فلسطينيو المخيمات لا يسلمون من قمع النظام السوري.. ونيرانه

لاجئ في مخيم اليرموك: الفلسطيني في سوريا يعاني من القمع والقهر والاضطهاد تماما كالمواطن السوري

TT

يضحك الشاب الفلسطيني طويلا حين يصدح صوت المحلل السياسي الذي يستضيفه التلفزيون الرسمي السوري بالقول: «الفلسطينيون يأخذون في سوريا جميع الحقوق التي يملكها المواطن السوري، ما عدا حق الانتخاب». ويضيف بعد سماعه ذلك ساخرا: «المواطن السوري الذي يتحدث عنه المحلل لا يحصل على حقوقه أصلا حتى نقارن كفلسطينيين بشكل إيجابي معه».

ويشير الشاب الجامعي، الذي يقطن في أحد أحياء مخيم اليرموك في العاصمة دمشق، إلى أنه «حتى حق الانتخاب الذي يعتبرونه ميزة لا يمارسه المواطن السوري إلا بشكل صوري لا معنى له»، مستدلا على ذلك انطلاقا من أن «نتائج أي انتخابات تحصل في سوريا سواء نيابية أو بلدية أو رئاسية معروفة مسبقا». ويؤكد أن «الفلسطيني في سوريا يعاني من القمع والقهر والاضطهاد تماما كالمواطن السوري، فنحن شركاء في تحمل ممارسات آل الأسد الإجرامية عبر أربعين عاما».

وكانت دبابات الجيش السوري وأثناء عملياتها العسكرية في مدينة اللاذقية، قد قصفت مطلع الأسبوع الحالي مخيم الرمل الفلسطيني جنوب المدينة وأوقعت في أبنيته أضرارا بالغة، أدت إلى حركة نزوح كبيرة، بالتزامن مع إحراق عناصر «الشبيحة» منازل تخص عائلات فلسطينية وأهانت من لم يستطع الهرب من سكانها. وفي حمص قامت عناصر الأمن بمحاصرة مخيم للاجئين الفلسطينيين ونفذت حملة مداهمات واعتقالات واسعة. وأكد ناشط فلسطيني انضم مؤخرا إلى إحدى لجان التنسيق المحلية في اللاذقية أن «المخيم الذي يسمى مخيم العودة تم تخريبه بالكامل وتهديم بعض أبنيته، وبعض الأهالي الذين ذهبوا لتفقد بيوتهم وجدوا خرابا لا يوصف». وشدد على أن «ما حدث كشف حقيقة الكره الذي يخفيه النظام السوري للفلسطينيين واستعداده الدائم لإبادتهم وتدمير مخيماتهم عبر أجهزته الأمنية وآلته العسكرية»، مستعيدا تجربة شخصية له مع الأمن السوري حين اعتقله مرة إثر شرائه جهازا جوالا عرف لاحقا أنه مسروق من شخص ما». ويقول في هذا الصدد: «تم إلقاء القبض علي، ووضعوني في سيارة بيضاء، وقاموا بضربي وصفعي طوال الطريق، وحين عرفوا أنني فلسطيني زادت درجة إهانتهم وقسوة ضرباتهم». ويضيف: «كانت تجربة قاسية عانيت الكثير من التعذيب والإهانات اللفظية وبعد دفع مبلغ كبير من الرشى تم الإفراج عني».

يقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين وفدوا إلى سوريا جراء النكبة عام 1948، وفقا للباحث علي بدوان بنحو 90 ألف لاجئ. وصلت الدفعة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا بعد عام 1956 قادمين من التجمعات الفلسطينية التي لجأت إلى الأراضي اللبنانية. ولحق بهذه الدفعة مئات من الفلسطينيين الذين طردوا من المناطق المنزوعة السلاح على الحدود الفلسطينية - السورية، وبالتحديد على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية وبعد تجفيف بحيرة الحولة، وتحديدا بين الأعوام 1951 و1958. وهؤلاء جاءوا من قرى منصورة الخيط، يردة، كراد الغنامة، كراد البقارة، السمرة، النقيب، التوافيق، كفر حارب، جسر المجامع، ومنطقة غرب بلدة الحمة.

وأقاموا في منطقة الجولان ثم لجأوا ثانية بعد عدوان يونيو (حزيران) 1967 إلى مناطق دمشق ودرعا. ووفدت إلى سوريا دفعات جديدة من الفلسطينيين بعد عامي 1970 و1971 مع تمركز فصائل المقاومة الفلسطينية فوق الأراضي اللبنانية والسورية، ولم يتم تسجيلهم في سجلات اللاجئين إلى سوريا.

وأقام اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بعد وصولهم إلى الأراضي السورية في مواقع وتجمعات ومخيمات تركزت في منطقة دمشق وباقي المدن السورية. وأمضى بعضهم سنوات داخل ثكنات الجيش الفرنسي الذي كان لتوه غادر سوريا بعد استقلالها (مخيمي النيرب وحمص)، بينما استقر آخرون داخل المنشآت الحكومية والجوامع الكثيرة المنتشرة في دمشق، وأقام آخرون في حي الأليانس (حي الأمين) وسط العاصمة دمشق الذي كان يضم عدة آلاف من اليهود السوريين الذين كانوا غادروا سوريا نحو فلسطين.

وبين الأعوام 1953 و1955 استطاعت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، توزيع الأراضي على اللاجئين للسكن المؤقت (24 مترا مربعا للعائلة الواحدة مع دعم متواضع من الإسمنت والمواد الأولية). وهكذا تم بناء التجمع الفلسطيني الأكبر في سوريا في منطقة بساتين الميدان والشاغور (أرض المهايني والحكيم) جنوب دمشق وأطلق عليه اسم «مخيم اليرموك» مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني تيمنا بمعركة اليرموك.

وبحسب معدلات النمو الطبيعي والتزايد السكاني فقد تضاعفت أعداد اللاجئين الفلسطينيين عدة مرات منذ النكبة. ويشير أحد المحللين السياسيين الفلسطينيين لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الفلسطينيين جاءوا إلى سوريا قبل مجيء النظام السوري إلى الحكم وأن اللاجئين مسجلون في قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب للقوانين السورية من حيث المساواة مع المواطن السوري في كل المجالات، ما عدا حق الانتخاب والترشيح للبرلمان السوري وللإدارة المحلية (منذ عام 1956)».

وجاء في القرار رقم (1311) الصادر في (2 – 1 - 1963) والذي نظم استصدار وثائق السفر للاجئين الفلسطينيين المقيمين في القطر العربي السوري أنه يحق للاجئين تملك أكثر من محل تجاري، والانتفاع بالحقوق الناتجة عن الإيجار، واستثمار المتاجر، والانتساب للنقابات المهنية السورية، لكن لا يحق للفلسطيني اللاجئ التملك إلا شقة سكنية واحدة. ويعتبر المحلل الفلسطيني أنه «إذا كان على الفلسطينيين أن يشكروا أحدا إلى استضافتهم ورعايتهم فهو الشعب السوري وليس النظام المستبد الذي يحكمه»، مذكرا بأن «للفلسطينيين ذاكرة مؤلمة مع النظام السوري، فهذا النظام ارتكب بالتعاون مع بعض الميليشيات اللبنانية مجازر تل الزعتر وبرج البراجنة ولاحق الزعيم ياسر عرفات في مدينة طرابلس بهدف اغتياله، إضافة إلى متاجرته بالقضية الفلسطينية والتلاعب على مشاعر الناس عبر تضامنه بالشعارات معها».