وأخيرا.. طرابلس حرة والثوار يقتحمون مقر القذافي في باب العزيزية ويتجولون في مكتبه ومنزله

دفاعاته انهارت بسرعة.. و3 خيارات أمامه للاختباء.. والهوني لـ «الشرق الأوسط»: سنلقي القبض عليه حيا أو ميتا

أحد الثوار يتسلق نصبا تذكاريا داخل باب العزيزية في طرابلس، ولهذا النصب رمزية كبيرة لدى القذافي الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاما. وتظهر بقايا الدمار على المكان الذي كانت قصفته القوات الأميركية في السابق (أ.ب)
TT

فتح الشعب الليبي، أمس، صفحة جديدة في تاريخه المعاصر بعدما اقتحمت جحافل الثوار ثكنة باب العزيزية، المقر الحصين للعقيد معمر القذافي في العاصمة الليبية طرابلس، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة الشعبية ضده في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

ومع حلول مساء أمس، كان منزل عميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا وقائد الثورة في متناول الثوار، الذين نجحوا في وضع نهاية لحكم القذافي وعائلته منذ عام 1969.

ومع اجتياح الثوار لطرابلس، التي تعاني منذ يومين من انقطاع الكهرباء والاتصالات الهاتفية، وفقا لما أكده ناشطون وسكان في المدينة لـ«الشرق الأوسط»، فقد عمت الفرحة أرجاء المدينة، التي كان سكانها يتفادون على الدوام المرور من أمام مقر باب العزيزية الرهيب، ناهيك عن الدخول إليه.

وسيطر الثوار، بشكل كامل، على العاصمة طرابلس، إيذانا بتحريرها من قبضة القذافي، الذي يتجه في المقابل إلى التجهيز لمعركة أخرى، على ما يبدو، في سرت الساحلية، حيث عامة نظامه السياسي والمكان المفضل لكل القمم والاجتماعات الإقليمية والعربية والدولية التي استضافها القذافي مؤخرا.

وفي لحظة دراماتيكية مفاجئة انهارت مساء أمس مع أذان المغرب بالتوقيت المحلي لطرابلس كل دفاعات القذافي أمام الثوار، الذين تدعمهم مقاتلات حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي قصفت في وقت سابق مجمع القذافي، الذي يضم منزله ومكتبه وخيمته.

وهرب القذافي وأبناؤه وما تبقى من قواته العسكرية وكتائبه الأمنية إلى مكان غير معلوم، فيما كانت قوات الثوار المحمولة على متن سيارات مدرعة وعربات من طراز الدفع الرباعي تطارد فلول كتائب القذافي في المناطق القريبة من المجمع، الذي ظل رمزا على مدى نحو 42 عاما لسلطة القذافي وجبروته.

ووفقا لرواية الشيخ عبد الحكيم بلحاج آمر كتائب الثوار في طرابلس، فإن القذافي وعائلته هربوا إلى مكان مجهول، وقال «هناك آثارهم لكنهم فروا فرار الجرذان أمام زحف الثوار»، مشيرا إلى أن الثوار اعتقلوا الكثير من جنود وقيادات قوات القذافي. وسئل عما إذا كان القذافي قد توجه مع مرافقيه وما تبقى من قواته إلى منطقة حي أبو سليم، فقال «كانت هناك معلومات بأن عددا منهم اتجه إلى حي أبو سليم، ربما هناك بعض الموالين، لكننا وصلنا صباحا إلى هذا الحي وقلنا لهم إن عليهم مسؤولية وطنية يجب القيام بها لصالح ليبيا».

لكن عبد المنعم الهوني، ممثل المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة العربية ومصر، كشف في المقابل لـ«الشرق الأوسط» عن معلومات مفادها أن «القذافي ربما قد توجه إلى معقل رأسه في مدينة سرت الساحلية، حيث يتوقع أنه يستعد لمعركة أخيرة ونهائية».

وقال الهوني لدينا تقارير بأن «القذافي أمر بسحب كل قواته إلى سرت، حيث نخشى أن يدفع سكانها البسطاء آخر فاتورة لجنونه من أجل السلطة»، مؤكدا أن «الثوار لن يتركوا القذافي أبدا، وسيلقون القبض عليه حيا أو ميتا».

ولفت الهوني إلى أن المرجح أن القذافي لم يكن موجودا بالأساس في طرابلس طيلة الأسابيع القليلة الماضية، وتحديدا من أول ما بدأ يغيب عن الصورة ولا يظهر في كلماته الصوتية التي اعتاد أن يوجهها لمناصريه عبر شاشات التلفزيون الرسمي.

وأبلغ الهوني «الشرق الأوسط» بأن أمام القذافي 3 أماكن فقط يمكنه اللجوء إليها في هذا الوقت، وهي: أولا منطقة الجفرة في الجنوب الليبي حيث مقر رئاسة هيئة الأركان، وثانيا واحة تراغن في أقصى الجنوب وبلد مدير مكتبه بشير صالح وفيها مقر خاص واستراحات كبيرة وغرفة بث إذاعي وتجهيزات جيدة على الحدود الليبية مع النيجر، بالإضافة إلى الخيار الثالث، وهو مدينة سرت حيث قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها.

وعزز من رواية الهوني لـ«الشرق الأوسط» انسحاب قوات القذافي إلى الوادي الأحمر غربا نحو بلدة سرت بعدما سيطر الثوار على رأس لانوف والمنشآت النفطية.

