القذافي يظهر صوتيا ويهدد بإشعال ليبيا.. ويمهد لاختفائه مطولا

الفريق عبد الحفيظ يبلغ «الشرق الأوسط» تشكيل مجلس عسكري برئاسته في وسط وجنوب ليبيا ويعرض الحوار

خالد الشبلي قائد القوات المناهضة للقذافي يعرض المخطط الدفاعي لقوات العقيد الهارب في قاعدة بركان الجوية التي تعرضت لقصف الناتو (رويترز)
TT

تأكيدا لما انفردت به أمس «الشرق الأوسط»، فقد وجه العقيد الليبي معمر القذافي، الذي تلاحقه قوات الثوار المناهضين له بهدف اعتقاله منذ هروبه من العاصمة الليبية طرابلس، كلمة صوتية جديدة إلى مؤيديه، طالبهم خلالها بالاستمرار في ما وصفه بالمقاومة الشديدة العنيفة.

وقال القذافي في رابع وأحدث تسجيل صوتي له منذ اجتياح الثوار لمعقله الحصين في ثكنة باب العزيزية بطرابلس الأسبوع الماضي، «نحن مسلحون، ونقاتل في كل واد وفي كل شارع وفي كل واحة ومدينة»، مؤكدا أنه لن يستسلم وسيقاتل من جبل إلى جبل ومن واد إلى واد، ودعا أنصاره إلى إشعال ليبيا، وتعهد بأن أنصاره لن يستسلموا، وقال إن من يعادونه منقسمون على أنفسهم.

وتجاهل القذافي في التسجيل الذي لم يكشف المكان الذي يتحدث منه، ذكرى مرور 42 عاما على نجاح الانقلاب العسكري الذي قاده ضد العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي عام 1969، لكنه قال إن الشعب الليبي لديه مخرج واحد هو حرية ليبيا وسيادة شعبها، معتبرا أن سلطة الشعب هي العليا.

وأضاف في التسجيل الذي بثته قناة «الرأي» الفضائية الخاصة التي تبث من العاصمة السورية دمشق «فلتكن معركة طويلة ولتشتعل ليبيا، لن نسلم أنفسنا مرة أخرى، ولسنا نساء، وسنواصل القتال».

وبعدما تساءل: «هل ستذهب تضحياتنا هباء»، قال القذافي: «يا سلام! هذا لن يحدث أبدا وسنقاتل»، مشيرا إلى أن حلف شمال الأطلسي والثوار المناوئين له سعوا لقطع الاتصالات وحرمانه من التحدث لليبيين عبر مختلف وسائل الإعلام لإيصال صوته وتصريحاته.

وتابع «عملاء (الناتو) يعتمدون على إعلام المرتزقة، و(الناتو) وعملاؤه لا يملكون قاعدة شعبية، هناك من يخاف من صوتي من الوصول إلى الليبيين ويعمل على التشويش على الإذاعات».

وبينما بدا أنه بمثابة تمهيد لاحتمال اختفائه مجددا لفترات أطول، خاطب القذافي أتابعه قائلا: «حتى لو لم تسمعوا صوتي استمروا في المقاومة»، مشيرا إلى وجود «خلافات بين حلف العدوان وعملائه»، في إشارة إلى حلف شمال الأطلسي والثوار الليبيين، وأضاف «أصبح الآن هناك توازن، فكل القبائل مسلحة».

ولفت إلى أن «قبائل سرت وبني وليد والنواحي الأربع وورشفانة مسلحة ولا يمكن إخضاعها».

وقال إن وكالات الأخبار والإذاعات تخدع الليبيين وأن هناك من يخشى توصيل ونقل صوته إليهم.

وتابع «لن نسلم أنفسنا ولسنا نساء لكي نفعل ذلك»، وأضاف «ليبيا قلعة مسلحة لن يستطيع أحد السيطرة عليها».

