مصر في انتظار «إعلان دستوري جديد» يتضمن مبادئ غير ملزمة

وسط مخاوف من تأثيره على موعد إجراء الانتخابات البرلمانية المرتقبة

TT

في وقت تسود فيه حالة من انعدام الثقة بين الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية في مصر، تتآكل المدة الزمنية التي خولها المجلس العسكري الحاكم لنفسه بموجب إعلان دستوري صدر في نهاية مارس (آذار) الماضي، من أجل بدء إجراءات تسليم إدارة شؤون البلاد لسلطة مدنية منتخبة. وبينما لا يزال من غير المعروف إن كانت فترة الثلاثة أسابيع المقبلة، التي تنتهي خلالها الستة أشهر التي حددها الإعلان الدستوري كموعد للانتخابات البرلمانية، كافية لإصدار القوانين اللازمة وطرحها للنقاش العام أو لا، قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن البلاد تنتظر إصدار إعلان دستوري جديد لا يحدد موعدا للانتخابات البرلمانية والرئاسية. وهو ما قد يثير جدلا حول إن كان هذا الإعلان يكمل الإعلان السابق أو لا.

ويقول مراقبون إن البلاد مقبلة على سيناريوهين؛ أولهما أن يُقدم المجلس على فتح باب الترشح لانتخابات البرلمان في غضون الأيام المقبلة، دون تحديد موعد محدد لانتخابات الرئاسة، وهو ما من شأنه تكريس حالة الانقسام بين القوى الإسلامية من جهة، والقوى الليبرالية واليسارية من جهة أخرى. فيما يحمل السيناريو الثاني ملامح وصفت بـ«الأكثر خطورة»، وإن جاءت نتائجه أكثر جذرية، ويعتمد هذا السيناريو على إصدار إعلان دستوري جديد يحمل بين طياته المبادئ الحاكمة للدستور التي اقترحها الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء، وهو ما قد يخول للمجلس العسكري مد أمد المرحلة الانتقالية.

من جانبه، قال الدكتور أيمن نور المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة لـ«الشرق الأوسط» إن «مسألة تأجيل الانتخابات واردة، وربما ضرورية.. نحن أمام وضع ملتبس وشديد الدقة يجعل الحديث عن تأجيل الانتخابات أمرا جديا وله ما يبرره أمنيا بل وحتى أخلاقيا، فإن تم إجراء الانتخابات بينما لا توجد استعدادات أمنية كافية، قد نكون أمام حالة من العنف تنتهي بتأجيل لمدى أوسع بكثير.. الأفضل أن يتم إرجاء الانتخابات لفترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر».

وكشف نور الذي جاء تاليا للرئيس السابق حسني مبارك في الانتخابات التي أجريت عام 2005 وشكك في نزاهتها، عن أنه «تم بالفعل عرض مشروع إعلان دستوري جديد يحمل مبادئ دستورية حاكمة إنما غير ملزمة.. لكن مع الأسف لم يحدد هذا الإعلان الجديد موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية».

وأكد ياسر حسان عضو الهيئة العليا بحزب الوفد (الليبرالي)، صحة هذه الأنباء، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «انتهى الدكتور السلمي من وضع الإعلان الدستوري، وهو في انتظار تصديق المجلس العسكري، ومن المفترض أن يصدر قبل نهاية الشهر الحالي»، مشيرا إلى أن الإعلان لا يحدد موعدا للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، مبررا ذلك بقوله «لا ينبغي وضع مواعيد الانتخابات في الإعلانات الدستورية.. هذه تتحدد بقرار من السلطة التنفيذية».

ويلتزم المجلس العسكري بموجب نص المادة 41 من الإعلان الدستوري المعمول به الآن بأن «تبدأ إجراءات انتخاب مجلسي الشعب والشورى (البرلمان) خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا الإعلان (صدر في 30 مارس الماضي)». ويرى خبراء أنه من أجل تجاوز العقبة الدستورية في حال قرر المجلس تأجيل الانتخابات أن يصدر إعلان دستوري جديد قبل نهاية الشهر الحالي.

وقال مصدر باللجنة المعنية بإصدار مشروع الإعلان الدستوري الجديد، التي تعمل تحت إشراف الدكتور علي السلمي إن «هناك محاولة لإفشال إصدار الإعلان، وإن هذه المحاولات من قوى صاحبة المصلحة في إجراء الانتخابات دون ضمانات». وأكد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن صدور إعلان دستوري جديد لا يعني انتهاء العمل بالإعلان السابق.. «هذا الإعلان يكمل الإعلان السابق».

وحول الإصرار على إصداره قبل انتهاء المدة القانونية التي حددها الإعلان السابق، قال المصدر «إن هذا يعود لتجنب المرحلة التي يجري فيها التحضير للانتخابات البرلمانية، وهي السلطة التشريعية التي يجب أن لا يتدخل الإعلان الدستوري في عملها». وأعربت جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيما في البلاد، صراحة وللمرة الأولى، عن قلقها المتنامي تجاه ما اعتبرته مؤشرات على «عدم الالتزام بخارطة الطريق المعلنة». ويرى حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين»، أنه يجب عدم إصدار إعلان دستوري جديد. وقال الدكتور عصام العريان النائب الأول للحزب لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا حاجة لمثل هذا الإعلان.. المشكلة أن الدكتور السلمي (نائب رئيس الوزراء) يستعين بلجنة استشارية بها أعضاء من المحسوبين على الهانم (سوزان مبارك قرينة الرئيس المصري السابق) وهم من المجموعة المناهضة لنتائج الاستفتاء».

ويعتقد العريان أنه لن يصدر إعلان دستوري جديد، مبررا اعتقاده بقوله «لدى المجلس العسكري ترمومتر شديد الحساسية.. وهو يدرك أن الالتفاف على الإرادة الشعبية من شأنه أن يفجر غضبا شعبيا عارما. والمجلس لن يهز شرعيته لكي يرضي مجموعة ضيقة لا تعبر عن قوى حقيقية في الشارع المصري»، وتابع: «لو أراد المجلس طمأنة القوى السياسية التي لديها تخوفات غير مبررة فهناك طرق أخرى لتحقيق ذلك».

على أرضية مختلفة، يشكك الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع (اليساري) في إمكان إصدار إعلان دستوري جديد، لكنه في المقابل يرى ضرورة تأجيل الانتخابات، من أجل ضبط جملة القوانين التي تنظم العملية الانتخابية، بداية من قانون الانتخابات البرلمانية وحتى قانون تقسيم الدوائر وهما القانونان اللذان نالا انتقادات حادة من كل القوى السياسية في البلاد، بالإضافة لإصدار قانون واضح يجرم الرشى الانتخابية واستخدام شعارات دينية.

وقال السعيد لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يتم إطلاعنا على مشروع لإعلان دستوري جديد، من المستبعد أن يرشح شيئا عن المجلس العسكري.. وإن كان على المجلس أن يتشاور في هذا الشأن مع من يملك الخبرة ويقع عليه عبء إدارة العملية الانتخابية».