يتجاوزون المليون شخص، خلق استياء شديدا لدى عشائر المنطقة، ويؤكد أن النظام قد فقد السيطرة الإدارية في هذه المناطق، وأن استخدامه للعنف المفرط لاسترجاع هذه المناطق لإدارته يؤكد على ضعفه، لأن استخدام الجيش في مهمة ليست بمهمته يؤكد أن سوريا أصبحت دولة فاشلة بكل المعايير».

وحول الشكوك الدائرة حول جدية الأحزاب الكردية في المشاركة بالمظاهرات السورية وعدم تصعيدها، وما يتردد من عدم وقوع أي ضحايا من الكرد وامتزاج الدم الكردي بالدم العربي الذي يراق يوميا، قال يوسف: «الكرد هم المكون السوري الأشد تضررا من النظام البعثي على مدار نحو خمسين سنة، فقد واجهوا الكثير من المشاريع العنصرية بهدف صهرهم بالقوة داخل الأغلبية العربية. ومنذ أن انتقلت شرارة انتفاضة درعا إلى بعض المناطق السورية الأخرى، وقبل أن تصبح انتفاضة لكل الشعب السوري، استجاب الشارع الكردي لمساندة انتفاضة درعا، وبدأ الشباب الكردي بالنزول إلى المظاهرات في الكثير من المدن الكردية للتعبير عن تضامنهم مع أهل درعا وكذلك بانياس واللاذقية، ونددوا باستخدام العنف ضد المتظاهرين المسالمين، كما أن المجلس السياسي الكردي الذي يضم 9 أحزاب كردية أصدر بيانا بعد الخطاب الأول للرئيس أعلنوا فيه صراحة عن وقوفهم إلى جانب المتظاهرين في درعا والمدن السورية الأخرى الذين طالبوا بالحرية والإصلاحات وأدانوا استخدام العنف ضد المتظاهرين، كما رفضت الأحزاب الكردية دعوة الرئيس للاجتماع بهم في دمشق، واشترطوا وقف العنف ضد المتظاهرين وسحب الجيش إلى ثكناته ومحاسبة القتلة».

وحول الانتقادات الموجهة إلى القوى الكردية بعدم المشاركة في المؤتمرات التي تعقدها المعارضة السورية في الخارج لمساندة الثورة السورية، قال عضو قيادة حزب اليكيتي الكردي: «نحن نتفهم معاناة قوى المعارضة السورية التقليدية، وهنا نحمل مسؤوليتها الأساسية إلى النظام الحالي، فمنذ أن سيطر حزب البعث على السلطة أدخل البلاد إلى أجواء الحكم الشمولي في ظل أسرة الأسد التي شلت الحياة السياسية والديمقراطية وبدأت الملاحقات للقوى المعارضة وامتلأت السجون بالمعارضين، كما أن النظام لم يتوان عن نشر ثقافة التشكيك والتخوين بين مختلف مكونات الشعب السوري، ومع مرور عشرات السنين من عمر النظام في ظل أجواء الخوف والرعب وغياب الإعلام والصحافة الحرة وغياب الحريات الفردية والجماعية فرضت منظومة البعث الفكرية والثقافية على المجتمع السوري، والمؤتمرات التي انعقدت حتى هذه اللحظة لم تستطع الخروج من تلك المنظومة، وبالتالي فإن المؤتمرات جميعها جاءت بهدف تقوية فئة سياسية وفرضها على الداخل السوري وبدعهم مباشر من تركيا، من جهة ثانية يستهدف القائمون على هذه المؤتمرات ركوب موجة الثورة وتسخيرها لتوجهاتهم السياسية أي الإطاحة فقط بالنظام الأمني الشمولي، وأن يحلوا مكانه، لقد وضعت برامج تلك المؤتمرات بغياب كردي تام، لهذا رفضت الحركة الكردية حضور تلك المؤتمرات انطلاقا من كوننا شركاء في الوطن، ولن نقبل بأن نكون ضيوفا في مؤتمرات تعقد للبحث عن مصير وطننا، وأن يستخدم الحضور الكردي كمجرد ورقة دعائية ليس إلا».

وتحدث يوسف عن المرسومين الصادرين عن رئيس النظام السوري حول قانوني الأحزاب والانتخابات. وقال: «سبق أن رفضت الأحزاب الكردية قانون الأحزاب لأنه لا يستند على أي أسس ديمقراطية، إنما يستند على جملة من المواد الدستورية القانونية التي تعطي لحزب البعث الحق في قيادة المجتمع والدولة، كما أن تلك المواد والقوانين تنطلق من آيديولوجية البعث، وأن الالتزام بها تحول تلك الأحزاب مع الوقت إلى فروع لذلك الحزب، وبالتالي لا يوجد أي سند قانوني لاستقلالية الأحزاب، كما أن ذلك القانون يمنع على الأحزاب أن تكون لها فروع بالخارج، ويمنع عليها التنظيم داخل سلك الجيش بينما لا يشمل ذلك حزب البعث، كما يمنع تشكيل الأحزاب على أسس قومية، وهذا يشكل عائقا أمام عمل الأحزاب الكردية، باختصار جميع المعارضة السورية رفضت القانون لأنه جاء بهدف إرضاء القوى الدولية، وليس إجراء إصلاحات سياسية. وهذا ينطبق أيضا على قانون الانتخابات، ففي ظل نظام قمعي شمولي لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة، فالنظام الأمني وحكومة الظل التي تحكم سوريا هي التي تعين أعضاء مجلس الشعب، والانتخابات التي تجري ليست إلا انتخابات شكلية».