الخبراء الأتراك: الرئيس الأسد ألد أعداء نفسه

سوريا لعبت دورا مهما في مد تأثير إيران إلى لبنان من أجل السيطرة على حزب الله

مظاهرات في ادلب قبل تفريقها بالرصاص
TT

من خلال عدم مبالاته بالإدانة واسعة النطاق والعقوبات المتزايدة المفروضة عليه وعلى الرغم من التحذيرات من المجتمع الدولي، فإن الرئيس السوري بشار الأسد يبدو متشبثا بالسلطة على حساب حياة أكثر من ألف شخص.

ومع التزام الأسد بالصمت، تبدو المسؤولية ملقاة على كاهل العالم بأسره في ما يتعلق بالتعامل مع العديد من التساؤلات المثارة حول كيفية الانتقال بحالة الاضطراب في سوريا إلى تطور سلمي ديمقراطي، لكن حتى الآن، لا توجد حلول سهلة في الأفق.

وعلى غرار بقية أنحاء العالم، لم تحسم تركيا أمرها بعد في ما يتعلق بكيفية التعامل مع الأسد، الحليف السابق لها، محاولة وضع الرئيس السوري في مكانة وسطى بين الصديق والعدو. في الوقت نفسه، تنأى تركيا عن الدعوة للتدخل الغربي، الذي أثبت عجزه عن توفير حلول شافية في الماضي. وقوبلت أخبار سقوط عدد هائل من القتلى جراء القمع الوحشي للانتفاضة السورية من قبل النظام بإدانة كبيرة على مستوى العالم، لكن ربما يثبت أن معدل الوفيات المرتفع هو مجرد جزء بسيط من مشكلة أكبر وهي اختفاء عدد ضخم من السوريين دون أن يقتفى أثرهم، حيث تشير تقديرات من قبل منظمات حقوقية إلى سقوط 1.600 قتيل واختفاء 3.000 واعتقال ما يقرب من 40.000 شخص.

وربما كانت تعليقات وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو متفائلة بصورة مبالغ فيها، حينما قال إن هجوم قوات الأسد الأخير على حماه بعث برسالة خاطئة، في الوقت الذي ربما كان يهدف فيه إلى سحق معارضيه لضمان استمرار حكم أسرة الأسد التي تستأثر بالسلطة منذ أكثر من 40 عاما، بحسب جريدة «زمان» التركية.

استمر الأسد صامتا معظم الوقت، معانيا من عزلته كقائد ينتمي إلى الأقلية العلوية التي تهيمن في الوقت نفسه على دولة تعداد سكانها 23 مليون نسمة، يشكل السنة نسبة 75 في المائة منهم. وبحجة خطر الحرب مع إسرائيل، عاش السوريون في ظل قانون الطوارئ في دولة بوليسية تقوم على احتكار السلطة من قبل أسرة الأسد، وعانوا من تاريخ طويل من الفساد الذي عجز الأسد عن كبح جماحه منذ أن تولى مقاليد السلطة في عام 2000. وتشير الأساليب التي ينتهجها الأسد في التعامل مع الانتفاضة إلى أن النصيحة المقدمة له من تركيا والمجتمع الدولي لا تلقى آذانا صاغية.

«قضت سوريا على سياسة كانت تركيا قد رسختها في المنطقة حينما بدأت تسير على الطريق الذي رسمته إيران خوفا من فقدان نظامها، لكن على حساب تقييد حريتها في الحركة»، هذا ما قاله مهمت سيف الدين إرول، أستاذ العلاقات الدولية المشارك بجامعة «غازي» في أنقرة. وشرح أن سوريا آثرت العنف حاذية حذو إيران وتجاهلت تشجيع تركيا على الحوار السلمي.

وعند حديثه إلى صحيفة «زمان» التركية، أوضح إرول أيضا أن سوريا فضلت إيران على تركيا لأسباب براغماتية، وأن الدولتين جمعتهما مخاوف مشتركة. «تتماشى مخاوف إيران بشأن سقوط جبهة معارضتها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل مع مخاوف سوريا بشأن بقائها، الذي أدى في المقابل إلى التعاون المشترك بين الدولتين»، مثلما أشار إرول.

ويبدو الخبراء متفقين على أن سوريا لعبت دورا مهما في مد تأثير إيران إلى لبنان من أجل السيطرة على حزب الله وتمكين إسرائيل من مراقبة عن كثب. إن فكرة من سيحل محل الأسد في حالة سقوط نظامه تشكل أهمية خاصة لإيران، نظرا لأن سوريا هي حليفها الوحيد الذي يملك سلطة إنقاذها من قيود الخليج. ولطالما كانت سوريا وإيران متشابهتين، ليس في الآيديولوجية فقط، وإنما من حيث العزلة في منطقة لا ترحب بالشيعة، وهو أحد المخاوف التي تأكدت من خلال اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت في عام 2004 والتي تعهدت فيها كلتا الدولتين بحماية كلتيهما الأخرى، في حالة ما إذا واجههما خطر أن يلقيا مصير العراق.

«ليست شراكة طائفية بقدر كونها شراكة استراتيجية بين سوريا وإيران»، هكذا قال فيسيل أيهان، الباحث الأكاديمي بجامعة «أبانت عزت بايسل» وخبير شؤون الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية الشرق أوسطية في حديث هاتفي لجريدة «زمان»؛ «ستقوم إيران بأي شيء من أجل إبقاء الأسد في السلطة، نظرا لأنه من دونه ستصبح بوابة إيران إلى البحر المتوسط مغلقة»، هذا ما قاله، مشددا على حقيقة أن الانتفاضة السورية هي أيضا مسألة حياة أو موت بالنسبة لإيران.

وقال أيهان: «للتوصل إلى حل يرضي الأسد، ربما تضغط إيران عليه للقيام بإصلاحات ثانوية لا تمثل قيمة حقيقية، من أجل تقسيم صفوف معارضيه وتكميم أفواه المجتمع الدولي».

وحتى القوات الدولية التي عادة ما تسارع بالتدخل في سياسات الشرق الأوسط، يبدو أنها نأت عن محاولة الضغط على الأسد للتنحي. وفي حالة إحالة الأسد للمحاكمة، ربما يواجه مصير حسني مبارك؛ أن يمثل في قفص الاتهام الذي طالما زج بأعدائه فيه. «إن المذابح ليست في صالح المؤيدين للنظام السوري وستضر بالأسد في النهاية. يبدو أنها حرب طائفية بين الحكومة الشيعية والأغلبية السنية»، هكذا حذر إرول، مضيفا: «لن يجد الأسد الراحة حتى مع بقية الدول العربية في المنطقة؛ إنه يحفر قبره بيده على الرغم من محاولات الآخرين تجنيبه هذا المصير».

وفي ما يتعلق بما يمكن أن يجبر الأسد على القيام بإصلاحات، ربما تكون العقوبات المفروضة من قبل المجتمع الدولي هي السبيل الوحيد المتاح. وتستهدف العقوبات الصادرة عن كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أقوى الشخصيات المالية والسياسية في نظام الأسد، التي عادة لا تكون ببعيدة عن أفراد أسرة الأسد أو المقربين له. وقد تم فرض حظر السفر وحظر توريد الأسلحة وتجميد الأرصدة في محاولة لإجبار حكومة الأسد على الاستسلام.