وبدا أن كلمات القذافي تعكس تأييده لتصريحات أدلى بها مساء أول من أمس نجله الثاني سيف الإسلام بشأن استمرار المقاومة ردا على تصريحات شقيقه الساعدي، الذي عرض التفاوض واعترافا بالثوار مقابل اعترافهم بحكومة والده لحقن دماء الليبيين.

وقال قائد عسكري من الثوار «إنه من المعتقد أن القذافي في بلدة بني وليد خارج طرابلس، حيث يقوم بتخطيط المقاومة»، بينما قالت تقارير صحافية جزائرية إنه ببلدة غدامس الحدودية بين الجزائر وليبيا.

ولم تعرف بعد الطريقة التي تمكن بها القذافي من تسجيل كلمته الصوتية وإرسالها إلى الخارج لتبث عبر قنوات سورية موالية له، لكن مصادر عسكرية وأمنية من الثوار والمجلس الانتقالي أبلغت «الشرق الأوسط» أن التسجيل الأخير للقذافي يعني أنه ما زال بحوزته قدرات وأجهزة تقنية وفنية تمكنه من استخدام شبكة الإنترنت لنقل رسائله الصوتية إلى الخارج.

وقال مسؤول عسكري لـ«الشرق الأوسط»: «بالنظر إلى أن القذافي يدرك أن الاتصالات الهاتفية واللاسلكية كلها تخضع لعملية مراقبة بالكامل، سوءا من الوحدة الخاصة بالثوار أو حلف شمال الأطلسي الذي يتعقبه، أستبعد أن يكون القذافي قد استخدام الهاتف للاتصال مباشرة بالقناة التي بثت كلمته الصوتية».

وأضاف «في الغالب، تم التسجيل في مقره المجهول ولاحقا تم إرساله عبر الإنترنت إلى القناة لبثه، نحن نتعقب كل الاتصالات، والقذافي لن يرتكب هذا الخطأ بأن يتصل مباشرة لتعريض نفسه لخطر الاعتقال أو الموت».

لكن الساعدي، نجل القذافي، تحدث هاتفيا قبل يومين فقط إلى إحدى القنوات الفضائية العربية، بينما قال مسؤول ليبي إنه يعتقد أنه تم استخدام برنامج المحادثة الشهير «سكاي بي» عبر الإنترنت لإتمام المكالمة بدلا من الاتصال الهاتفي العادي خشية الملاحقة أيضا.

وجاء أحدث تسجيل للقذافي في وقت اجتمع فيه مسؤولو المجلس الوطني الانتقالي مع زعماء العالم يوم أمس الخميس لوضع خطة لإعادة إعمار البلاد بعد 42 عاما من اليوم الذي قاد فيه القذافي انقلابا استولى بعده على السلطة في البلاد.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الفريق مسعود عبد الحفيظ، أحد كبار القادة العسكريين الموالين للقذافي، بالإضافة إلى ابن عمه سيد قذاف الدم، يقودان عملية تنسيق المواجهة والعمليات العسكرية ضد الثوار للحيلولة دون دخولهم المدينة واقتحامها.

وتلقت «الشرق الأوسط» بيانا من عبد الحفيظ، آمر المنطقة العسكرية الجنوبية، أعلن خلاله تشكيل ما سماه المجلس العسكري الانتقالي لمناطق الوسط والجنوب الليبي. وجاء في البيان «أعلن أنا الفريق مسعود عبد الحفيظ، وبعد مشاورات عديدة مع زملائي في هذه المنطقة ومنطقة الجفرة العسكرية ومنطقة سرت سيطرتنا الكاملة على هذه المناطق، وذلك حرصا منا على مواطنينا وأهلنا وأمن ووحدة ليبيا العزيزة».