وعبرت الرسائل القصيرة التي تداولها الليبيون فيما بينهم عبر أجهزة الهاتف الجوال عن الرغبة في حسم الأمر باعتقال القذافي، بيد أنها لم تخلُ من الطابع الكوميدي، حيث ورد في إحدى هذه الرسائل: «عاجل. عاجل. الثوار يلقون القبض على التوك توك».

وأعلن الشيخ عبد الحكيم بلحاج، مسؤول الكتائب التابعة للثوار في طرابلس، بثقة أن المعركة العسكرية ضد القذافي وقواته قد حسمت تماما لصالح الثوار، الذين قال إنهم «دخلوا إلى باب العزيزية من أكثر من محور، وبدأوا الهجوم بقصف البوابات قبل أن يتقدموا بسرعة وبخطى ثابتة نحو البوابات الرئيسية». وأضاف بلحاج، الذي كان يتحدث من داخل مقر القذافي بينما مقاتلوه المحيطون به يكبرون ويرفعون شعارات النصر وعلم الثوار، «انهارت صفوف القذافي بصورة فجائية جدا.. هذا نصر عظيم». وتابع «بفضل الله وضربات الثوار تهاوت دفاعات القذافي، التي تعامل معها الثوار بكل جرأة ومن دون تراجع، وهدمنا الأسوار وتراجعوا (قوات القذافي) أمامنا وفروا فرار الجرذان»، وهي الصفة التي كان يطلقها القذافي على معارضيه.

وفي تأكيد على خطورة الوضع الحالي بعد سقوط القذافي في ظل حالة عدم الاستقرار، وجه بلحاج نداء إلى سكان طرابلس وإلى الثوار المقاتلين اعتبر فيه أن «المعركة العسكرية قد حسمت، والأهم أن نحافظ على أمن المدينة، وأن لا يصدر منا أي تصرف غير مسؤول».

واستطرد قائلا «في هذه الساعة التاريخية يا أهالينا ويا أبناء بلدنا العظيم، أنتم الآن أمام لحظة تاريخية ومسؤولون أمام شعبكم وأمام العالم بأن تحفظوا وتعيدوا الاستقرار حتى نبني صرح بلدنا السعيد، لقد حررنا بلدنا والآن أمامنا عمل شاق وأهداف عظيمة يجب أن تتكاتف الجهود لبناء ليبيا».

وقال المسؤول العسكري الأبرز في صفوف الثوار في العاصمة طرابلس مخاطبا مقاتليه «أمامكم مسؤوليات عظيمة جدا إما أن تكونوا على قدر المسؤولية وإما، لا قدر الله، أن تسمحوا بفجوة لمن لا يريد أن يحقق الأمن لبلدنا، هذه أمانة عظيمة ونحن مسؤولون عنها أمام الله وأمام شعبنا». وحث بلحاج الثوار المقاتلين على «الالتزام بما قامت عليه ثورة 17 فبراير من أجل الانطلاق إلى آفاق عظيمة رحبة ننشد فيها العدل والمساواة».

وفي المجمع الذي يمتد مئات الأمتار ويتألف من مبان عدة عثر الثوار على كميات من الذخائر والمسدسات والبنادق الرشاشة، وفقا لتقارير واردة من عين المكان. وبعد اجتياح الثوار لمقر القذافي الحصين في باب العزيزية، صدر نداء عاجل من المجلس الوطني الانتقالي لضباط الشرطة والأمن بالبقاء في أماكنهم للحفاظ على الأمن في العاصمة طرابلس. وانطلقت المكبرات في معظم مساجد ليبيا بالتكبير والتهليل شكرا لله على سقوط الطاغية وتحرير العاصمة من قبضته بعد نحو 42 عاما.

ووصلت قوات الثوار إلى معقل القذافي بعد معارك عنيفة ضد الكتائب الأمنية والقوات العسكرية الموالية له، لكنهم في نهاية المطاف وبعد نحو سبع ساعات من القتال ظهروا وهم يتجولون حاملين الأعلام والأسلحة في الشوارع الموجودة داخل المجمع دون أي ظهور لكتائب القذافي أو حصول أدنى مقاومة.

ووطئ الثوار بأحذيتهم تمثالا لرأس القذافي وهم يكبرون ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء، أمام منزل القذافي المسمى بالبيت الصامد حيث اعتاد القذافي أن يلقي خطبه ويعقد اجتماعاته فيه. وكانت قوات الثوار قد شددت هجومها على المجمع الذي يقع في جنوب طرابلس ويضم مقر إقامة القذافي وثكنات عسكرية ومنشآت أخرى.

وأغلقت المتاجر بالعاصمة وتكدست أكوام القمامة بالشوارع وامتلأت الجدران بكتابات مؤيدة للمعارضة ورفرفت أعلامها بألوانها الأحمر والأخضر والأسود من عدة مبان وأخذت مجموعات من الرجال والفتية تردد هتافات مؤيدة للمعارضين. وقال متحدث باسم حلف شمال الأطلسي إن الحلف لا يعلم مكان القذافي وإنه لا يعده هدفا. وتابع الكولونيل رولاند لافوي، في إفادة صحافية من قاعدته في نابولي، ردا على سؤال عما إذا كان الحلف يعلم مكان القذافي «إذا كنتم تعلمون.. أعلموني. ليس لدي أي معلومات، ولست متأكدا حقا إذا كان هذا الأمر يهم، لأن حل هذا الموقف سيكون سياسيا».