النائب الكردي البارز محمود عثمان في حديث لـ «الشرق الأوسط»: المالكي غير مقتنع بالدستور ويتنصل منه عند كل فرصة

القيادي في التحالف الكردستاني: عراق اليوم هو عراق الكتل وليس عراق المواطن أو الدستور

محمود عثمان («الشرق الأوسط»)
TT

يصف الدكتور محمود عثمان، السياسي الكردي المستقل وعضو مجلس النواب العراقي عن التحالف الكردستاني، الأوضاع السياسية في العراق وباختصار شديد بأنها «مرتبكة»، بل وكعادته يذهب إلى أعمق من ذلك بتشخيص أسباب هذا الارتباك بصراحته وجرأته وخبرته السياسية التي عرف بها. عثمان الذي يعد من الشخصيات الوطنية العراقية البارزة يعتبر أن تشكيل الحكومة العراقية بهذا الشكل هو أحد أهم أسباب الارتباك السياسي، محملا الإدارة الأميركية والمحكمة الاتحادية وكذلك التحالف الكردستاني مسؤولية ذلك، معبرا عن اعتقاده بأنه كان يجب تكليف القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي بتشكيل الحكومة باعتبارها الفائزة في الانتخابات، ونافيا وجود حكومة شراكة وطنية.

في حوار «الشرق الأوسط» معه خلال وجوده في لندن بمناسبة عطلة عيد الفطر، أكد السياسي الكردي المستقل أن نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية يعمل على التنصل من الدستور ويتخذ القرارات المهمة بفردية، وقال إن العراق اليوم هو عراق الكتل السياسية وليس عراق المواطن والدستور. وفيما يلي نص الحوار:

* هل لكم أن ترسموا لنا صورة عن الأوضاع السياسية الراهنة في العراق؟

- الأوضاع السياسية في العراق مرتبكة، ومن المؤسف أن تكون الأوضاع بهذه الصورة بعد أكثر من 8 سنوات من سقوط النظام السابق. العراق اليوم هو عراق الكتل وليس عراق المواطن ولا عراق المؤسسات ولا عراق الدستور، بل عراق الكتل التي تتحكم بكل شيء، وهي كتل مختلفة فيما بينها وتفضل مصلحتها الخاصة على مصلحة البلد والمصلحة العامة، والخلافات السياسية بين هذه الكتل، التي قسم منها تحول إلى خلافات شخصية، تؤثر على كل شيء، وهي مؤثرة على الدستور والقوانين والوزارة وعلى الأوضاع الأمنية والسياسة الخارجية. عندما سقط صدام حسين، الرئيس العراقي الأسبق، سقطت الدولة كونه (صدام حسين) كان قد بنى الدولة على أساس أن تسقط بسقوطه، وحتى اليوم لم تبن دولة ولم تستمر بقايا الدولة السابقة، وعلى اعتبار اليوم نحن في مرحلة بناء دولة، ولكن هذه الخلافات والصراعات السياسية التي نراها لا تعطي المجال لإنجاز أي شيء في سبيل بناء الدولة أبدا.

* أليس بناء الدولة يقع جزء كبير ومهم منه على عاتق الحكومة؟

- هذه الحكومة سميت حكومة شراكة وطنية لكنها ليست كذلك، هي ليست حكومة شراكة وطنية وليست هناك شراكة بالمعنى الحقيقي، وهذا ما نسمعه بوضوح خلال تصريحات إياد علاوي، الرئيس الأسبق للحكومة العراقية وزعيم القائمة العراقية، ونوري المالكي، رئيس الحكومة وزعيم كتلة دولة القانون. فلا هما يتفقان مع بعضهما، ولا يرجعان إلى المربع الأول وهو أن تكون هناك حكومة أكثرية، والفريق الآخر يكون في المعارضة، لهذا فإن البلد رهن هذا وذاك والضحية الأولى هو المواطن الذي يعاني من نقص الخدمات وسوء الأوضاع الاقتصادية وكذلك الضحية هو البلد والسياسة الخارجية، ولهذا فنحن لا نستطيع مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. لذلك أقول إن الوضع مرتبك، وليس هناك وقت محدد نستطيع أن نقول فيه إن الأمور ستكون على خير، ونحن ما زلنا في مخاض لا يقود لبناء الدولة بسبب الخلافات السياسية والسجالات، ولا نعرف إن كان هناك باب في نهاية الأزمة للخروج منها أم لا. حقيقة ومع الأسف الشديد الوضع في العراق ليس جيدا على الإطلاق.