وأضاف «أسسنا مجلسا عسكريا انتقاليا، ونعلن وقفا فوريا لإطلاق النار بكافة الوحدات، ونريد أن نعلن للعالم أننا على استعداد للحوار السلمي تحت رعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، وذلك حماية لأرواح المدنيين وتعزيز ثقتهم بأي اتفاق يتم التوصل إليه مع إخوتنا في المنطقة الشرقية والغربية..».

وطالب الفريق عبد الحفيظ المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتدخل لدى مجلس الأمن لإيقاف القصف الجوي المستمر خصوصا علي منطقة سرت، مشيرا إلى أن أعداد الضحايا والجرحى بالمئات، وهناك نقص خطير في العلاج والدواء والغذاء.

وبعدما حذر مما وصفه بكارثة إنسانية إذا ما استمر هذا القصف الذي أصبح يستهدف المدنيين بعد أن دمر القدرات العسكرية، قال «إننا بهذا الإعلان نؤكد أمام التاريخ أننا نقوم بواجبنا تجاه ليبيا الحبيبة التي هي فوق الجميع، ونكرر تأكيدنا لوحدة ليبيا واحترام كافة القوانين والقواعد الدولية..».

في المقابل، قرر المجلس الوطني الانتقالي الليبي منح سكان وأهالي مدينة سرت أسبوعا آخر كمهلة أخيرة لاستسلام آخر معقل مؤيد للقذافي على البحر المتوسط.

وقال محمد الزواوي، الناطق باسم المجلس، إنه تقرر تمديد المهلة التي منحها المجلس لاستسلام قوات القذافي وتنتهي غدا السبت، أسبوعا آخر، معتبرا أن هذا يعني إحراز تقدم في المفاوضات بشأن استسلام المدينة سلميا.

وقال الزواوي إن مقاتلي الثوار لا يستعجلون اقتحام المدينة، مشيرا إلى أن المدينة لا تحظى بأهمية اقتصادية وأن المعارضة لا تريد خسارة أرواح من أجلها. ومضى يقول إن المعارضة يمكنها قطع الإمدادات عن المدينة والانتظار حتى أكثر من أسبوع.

وكان المجلس قد حذر أنصار القذافي في بادئ الأمر من هجوم عسكري شامل يوم السبت إذا لم يستسلموا بعد الاستيلاء على طرابلس الأسبوع الماضي وإنهاء حكم القذافي المستمر منذ 42 عاما. وما زال العقيد الليبي المخلوع هاربا.

وقال الساعدي القذافي إنه على اتصال بالمجلس الوطني الانتقالي للمساعدة في التفاوض على «وقف إراقة الدماء» وإنه يحظى بموافقة والده على ذلك. لكن في مؤشر على الخلافات داخل الدائرة المحيطة بالقذافي، دعا شقيقه سيف الإسلام إلى «حرب استنزاف» وتعهد بالمقاومة الطويلة.

إلى ذلك، اعتقلت قوات من الثوار عبد العاطي العبيدي، وزير الخارجية الليبي، في مزرعته بضاحية جنزور غرب طرابلس، بعد تأكيد العبيدي لـ«الشرق الأوسط» قبل ثلاثة أيام فقط أنه حصل على الأمان من الثوار وأنه يقيم كالمعتاد بمنزله. وهتف مقاتلو الثوار «الله أكبر» وهم يعتقلون العبيدي الذي كان يرتدي الملابس التقليدية الليبية، بينما قال مسؤول من الثوار لـ«الشرق الأوسط» إنه صدرت تعليمات بحسن معاملة العبيدي وعدم إيذائه، في انتظار اتخاذ إجراءات قانونية محددة بحقه على خلفية تعاونه مع نظام القذافي. كما اعتقل الثوار أيضا عبد الله الحجازي وهو أحد المساعدين المقربين من القذافي في طرابلس.

وشهدت الدائرة الضيقة المحيطة بالقذافي انشقاق أو اعتقال أو مقتل عدة شخصيات بارزة منذ بدء الانتفاضة، التي أنهت حكم القذافي الذي استمر 42 عاما.