شاهد عيان يروي لـ «الشرق الأوسط» تفاصيل عملية اقتحام حي الرمل

تحدث عن قصف مدمر وقص أشجار تسهيلا للقنص.. والخسائر أكبر من المعلن بكثير

TT

لم يتمكن أهالي منطقة الرمل الفلسطيني جنوب مدينة اللاذقية في جمعة «بشائر النصر» كما أطلق عليها ناشطون سوريون، من الخروج في مظاهرات تطالب بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتطالب برحيله.. فالحي الذي تعرض في الأيام الماضية إلى قصف مدمر أدى إلى نزوح معظم سكانه، بعد أن اجتاحته دبابات الجيش السوري وتوغلت في أحيائه عناصر الأمن والشبيحة، لم يلملم جراحه بعد وفق شهود عيان. ويكشف أحد سكان الحي لـ«الشرق الأوسط» عن ظروف عملية الاقتحام التي قام بها الجيش السوري، فيقول «بدأ الاقتحام يوم السبت في 13 أغسطس (آب) من منطقة الطلائع، وهي تعتبر ضمن أرض مخيم اللاجئين، تمركزت الدبابات من باب معسكر الطلائع إلى مدرسة الأونروا - الخيرية، وتم إطلاق النار بأسلحة ثقيلة بشكل عشوائي، مما دمر المنازل والمحلات المطلة على الشارع العام وسكانها. كما تم اقتحام أحد المنازل المقابلة لمعسكر الطلائع والعبث بمحتوياته، علما بأنه لم يكن أحد بالبيت وتم اقتحام وتكسير المحلات وخلع الأقفال».

ويضيف الشاب الثلاثيني الذي نزح مع عائلته خوفا من القصف المدفعي وإطلاق النار العشوائي، أن الأمن قام بـ«تخريب وقطع أسلاك الكهرباء عن طريق الرصاص العشوائي الذي طال الطوابق العالية من البيوت بهدف الأذى حيث لا يوجد أحد على أسطح المنازل، كما قاموا باقتحام حي الغراف من الأزقة المطلة على الشارع العام، مرورا بمنازل الفلسطينيين، مع إطلاق النار بشكل عشوائي مما أدى إلى جرح شاب فلسطيني بالإضافة إلى مداهمة المنازل واعتقال عشوائي. واستمر إطلاق الرصاص حتى وقت متأخر من الليل لساعات الصباح الأولى». يتابع الشاب وصفه لما حدث «في صباح يوم الأحد 14 أغسطس تم التجهيز لاقتحام الرمل وبدأت الحملة الساعة 6 صباحا من شارع المخيم ومن شارع الغراف ومن مفرق مدرسة الأونروا - عتليت. توجه قسم من الدبابات عن طريق البحر - كتيبة كاملة من جنود ودبابات وأسلحة رشاشة - بحيث تم اقتحام الحي من ثلاثة محاور.. شارع الغراف وشارع المخيم الرئيسي والطريق البحري للمخيم». وعن الخسائر المادية التي نتجت عن الاقتحام يقول «أدى الاقتحام إلى تدمير المنازل والمحلات على طول شارع المخيم الرئيسي وأدى ذلك إلى إصابة تمديدات المياه وتدمير السيارات الخاصة المركونة في الطريق. كما دخلت دبابة إلى ساحة جامع فلسطين في المخيم وأطلقت النار في شارع حارة يافا».

ويؤكد أن انشقاقات حدثت في الجيش وتم تبادل إطلاق النار بين عناصر الجيش. ويقول: «استمر إطلاق النار نحو 3 أيام، كما قام الأمن بنبش مقبرة ثلاثة شهداء كانوا قد سقطوا من أسبوع وتم تصويرهم على أنهم قتلى من الأمن».