* إذا أردنا أن نعود إلى أصول المشكلة أو المشاكل في هذه الأوضاع، فهل تعتقد أنها تكمن في طريقة تشكيل الحكومة أم في نتائج الانتخابات أو في بنية الكتل السياسية ذاتها؟

- أساس المشكلة في طريقة تشكيل الحكومة، وفي رأيي فإن تشكيلها بهذا الأسلوب كان خطئا كبيرا، ووقتذاك أنا لم أؤيد هذا التشكيل لأنها لم تكن حكومة شراكة وطنية بل جاءت نتيجة مبادرة مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، فساندته الأمم المتحدة والدول الأوروبية والإدارة الأميركية وتركيا وغالبية من الدول العربية كونهم يعرفون أن بارزاني شخصية مقبولة من قبل الجميع وليس له خلافات سواء طائفية أو قومية مع الآخرين، وفي البداية لم تكن إيران مع المبادرة لأن أي خطوة تؤيدها واشنطن تقف طهران ضدها، وخلال أيام قليلة تسارعوا تنفيذ المبادرة واستعجل الجميع تشكيل الحكومة على الرغم من أنه سبقت هذا التشكيل اجتماعات اللجنة الثلاثية، وبعد اجتماع أربيل لقادة الكتل السياسية صار اجتماع في بغداد وتشكلت الحكومة، وأكثر من استعجل وعمل على تشكيل الحكومة هي الإدارة الأميركية حتى تقول لشعبها إننا شكلنا حكومة شارك الجميع فيها وتعتبره إنجازا كبيرا لها، على الرغم من أن واشنطن كانت تعرف أن هذه الحكومة لن تنجح وهذا غير مهم بالنسبة لهم سواء نجحت الحكومة أم لا فالعراق كله لا يهمهم وكل اهتمامهم ينصب على الشأن الداخلي الأميركي، وأن يظهروا لشعبهم أنهم حققوا إنجازات سياسية كبيرة في الخارج.

* بعد أكثر من 8 سنوات من تغيير النظام في العراق ما زالت الإدارة الأميركية تتحكم بالأوضاع السياسية في العراق بما فيها تشكيل الحكومة؟ ألا تجدون ذلك غريبا؟

- نعم. الأميركيون كان لهم دور كبير جدا في تشكيل الحكومة العراقية، أقنعوا علاوي بأن يتنازل عن رئاسة الوزراء، ورضوا بالمالكي باعتباره أمرا واقعا وخشية أن يأتي رئيس وزراء أكثر قربا من إيران وأقنعوا الأكراد أيضا.

* هل تعتقد أن المالكي قريب من إيران؟

- نعم، لكنه أقل قربا لها من الآخرين، وبشكل عام فإن الإخوة الشيعة (السياسيين) كلهم قريبون من إيران، خاصة أن طهران وواشنطن اتفقتا على المالكي باعتباره أمرا مفروضا وواقعا.

