«ويكيليكس» يعيد تسليط الضوء على مجزرة سجن صيدنايا عام 2008

سجل حافل بمجازر جماعية طالت مدنا وبلدات سوريا في الثمانينات

.. وأخرى في ريف دمشق (شام نيوز)
TT

يظهر شريط فيديو، نشرته شبكة «شام» المعارضة مؤخرا على صفحتها على «فيس بوك»، جثثا مدماة وأشلاء بشرية متناثرة هنا وهناك وإلى جانبها نسخة مفتوحة من القرآن الكريم، مرمية فرق بركة من الدم. وفي نهاية الشريط، يظهر رجل رجح ناشطون أنه ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يعتبره الناشطون السوريون العقل المدبر لجميع عمليات القمع التي تحصل حاليا في سوريا ضد المحتجين السلميين، وهو يستخدم جهازه الجوال في تصوير بقايا الجثث المتروكة بين الركام الملطخ بالدم.

ووفق ما أشار إليه ناشطون، يعود تاريخ هذا الفيديو إلى عام 2008، تاريخ ارتكاب أجهزة الأمن السوري، مدعومة بدبابات من الجيش، مجزرة مروعة شهدها سجن صيدنايا، في إحدى ضواحي العاصمة دمشق.

وتعود هذه المجزرة، التي تعد من أكثر المجازر دموية في السجل الأسود للنظام السوري، إلى الواجهة اليوم بعد أن قام موقع «ويكيليكس» مطلع الأسبوع الحالي بنشر وثائق تؤكد ارتكاب قوات الأمن السورية مجزرة عنيفة في السجن الصحراوي، على خلفية تنفيذ السجناء فيه إضرابا احتجاجيا على عدم الإفراج عنهم. ووفق ما أورده موقع «ويكيليكس»، فإن النظام السوري سعى إلى تجنيد هؤلاء السجناء الإسلاميين لاستخدامهم في العراق كمنفذين لعمليات تفجيرية ضد الأميركيين بين عامي 2003 و2006، ووعدهم بأن يقوم بالإفراج عنهم بعد عودتهم من «الجهاد ضد الكفار».

لم يعلم السوريون ماذا حصل بدقة ليلة 2008/7/5 داخل زنازين هذا السجن المرعب، الذي طالما لفه الغموض شأنه شأن باقي السجون السياسية في سوريا الأسد. بقي الأمر أسير الإشاعات التي جرى تداولها بين الناس، فيما سارعت السلطات حينها إلى إصدار بيان رسمي وصفت فيه ما حدث في السجن بأنه «أعمال إثارة فوضى وإخلال بالنظام العام، قام بها عدد من المساجين المحكومين بجرائم التطرف والإرهاب، مما استدعى تدخل قوى حفظ النظام»، من دون أن يتطرق البيان إلى أي تفاصيل أخرى عن عدد الضحايا والمصابين من المعتقلين الذين قضوا برصاص قوات الأمن.

إلا أن ناشطين في منظمات حقوقية أكدوا أن ما حصل في ذلك الوقت كان مجزرة حقيقية نفذتها أجهزة الأمن السورية بحق المعتقلين الإسلاميين، الذين جرى استفزازهم وشتم معتقداتهم الدينية من قبل حراس السجن، مما أثار غضبا عارما بين صفوفهم أدى إلى حصول صدامات وفوضى قام على أثرها السجناء بأخذ بعض الحراس كرهائن للحفاظ على حياتهم، فما كان من النظام السوري إلا أن حسم أمره واقتحم السجن بأسلوب وحشي أدى إلى تصفية العشرات واختفاء ما يقارب المائة سجين.

لم يستطع أهالي السجناء، الذين تم قتلهم وإخفاؤهم قسرا، معرفة مصير أبنائهم في ذلك الوقت حتى تم إلغاء محكمة أمن الدولة في سوريا منذ مدة ليست ببعيدة، فأحيلت ملفات هؤلاء السجناء إلى القضاء الجنائي، ليعرف الأهل أي مصير بائس ناله أبناؤهم على يد الأمن السوري.

ووفق ما نقلته اللجنة السورية لحقوق الإنسان عن سجين تمكنت من الاتصال به آنذاك، فإن «عناصر الشرطة العسكرية داخل السجن أقدموا على تبديل أقفال جميع مهاجع السجن بأقفال أكبر يصعب كسرها أو فتحها. وفي صباح اليوم الباكر (2008/7/5) وصلت قوة تعزيز إضافية من الشرطة العسكرية تقدر بـ300 أو 400 شرطي بدأوا حملة تفتيش بطريقة استفزازية مهينة تخللتها مشادات كلامية مع المعتقلين السياسيين، ثم بدأوا في تصعيد الاستفزازات وقاموا بوضع نسخ المصحف الشريف الموجودة بحوزة المعتقلين السياسيين الإسلاميين على الأرض والدوس عليها أكثر من مرة، مما أثار احتجاج المعتقلين الإسلاميين الذين تدافعوا نحو الشرطة لاسترداد نسخ المصحف الشريف منهم». ويتابع «عندها، فتح عناصر الشرطة العسكرية النار، وقتلوا تسعة منهم على الفور وهم زكريا عفاش، محمد محاريش، محمود أبو راشد، عبد الباقي خطاب، أحمد شلق، خالد بلال، مؤيد العلي، مهند العمر، وخضر علوش».