الشاب أمضى فترة الاقتحام لمدة ليلتين مع أمه في منزلهما حيث كانت الاتصالات والكهرباء مقطوعة، فجلسا في غرفة صغيرة بعيدة عن الشارع العام تجنبا للرصاص الثقيل الذي كان يخترق الجدران وكان يسمع فتات الحجارة التي تتساقط من المباني المجاورة لمنزله إثر تعرضها للرصاص الثقيل والعشوائي. ويشير إلى أن «قناصين كانوا يتمركزون على المباني داخل معسكر الطلائع الذي تم قص الأشجار فيه لكي تصبح عملية القنص أسهل تحضيرا للاقتحام، كما تم استخدام (بنادق) روسيات وبي كي سي ورشاشات ثقيلة محملة على الدبابات والمدرعات، إضافة إلى استخدام الزوارق البحرية».

وعن القتلى والمصابين يقول إن «العدد يفوق بكثير ما ذكر في وسائل الإعلام، وبالنسبة إلى الجرحى فإن سكان المنطقة بذلوا جهدهم لإنقاذ من أصيب برصاص الأمن لكن دون فائدة، لعدم امتلاكهم الخبرة الكافية حيث إن أطباء الرمل نزحوا مع الأهالي إضافة إلى ندرة وجود الأطباء في منطقة الرمل حيث يتركز معظمهم في المخيم، كما أن عيادات الأطباء على الشارع العام تضررت من الاقتحام الوحشي». ويلفت الشاب إلى أن «ما بقي من سكان في منطقة الرمل الفلسطيني لم يستطيعوا المشاركة في جمعة (بشائر النصر) بسبب التخريب والتهجير والاعتقالات العشوائية التي قامت بها أجهزة الأمن إضافة إلى الحواجز الأمنية التي تنتشر في كل مكان وتحسب على الأهالي أنفاسهم». ويضيف: «سارت سيارات الأمن يوم الجمعة ونادت عبر مكبرات الصوت بأنه يمنع الصلاة في جميع مساجد المنطقة، ما عدا مسجد فلسطين الذي تم إخضاعه لحصار أمني مشدد». ويؤكد أن «سكان الرمل وبمجرد أن تضعف القبضة الأمنية التي سلطها النظام على المنطقة بعد اجتياحه الوحشي لها، سيعودون إلى التظاهر والمطالبة بسقوط نظام تفنن في قتل أبنائهم واستباح بيوتهم بشراسة ووحشية»، ويضيف «لقد كانت مظاهراتنا سلمية نطالب فيها بحقوقنا ونندد بجرائم بشار الأسد في مدن وأرياف سوريا كافة، تم إنشاء منصة وضعت في ساحة الحرية وجهزت بمعدات الصوت وبمولدات كهربائية لأن النظام كان يقطع الكهرباء في الساحة عن قصد وقت التجمع، الشعارات كانت تنادي بالحرية وإسقاط النظام، وضد الفساد والاستبداد، ووضعت لعبة تمثل بشار وتم شنقها وبقيت معلقة بالساحة عدة أيام، كما وضعت صورته على الأرض وداسها الناس مرارا».

يذكر أن حي الرمل الفلسطيني يقع في المنطقة الجنوبية الغربية من اللاذقية، بمحاذاة شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ويبعد 3 كلم عن ساحة أوغاريت في مركز مدينة اللاذقية، وهو عبارة عن حي سكني ذي كثافة سكانية هائلة، يعيش فيه نحو 250 ألف نسمة في ظروف بالغة السوء والفقر، نظمت في ساحاته على مدى الشهور الماضية أضخم المظاهرات في مدينة اللاذقية للمطالبة بالحرية والديمقراطية.

وقامت دبابات الجيش السوري فجر الأحد في الرابع عشر من الشهر الحالي مستعينة بالبوارج والزوارق الحربية بقصف المنطقة واجتياح أحيائها، منهية عبر حملة اعتقالات ومداهمات واسعة، جميع مظاهر الاحتجاجات الشعبية فيها.