* لكن الحكومة تشكلت حسب مبادرة عراقية خالصة، مبادرة بارزاني واتفاقات أربيل؟

- نعم الحكومة صارت حسب مبادرة أربيل وباعتقادي كانت ناقصة لنقطتين مهمتين، الأولى افتقارها للشفافية إذ لا أحد يعرف ما هي تفاصيل هذه المبادرة، فأنا مثلا سياسي عراقي كردي وعضو في مجلس النواب عن التحالف الكردستاني ومقرب جدا من القيادات الكردية لكنني لا أعرف تفاصيل هذه المبادرة، وما أعرفه عن تفاصيل هذه المبادرة هو ما تعرفه أنت أو الآخرون، كل ما عرفناه من تفاصيل هذه المبادرة هي اتفاقية واحدة قرئت علينا في البرلمان يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 خلال الجلسة الثانية لمجلس النواب وتضمنت 10 أسطر تتحدث عن تشكيل المجلس الوطني للسياسات العليا ورفع قرارات الاجتثاث عن بعض الشخصيات السياسية (في مقدمتهم صالح المطلك)، وهذه هي الاتفاقية الوحيدة الموقعة من قبل بارزاني، وحسب ما سمعته منه شخصيا، كما تحمل تواقيع قادة الكتل السياسية، من ضمنهم علاوي والمالكي وصارت بوساطة أميركية، أما التفاصيل الأخرى لا نعرف عنها أي شيء، هل هناك اتفاقات أخرى، أو هل هناك محاضر جلسات، وهل هي موقعة؟ وموقعة من قبل من؟ لا ندري وقد طالبنا مرارا بنشر تفاصيل مبادرة بارزاني والاتفاقيات المرافقة في الإعلام، أو على الأقل قراءتها في البرلمان، لكن ليست هناك أية نتيجة. لا أنا ولا غيري من أعضاء البرلمان يعرفون شيئا عن نصوص الاتفاقية. أما النقص الثاني في المبادرة فهو قيامها على أساس المبادئ، مثلا فإنهم قرروا تشكيل مجلس السياسات، أو تعديل قانون اجتثاث البعث، وهكذا، اتفاقات بلا تفاصيل وعندما يتحدثون اليوم عن التفاصيل تنفجر الخلافات. أما الأمر المهم في هذا الموضوع فهو أن صاحب المبادرة، بارزاني، لم يعقب أو يتابع تنفيذها بشكل جدي لأني أعتقد بأنه يعرف بأن هذه الشراكة لن تتحقق.

* انطلقت وقتذاك مبادرة عربية من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، باعتقادكم لماذا لم تتم الاستجابة لها؟

- مبادرة الملك عبد الله لم تتعارض مع مبادرة بارزاني، والمبادرة السعودية قالت للأطراف العراقية إذا لم تتفقوا فتعالوا إلى السعودية بعد العيد للاجتماع والوصول إلى اتفاقات، لكن ما حدث هو أن الكتل العراقية اتفقت قبل العيد، والأميركيون ضغطوا ورحبوا بتحقيق مبادرة بارزاني كما أننا (الأكراد) رحبنا بها كونها مبادرة عراقية، وغير هذا هو أن الشيعة (القادة السياسيين الشيعة) ما كانوا ليوافقوا على الذهاب إلى الرياض لاعتقادهم بأن السعودية سوف تدعم السنة، والأهم من كل هذا هو أن إيران لم تكن موافقة على المبادرة السعودية، ولو كانت طهران طرفا في الموضوع أو وافقت عليها كان الأمر قد اختلف.

* إذن تعتقد أن تشكيل الحكومة هو أساس المشكلة، فباعتقادكم كيف كان يجب أن يكون الحل بداية؟

- كان يجب أن يكلف علاوي بتشكيل الحكومة كون قائمته فازت في الانتخابات وهي كانت الكتلة الأكبر، أما تفسيرات المحكمة الاتحادية بشأن الكتلة الأكبر فلم تكن صحيحة، فالعراقية هي التي فازت وهي التي كانت تعتبر الكتلة الأكبر، ولو كان علاوي لم ينجح في تشكيل الحكومة، وفي اعتقادي أنه لم يكن لينجح في ذلك بسبب عدم موافقة إيران عليه وكذلك عدم سماح الشيعة والمرجعية بذلك، فعند ذاك يكلف غيره، ولو كان ذلك قد حدث ما كنا قد دخلنا في كل هذه الدهاليز.