وأدى ذلك على حد رواية السجين إلى أن «عمت الفوضى السجن، لا سيما أن المعتقلين تلقوا تهديدات بمجزرة على غرار مجزرة تدمر خلال الأسابيع الماضية، فبدأوا بخلع الأبواب على أقفالها، وخرجوا للتصدي للشرطة العسكرية التي فتحت عليهم النار مجددا، مما أوصل عدد القتلى إلى نحو 25 قتيلا..». وأكد الشاهد أن «عدد المعتقلين الغاضبين كان أكثر بكثير من عدد الشرطة العسكرية، لذلك استطاعوا توقيفهم واتخذوهم رهائن مع مدير السجن وأربعة ضباط آخرين وخمسة برتبة مساعد أول، واستسلم جميع من بداخل السجن بعد أسر مدير السجن والضباط، لكن بقية كتيبة الشرطة العسكرية المرابطة حول السجن مع التعزيزات التي وصلتهم فورا قاموا بإطلاق القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية داخل السجن، فهرب المعتقلون إلى سطح السجن، وبقوا هناك حتى الساعة الثالثة بتوقيت دمشق».

وتابع الشاهد في وصف ما حصل بالإشارة إلى أنه «بدأت عملية تفاوض بين المعتقلين وقوات الأمن، فانتدب المعتقلون السجين سمير البحر (60 سنة) لنقل الرسائل المتبادلة بينهم وبين الأمن، وكان مطلب المعتقلين الوحيد هو الحصول على وعد قاطع بعدم قتلهم في حال استسلامهم، وقدموا على ذلك دليلا بحسن النية أنهم لم يستخدموا السلاح الذي وقع بأيديهم، وأنهم مسالمون، وأنهم احتجوا فقط على الإهانات والإساءات التي يتعرضون لها». وأضاف أن «السلطات رفضت من جهتها منحهم أي وعد بعدم قتلهم أو إيذائهم وطالبتهم بالاستسلام فورا وإطلاق الرهائن، ثم التحدث بعدها في باقي القضايا، وهددت باقتحام السجن في حال استمر الرفض، ودخوله بالقوة ولو أوقع ذلك ألف قتيل. وبعد أن أبلغهم البحر رفض المعتقلين، قاموا بضربه وأخذوه في سيارة مصفحة بعيدا عن السجن». وبقيت الأمور عالقة عند هذه النقطة بعد أن فقد الاتصال بالمصدر من داخل سجن صيدنايا كما تشير منظمة حقوق الإنسان السورية في بيان أصدرته بهذا الصدد.

يستعيد السوريون اليوم وقائع هذه المجزرة المروعة عبر معلومات جديدة يقدمها موقع «ويكيليكس»، في وقت تحولت فيه شوارع المدن والقرى السورية إلى مسارح لتنفيذ أعمال دموية لا تقل وحشية عن تلك التي حصلت في سجن صيدنايا ضد محتجين سلميين ينادون بإسقاط النظام الحاكم ومحاكمة رموزه. ويذكر أن النظام السوري ارتكب الكثير من المجازر بحق الشعب السوري أثناء صراعه مع تنظيم الإخوان المسلمين بداية الثمانينات، وكانت أبرزها مجزرة جسر الشغور، حيث قامت الوحدات الخاصة التي يرأسها العميد علي حيدر بتطويق مدينة جسر الشغور وقصفها بمدافع الهاون، ثم اجتاحتها في 10 مارس (آذار) 1980، وأخرجت من دورها 97 مواطنا تمت تصفيتهم.

وشهد سجن تدمر في 1980/6/27 مجزرة قيل إن رفعت الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، أمر عناصره من سرايا الدفاع بتنفيذها، مكلفا صهره الرائد معين ناصيف باقتحام سجن تدمر وقتل من فيه من المعتقلين، فتمت تصفية أكثر من ألف ومائة معتقل في زنزاناتهم.

وفي 13 يوليو (تموز) 1980، هاجمت عشرون سيارة عسكرية سوق الأحد في مدينة شعبية في مدينة حلب، وهي مزدحمة بالناس الفقراء من عمال وفلاحين ونساء وأطفال أثناء شرائهم حاجاتهم. وبدأ عناصر الأمن في إطلاق النار عشوائيا على الناس، فسقط منهم 192 قتيلا.

وطوقت الوحدات الخاصة في الأمن السوري قرية سرمدا، الشهيرة بعواميدها الأثرية، في 25 يوليو 1980، وجمعت ثلاثين من أهلها في ساحة القرية، ورمت بالرصاص خمسة عشر منهم، فيما ربطت شبانا آخرين بالسيارات والدبابات، وسحلتهم على مرأى من عيون الناس.

وفي صبيحة عيد الفطر في 11 أغسطس (آب) 1980، أمر المقدم هاشم معلا رجاله بتطويق حي المشارقة الشعبي في حلب، وإخراج الرجال من بيوتهم، وإطلاق النار عليهم، مرديا 86 مواطنا، معظمهم من الأطفال.

وفي أبريل (نيسان) 1980، تعرضت مدينة النواعير في حماه لأول مجزرة جماعية بعد محاصرتها من كل الجهات. وفتشت وحدات الأمن المدينة بيتا بيتا، وتم قتل عدد من أعيان المدينة وشخصياتها، فضلا عن اعتقال المئات. وفي نهاية الشهر عينه، طوقت الدبابات وعناصر الوحدات الخاصة مدعومة بمجموعات كبيرة من سرايا الدفاع المدينة، وقاموا بتعذيب أهلها، مما أدى إلى مقتل 335 شخصا ألقيت جثثهم في الشوارع والساحات العامة، ولم يسمح بدفنهم إلا بعد أيام عدة.