قوات القذافي نفذت إعدامات جماعية قبل فراره

جثث الموالين للعقيد متروكة في ساحات القتال

TT

ظهرت أدلة جديدة تشير إلى تنفيذ قوات القذافي المتقهقرة عمليات إعدام بحق عشرات وربما مئات من السجناء السياسيين هذا الأسبوع، على الرغم من قيام مقاتلي الثوار بتنفيذ عمليات انتقامية خاصة بهم. وروى الناجون من الهجمات التي شنها المقاتلون الموالون للقذافي أنهم شاهدوا رفاقهم من المعتقلين يقتلون بنيران قوات القذافي بعد دقائق من إطلاق سراحهم. لكن القوات الموالية للقذافي كانت هي الأخرى هدفا لعلميات قتل دون محاكمات، وهو ما يلقي بظلال كئيبة على مستقبل ليبيا الوليدة، وأثار تساؤلات حول ما إذا كان الثوار سينأون عن نمط القذافي المتعطش للدماء أم أنهم سيكونون مجرد صورة أخرى له. تقول ديانا الطحاوي، الباحثة الليبية التابعة لمنظمة العفو الدولية: «شهدنا في طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية نفس النماذج التي شهدناها في الشرق»، وتحدثت الطحاوي عن عدد من الانتهاكات وعمليات التعذيب والقتل دون محاكمة جرت بحق جنود القذافي الأسرى خلال سيطرة الثوار القادمين من الشرق على البلاد. ففي حطام مبنى مركز الإطفاء في طرابلس وفي المستشفى الميداني يوم الجمعة، رقد خمسة من المقاتلين الموالين للقذافي في حالة إعياء شديد وقد غطتهم الدماء وتركهم الثوار على مدى يومين دون ماء أو طعام أو عناية طبية ليلقوا حتفهم. وعلم مقاتلو الثوار الذين كانوا يقومون بجولة في المجمع بوجود هؤلاء الرجال، لكنهم لم يبدوا أي رغبة في العناية بهم. وقال صالح منصور، خريج كلية الحقوق: «كنا سنأخذهم إلى المستشفى، لكن لا يوجد مستشفى، ولا توجد سيارات لاصطحابهم إلى هناك». وعلى بعد عدة دقائق بالسيارة من مركز الإطفاء، كانت هناك ما لا يقل عن 15 جثة، أغلبها لمرتزقة أفارقة موالين للقذافي تركت لتتعفن في الشمس في مفترق طرق خارج مجمع باب العزيزية. كان العديد من القتلى يرتدون قطعا خضراء من الملابس وقد لفت حول معاصمهم في إشارة إلى الولاء لنظام القذافي. ربما يكون الرجال قد ماتوا خلال معركة الثلاثاء على باب العزيزية، كان العديد منهم يرتدون زيا عسكريا، لكن لم يبد أنهم قتلوا جميعا في أرض المعركة، كان اثنان منهم وجهيهما إلى الأرض وأيديهما موثوقة خلف أظهرهما بأصفاد من البلاستيك. كانت أسوأ معاملة يحظى بها الموالون للقذافي من نصيب الأفراد سود البشرة، سواء أكانوا من جنوب ليبيا أم من الدول الأفريقية الأخرى (المرتزقة). كما لا يحظى الأشخاص ذوو البشرة الداكنة على نفس المستوى من الرعاية الطبية، في مستشفى مدينة الزاوية التي يسيطر عليها المتمردون، التي يحصل عليها الليبيون، بحسب شهادة الطحاوي. من جانبهم، يقول الثوار إن القذافي استعان بالمسلحين من دول جنوب الصحراء الكبرى لدعم جيشه ضد شعبه، وإن هؤلاء المقاتلين أثاروا كراهية الليبيين. لكن العديد من المعتقلين في الزاوية قالوا لمنظمة العفو الدولية إنهم «كانوا مجرد عمال مهاجرين أخذوا على نقطة تفتيش من منازلهم وأماكن عملهم والشوارع نظرا للون بشرتهم». وكان القادة الميدانيون لقوات الثوار قد أعلنوا عن إدانتهم للأعمال الانتقامية التي تمارس بحق القوات الموالية للقذافي، لكن قادة الثوار في بنغازي في الشرق بعيدا عن غالبية القتال الكثيف الذي دار في الغرب خلال الأسابيع الأخيرة. ويبدو أيضا أن القيادة في الشرق لم تنجح في كبح جماح المقاتلين من تنفيذ هجمات انتقامية. ويرى شاشانك جوشي، بمعهد الخدمات الملكي في لندن، أن هذه الهجمات الانتقامية كانت دافعا قويا في إقناع القوات الموالية للقذافي الموجودة في مدينة سرت بالقتال حتى الموت. ومع عرض المجلس الانتقالي للثوار صورة للمصالحة ستكون التأكيدات بحدوث عمليات قتل دون محاكمة كابوسا بالنسبة لهم. لم تكن العمليات الانتقامية مقتصرة على الثوار وفقط، فقد أعدمت القوات الموالية للقذافي أكثر من 100 سجين سياسي في حادثتين منفصلتين قبل أن يلوذوا بالفرار، بحسب روايات الناجين. ويقول التاجر عبد العاطي بن حليم، البالغ 42 عاما، إنه اعتقل في نقطة تفتيش في مدينة الزنتان الساحلية واقتيد إلى الحجز بعدما دق جرس الإنذار في سيارته واتهمه الجنود بأنه كان يبعث بإشارات إلى «الناتو» عبر الأضواء الوميضة. وبعد تقييده وتكميم فمه وضربه، اقتيد إلى السجن مع 200 آخرين محملين في شاحنة في قاعدة اليرموك العسكرية في طرابلس مع ما يكفي من الماء كي يمسح الرجال المسنون شفاههم. وبعد تحول ميزان القوة إلى الثوار، قال الحراس إنهم تركوا الباب مفتوحا. وقال بن حليم «قالوا لنا انتظروا نصف ساعة ثم اخرجوا، لكن السجناء عندما دفعوا الباب للخروج استقبلهم الحراس بالبنادق الآلية». تكومت الجثث على الأرض. لجأ بن حليم إلى الاحتماء وراء بعض الإطارات قبل أن يفر هو ومجموعة من المعتقلين. فر بن حليم وهو مصاب ببعض الجروح في ركبته ومرفقه، ثم وصل أخيرا إلى المستشفى في وسط طرابلس، وقال من على سريره في المستشفى «ما زلت غير مصدق لنجاتي». أشارت الطحاوي إلى أن منظمة العفو لديها شهادات مؤكدة تدعم رواية بن حليم، وقالت إنها التقت ما لا يقل عن 23 شخصا كانوا من بين 150 إلى 160 معتقلا أبطال تلك الحادثة التي وصفها، إلى جانب أربعة آخرين في المستشفى. في مستشفى آخر في طرابلس قال الأطباء إنهم تلقوا 17 جثة لأشخاص يعتقدون أنهم قتلوا من قبل حراسهم داخل باب العزيزية مع تقدم الثوار في حادث مشابه.

* شارك توماس إردبرينك من طرابلس وليلى فاضل في بنغازي في كتابة التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»