* من يتحمل نتائج هذا الخطأ؟

- أولا عدم وضوح المادة 76 من الدستور العراقي التي تقول إن الكتلة الأكبر في البرلمان هي التي تشكل الحكومة من غير أن يذكر الدستور هل هذا يعني الكتلة الفائزة أو المشكلة بعد الانتخابات، هذا غير موجود، والخطأ الثاني جاء من المحكمة الاتحادية التي فسرت المادة بالشكل الذي أدى إلى هذه الأوضاع والصحيح هو أن المحكمة الاتحادية كان يجب أن تقول إن من حق العراقية تشكيل الحكومة لكن الشيعة خافوا أن ينجح علاوي في تشكيلها، وحتى اليوم تقول العراقية إن تشكيل الحكومة كان من حقها ونحن قلنا وقتذاك بأنه يجب أن تكلف العراقية بتشكيل الحكومة. كان من الأفضل تشكيل حكومة أكثرية في ظل وجود معارضة إذ ليس هناك في العالم حياة برلمانية بلا معارضة. إذن بالأساس تشكيل الحكومة بني على خطأ ونحن نعاني اليوم من نتائج هذا الخطأ.

* ما مدى المسؤولية التي تتحملونها كتحالف كردستاني في هذا الخطأ؟

- نحن نتحمل المسؤولية لعدة أسباب، أولا لأن المبادرة التي تشكلت بموجبها الحكومة هي مبادرتنا، ثانيا ومثلما ذكرت أن المبادرة جاءت غير واضحة وبلا شفافية أو تفاصيل، وثالثا أننا اندفعنا بتأييد حكومة الشراكة على الرغم من أننا كنا نعرف بأنها لن تنجح إذ كان واضحا ومنذ البداية أن هذه الحكومة لن تنجح لأن علاوي قال نحن الذين فزنا في الانتخابات ويجب أن يكون لنا دور في اتخاذ القرارات والحكم وهذا لن ينجح لأنه يعني وجود حكومتين والأكراد كان لهم دور في عملية تشكيل هذه الحكومة بينما كان المفروض أن نؤيد تشكيل حكومة الأغلبية ووجود معارضة.

* وكيف تنظر إلى دور الإدارة الأميركية في تشكيل هذه الحكومة؟

- الإدارة الأميركية كان لها دور سيئ وسلبي كونهم أصروا كثيرا على هذه الشراكة وتعاملوا مع الأمر وكأن عندهم باص أجبروا الجميع على الصعود إليه وهم يعرفون بأن هذا لن ينجح، وتحدثوا مع علاوي بشكل يختلف عما تحدثوا به مع المالكي ومع الأكراد، وتعاملوا مع الجميع كمنافقين.

* ألم يأخذ السياسيون العراقيون الدروس من تجاربهم مع الإدارة الأميركية ويتعظوا بها لا سيما أنهم مروا بتجارب كثيرة معهم؟

- لا.. لم يتعظوا.. إنهم لم يتعظوا لا من أميركا ولا من إيران ولا من تركيا، لأن السياسيين العراقيين لا يجلسون مع بعضهم ويتحدثون فيما بينهم ويوحدون آراءهم إزاء الأحداث وإزاء الآخرين، لهذا نجد أن هناك كتلة مع إيران وأخرى مع تركيا وثالثة مع أميركا ولهذا ليس هناك رأي عراقي وطني موحد وبقوا يمشون وراء هذا وذاك بينما هم أهل البلد وقادته، علما بأن الأميركيين هم من دعموا اتفاقية أربيل وكانوا وراء تحقيقها من دون أن يضعوا توقيعهم عليها ولم يلتزموا بأي شيء بدليل أنهم ومع كل المشاكل التي يعاني منها الوضع العراقي فهم لا يتدخلون مع أنهم برأيي السبب الرئيسي في ارتباك الأوضاع.

* يدور الحديث بين النخب السياسية والشارع العراقي عن تكوين ديكتاتورية جديدة في العراق، وأن هناك تفردا في اتخاذ القرارات، خاصة الأمنية منها، ما رأيكم أنتم؟

- في رأيي فإن هناك انفرادا بالسلطة وباتخاذ القرارات وخاصة في الناحية الأمنية، وهذا هو السبب الرئيسي في المشاكل بين كتلتي العراقية ودولة القانون، فالعراقية تعترض على أن القرار الأمني بيد المالكي، وهو من يقرر كل شيء ولا يشاركهم بقراراته، بينما تعترف جماعة المالكي بهذا الأمر، ويقولون نعم نحن لا نشرك العراقية في قراراتنا الأمنية، كوننا لا نثق بهم، فهم يمدون قدما معنا في السلطة ويسحبون أخرى نحو المعارضة، ولا ندري هل هم معنا أم ضدنا، حتى الأكراد يشكون اليوم من تفرد المالكي بالسلطة، وهم أيضا غير موافقين على نسبة الأكراد بالجيش وعلى أوضاع الأكراد في المناطق المتنازع عليها. نعم هناك تفرد بالسلطة وما يزيد لأوضاع سوءا هو غياب الوزارات الأمنية، إذ إن الحكومة غير مكتملة حتى الآن، خاصة في موضوع الوزارات الأمنية، فالمالكي يقولها وبصراحة بأنه القائد العام للقوات المسلحة، ويجب أن يكون وزير الدفاع المعين منسجما معه، وسيبقى المالكي وزيرا للدفاع وكالة حتى يأتي الوزير الذي يقبل هو به لا أن يفرض عليه من قبل العراقية. وعندما نناقش موضوع الفردية في إصدار القرارات فإن جماعة المالكي يقولون إن صلاحيات رئيس الوزراء حسب الدستور واسعة، وهذا ما تعترض عليه الكتلة العراقية ونحن الأكراد، إذ يجب أن تكون هناك مشاركة في القرار الذي يهم البلد والشعب العراقي.

* وهل تجدون المالكي محقا في هذا الموضوع؟

- لا طبعا، كان المفروض أنه عندما تشكلت الوزارة وصوت عليها البرلمان أن يتم تعيين الوزراء الأمنيين بعد أسبوع أو 10 أيام حسبما أعلن المالكي بنفسه أمامنا في مجلس النواب، وها هو الشهر العاشر يمر على هذا الوعد وتشكيل الحكومة وليس هناك وزراء أمنيون، وهو (المالكي) غير محق في ذلك، إذ يجب أن يكون هناك وزراء أمنيون. فيما يتعلق بوزارة الدفاع فإن العراقية تقول نحن متفقون على أن يكون وزير الدفاع من كتلتنا، بينما جماعة المالكي يقولون إن الاتفاق يقول يجب أن يكون من المكون السني العربي وليس من العراقية، طيب أين هو الاتفاق وما هو نصه؟ ها نحن نعود إلى لغز اتفاقية أربيل، هذا اللغز الذي لا ينحل، هل مكتوب في اتفاقية أربيل أن وزير الدفاع يجب أن يكون من العراقية أو من المكون السني العربي؟ لا نعرف هذا السر، الاتفاقية تحولت إلى أسرار وألغاز.

* إذن فكرة أو ما يسمى بحكومة الشراكة الوطنية غير حقيقية؟

- بالتأكيد غير حقيقية وجماعة المالكي يقولون بأنه ليست هناك شراكة، وفي الحديث الأخير لرئيس الوزراء إقرار واضح بعدم وجود لمفهوم الشراكة، فهو قال «نحن زرعنا ألغاما بالدستور العراقي باسم الحقوق»، ومفردة «الحقوق» مقصود بها الأكراد والتركمان، ونحن كأكراد لا نؤيد مثل هذا الكلام، فنحن نؤيد الدستور وما جاء به وملتزمون بالوحدة العراقية على أساس هذا الدستور، وإذا لم يطبق الدستور من قبل الآخرين فنحن لا نلتزم به، ثم إن علينا أن نعرف ما هي هذه الألغام التي تحدث عنها رئيس الوزراء، وتحدث عن أن «هناك من يمسك بالحاسبة ويتحدث عما له»، ونفهم من هذا كله بأنه (المالكي) غير مؤمن لا بالشراكة ولا بغيرها، إذن لماذا لا يعلنها؟ المفروض به أن يأتي إلى البرلمان ويقول أنا لا أؤمن بالشراكة وأن الدستور فيه ألغام وهذه اعتراضاتي، فهو باعتباره رئيسا للوزراء من الخطأ أن يشتكي للإعلام أو أن يتحدث بهذه الأمور أمام الإعلام وإنما المفروض به أن يأتي إلى البرلمان ويطرح برنامج عمل حكومته ويقول بأنه غير مؤمن بالشراكة ونناقش برنامج عمله ويطلب بمنحه الثقة، منح برنامج عمل حكومته الثقة، وأن نصوت على ما يعتقده هو أن هذا البرنامج فاعل وأنه يستطيع العمل من خلاله عند ذاك يناقش أعضاء مجلس النواب البرنامج فإذا منحوه الثقة فعلى المالكي أن يعمل وفق البرنامج الذي وضعه هو، أما إذا لم يحصل على ثقة البرلمان فعند ذاك لا يبقى رئيسا للوزراء، وهو لا يريد الذهاب إلى هذا الاختيار كونه يخشى من مفاجآت البرلمان فربما يحصل على الثقة أو لا، وعلينا أن نتذكر حادثة التصويت على مفوضية الانتخابات التي حصلت على ثقة البرلمان على الرغم من أن كتلة المالكي هي من طلبت سحب الثقة عنها.

* هل تعتقدون أن المالكي بحديثه عن الألغام في الدستور يريد التنصل من الالتزام به؟

- المالكي يريد تعديل الدستور خاصة في موضوع الأقاليم وصلاحياتها، وهو تحدث عبر الإعلام، أيضا، ضد الفيدرالية وقال «ما تصير» وأنه إذا صارت الفيدراليات فإن «الدم سيصل إلى الركب» وهذا يعني أنه في قرارة نفسه غير مؤمن بموضوع الفيدرالية على الرغم من وجودها بالدستور، وغير راض عن الدستور وأنه يريد إجراء تعديلات عليه وأن تأتي هذه التعديلات لصالحه بالتأكيد. هو له اعتراضات على أمور كثيرة، منها مجلس السياسات الذي قال عنه بأنه غير ضروري وغير دستوري، وبالنسبة للوزارات الأمنية قال بأن العراق ليس بحاجة لها، لأن الأوضاع الأمنية جيدة وبعد يوم حدثت سلسلة تفجيرات كبيرة في أنحاء العراق، والمشكلة أنه كلما ظهر تصريح من مسؤول حكومي أو أمني عن الاستقرار الأمني تحصل بعده تفجيرات كبيرة. إن على رئيس الوزراء أن يحضر إلى البرلمان ويقول هذا ما أريد فعله وهذا ما لا أريده فإذا تم تأييده فله أن يعمل ما يخطط له، وإذا لم يحصل على التأييد فالمفروض أن لا يبقى في منصبه، وهذه هي أصول العمل في ظل الحياة البرلمانية، لكننا في العراق نفتقر للحياة البرلمانية، وكلهم يطرحون قضاياهم ومشاريعهم وخلافاتهم عن طريق الإعلام، وتحولنا إلى دولة إعلامية.

* تحدثت عن الحياة البرلمانية، هناك من البرلمانيين من يقول إن رؤساء الكتل هم من يتحكمون بقرارات مجلس النواب وليس الأعضاء.

- هذا صحيح جدا، البرلمان يديره رؤساء الكتل وهذا سبب الكثير من العراقيل للعمل البرلماني، لنأخذ مثلا عمل اللجان البرلمانية، حتى الآن لم تتوصل أية لجنة تحقيقية برلمانية إلى نتائج أو قرارات تخص سوء الأوضاع الأمنية أو قضايا الفساد وغيرها، فأي موضوع يصل إلى البرلمان، مثلا عن الأوضاع الأمنية، يتم إحالته مباشرة إلى لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، أو المواضيع التي تخص السياسة الخارجية فإنها تحال إلى لجنة العلاقات الخارجية وكأنه ممنوع على أعضاء المجلس بحث مثل هذه القضايا. طلبنا داخل البرلمان بحث موضوع الكويت أو التدخلات الإيرانية أو القصف التركي في إقليم كردستان العراق، لكنهم لم يبحثوا أيا من هذه الملفات. البرلمان غائب عن الأحداث، هذه الأمور الأمنية والسياسة الخارجية تبحث خارج البرلمان من قبل رؤساء الكتل فهم من يتحرك، يجتمعون مع رئيس الجمهورية أو في أربيل والبرلمان غائب وهذا أمر خطير.

* بمناسبة حديثكم عن السياسة الخارجية للعراق، كيف تنظرون إلى موضوع سوريا وممارسات النظام السوري مع الشعب وتأييد رئيس الحكومة العراقية له؟

- علينا نحن كعراقيين أن نؤيد الشعب السوري، لكن المالكي يؤيد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه وهذا خطأ، خطأ كبير، أي تأييد لنظام ديكتاتوري يعني أننا نخدع أنفسنا لأننا كنا ضحية نظام ديكتاتوري فكيف نؤيد اليوم نظاما مشابها له من حيث الممارسات الديكتاتورية؟ ويضاف إلى ذلك أنه نظام بعثي، يجب تأييد الشعب السوري من أجل المجيء بنظام ديمقراطي. أنا شخصيا لا أؤيد مجيء نظام سلفي، لكن علينا أن نترك للشعب حق وحرية اختيار النظم الذي يأتي به، وباعتقادي أن جزءا من تأييد رئيس الحكومة العراقية للنظام السوري هو بتأثير من إيران وقسم آخر لأسباب لا أعرفها، لكن كل هذا غير صحيح، وقد طرحنا ذلك في البرلمان لكن ممنوع علينا أن نناقش في مجلس النواب أي موضوع يتعلق بالسياسة الخارجية أو الأمن.

* وماذا عن موضوع القصف التركي والإيراني للأراضي العراقية في إقليم كردستان وتهجير سكان القرى الكردية؟

- حسب مسؤولين أتراك فإن هذا القصف يأتي بموجب اتفاقية تركية عراقية أميركية وأنا اعتقد أن كلامهم صادق لأن الدول الثلاث، تركيا والعراق وأميركا تعتقد أن حزب العمال الكردستاني التركي وكذلك حزب الحياة الإيراني (بيجاك) إرهابيون، ثم إن هذه التصريحات لم يكذبها أحد، بينما يقول وزير الخارجية الإيراني بأن عندهم تفاهما أو اتفاقا شفهيا مع حكومة المالكي حول ذلك، والحكومة العراقية لم تكذب ذلك، بينما جاءت تصريحات وزير خارجية العراق هوشيار زيباري عامة، وحكومة الإقليم لا تؤيد هذا القصف لأن فيه ضررا لقرى وأراضي إقليم كردستان، لكن بغداد تقول إننا عندما عقدنا هذه الاتفاقية فإن حكومة الإقليم كانت ضمنا معنا، ومؤخرا كان هناك تصريح لرئيس الإقليم بارزاني قال فيه «إننا نريد أن تكون هذه الحرب بعيدة عن أراضينا»، وهو كلام متوازن ويأتي متماشيا مع بيان الإقليم الذي يدعو إلى الحوار والسلام، لكني أفهم من كل هذا الكلام أن قيادة إقليم كردستان تريد لحزبي العمال الكردستاني وبيجاك ترك الأراضي العراقية حتى لا يتسبب وجودهم في جبال قنديل بقصف إيراني وتركي لأراضي الإقليم. إذن الموقف هو سكوت بغداد عن هذا القصف للأسباب التي ذكرتها، ورضا أميركي، بل إن أميركا تعطي معلومات استخبارية لتركيا عن تحركات مقاتلي الحزبين (العمال الكردستاني وبيجاك) وتركيا تمرر هذه المعلومات لإيران بعلم واشنطن وهي مشاركة بالجريمة وسط سكوت المجتمع الدولي بينما الكردي المسكين يضرب هنا وهناك.

* هل تعتقدون أن دور التحالف الكردستاني في بغداد لا يزال قويا ومؤثرا مثلما كان في الدورة البرلمانية السابقة، خاصة أن غالبية الاتفاقات التي أبرمت بين التحالف الكردستاني والمالكي لم تنفذ حتى اليوم؟

- نعم دور الأكراد في بغداد اليوم ضعيف ومستمر بالضعف، وهناك أسباب كثيرة، من أهمها هو أن الأكراد لا يتابعون قضاياهم في بغداد، مثلا اتفاقية أربيل، وهناك ورقة تقدمنا بها قبل تشكيل الحكومة تتضمن 19 نقطة وفاوضنا حولها مع بقية الكتل السياسية ووافق المالكي عليها ووقعها كرئيس لكتلة دولة القانون وليس كرئيس للوزراء، وعندما جاء إلى البرلمان للتصويت عليها كرئيس للوزراء وقرأ البرنامج المختصر لحكومته لم يذكر فيه أي شيء عن الأكراد أو المادة 140 ولم يأت على ذكر الـ19 نقطة وعندما سألناه عن السبب قال: نسينا أن نذكر ذلك وأضافها بالقلم كهامش في الورقة التي قرأها أمام أعضاء مجلس النواب، وعندما ناقشنا البرنامج التفصيلي للحكومة أيضا لم يتم ذكر أي شيء عن المادة 140 ولا عن الورقة التي كان قد وافق عليها، وهذا يعني أنه لم يكن قد نسي هذه النقاط عندما أهملها في برنامجه المختصر، وهذا له علاقة بما طرحه مؤخرا عن أن الدستور فيه ألغام باسم الحقوق، وهو في قرارة نفسه غير مقتنع بالدستور، وكلما أتيح له المجال ابتعد عن الالتزام بتعهداته. الجانب الآخر من الموضوع هو أننا كأكراد غير متابعين لأمورنا مع الحكومة الاتحادية ببغداد، فنحن عندنا إقليم ولنا أعضاء في مجلس النواب وهناك قيادي كردي هو نائب لرئيس الوزراء، روز نوري شاويس، ورئيس أركان الجيش كردي وهناك ممثل للإقليم في الحكومة الاتحادية، ومع ذلك فنحن ككتلة التحالف الكردستاني لم نستطع تحقيق اجتماع واحد مع كل هؤلاء للتخطيط ومتابعة أمورنا ببغداد، كما أن رئيس الإقليم لم يقم ومنذ أشهر طويلة بزيارة العاصمة العراقية، لهذا نحن مقصرون في تعقب أمورنا ومتابعتها، غير هذا هو أن أميركا التي يعتقد الأكراد أنها معهم وتحميهم وتدعم مطالبهم غالبا ما تنسحب إذا ما احتجنا إليها، بل إنه كلما حدث موقف مواجهة بيننا وبين الآخرين تكون أميركا مع الآخرين ضدنا، وهذا هو الوهم الكردي الذي حذرنا منه دائما، والأمثلة كثيرة، منها موافقتها غلى القصف التركي والإيراني لمناطق كردستان، وعدم تحمسها لتنفيذ المادة 140، والممارسات الأمنية للقوات الحكومية في المناطق المتنازع عليها، حتى الأمم المتحدة التي كانت مهتمة بأوضاع الأكراد تخلت تقريبا عن ذلك، وهذا أدى إلى تعرض الأكراد خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل خانقين وحتى في المدن الكبيرة مثل بغداد، لمشاكل أدت إلى هجرة الكثير منهم إلى إقليم كردستان وهذا سيؤدي إلى قلة نسبتهم في هذه المناطق، وأتذكر أن ملا مصطفى بارزاني، قائد الثورة الكردية، كان يشدد على الاهتمام بالأكراد البعيدين عن مناطق كردستان وليس على القريبين أو الذين يقيمون بالإقليم.