معتقلون يكشفون عن أشكال التعذيب داخل السجون السورية

ناشطون في حماه يتوعدون بالخروج في مظاهرات أكبر بعد انسحاب الجيش والأمن

TT

كشف معتقلون سوريون أطلق سراحهم عن تعرضهم لتعذيب منهجي على أيدي القوات السورية الذين أجبروهم على التوقيع على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب، بحسب ما ذكرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أمس. وقالت الصحيفة في تقرير من مراسل لها أوفد إلى سوريا، إن المقابلات التي أجرتها في مدينة دوما بريف دمشق، كشفت عن «مستوى مخيف» من العنف يتعرض له السوريون.

وروى مدير مصنع في الأربعينات من العمر، للصحيفة البريطانية، كيف لجأ رجال الأمن في السجن حيث كان يقبع، إلى استعمال أدوات من القرون الوسطى لتعذيب المتهمين. وقال: «وضع سجين معي في الزنزانة على لوح خشبي يطوى في النصف، وأجبر على الاستلقاء على بطنه، وبدأ الحراس بطي اللوح الخشبي إلى الأعلى، ومن ثم طووا طرفي اللوح معا بسلسلة. ثم ضربوه على أسفل قدميه بسلك».

وقصّ متظاهر آخر كيف تعرض للضرب في غرفة الاستجواب، وقال الرجل وهو أستاذ جامعي في متوسط العمر: «كان الحراس يضربونني في كل أنحاء جسدي. طلبت إليهم أن ينتبهوا لأنني أجريت عملية ديسك في ظهري، فبدأوا يضربونني هناك..». وقال ناشطون آخرون للصحيفة إن معظم المعتقلين أودعوا السجن الانفرادي، وتعرضوا لأبشع أنواع الضرب لانتزاع اعترافات منهم، وإذا ما سمعهم الحراس يصلون.

وقالت الصحيفة إن كل المعتقلين الذين تحدثوا إليهم احتجزوا في دمشق بعد أن تم اعتقالهم ثم إطلاق سراحهم خلال الشهر الماضي. وأشارت إلى أن بعضهم اعتقل لأسبوعين أو ثلاثة، وواحد بقي مسجونا لمدة 50 يوما. وقالت إن طالبا شابا ألقي القبض عليه من قبل عناصر أمنية في دوما، بعد أن أوقفته وهو على دراجته النارية، روى الحالة المذرية للسجون من الداخل. وقال: «وضعت في غرفة مساحتها نحو 6 أمتار طولا و6 أمتار عرضا. وفي وقت معين، كان هناك نحو 50 شخصا فيها. لقد اضطررت إلى النوم في الحمام لأنه لم يتبق مساحة في الغرفة الرئيسية». وأضاف: «لم يكن هناك أي فرش، بل فقط بطانيات قذرة تعشعش فيها الصراصير. لقد كنت هناك لمدة 25 يوما».

وفي تقرير منفصل لـ«الإندبندنت» من حماه، قال سكان من المدينة إن الوجود الأمني الكثيف يمنعهم من الخروج للتظاهر. وكان نحو نصف مليون حموي قد خرجوا في مظاهرات أيام الجمعة قبل بدء شهر رمضان، إلا أن النظام نفذ حملة عسكرية شرسة لقمع الاحتجاجات في اليوم الذي سبق بدء رمضان وقتل أكثر من 100 شخص خلال أيام قليلة. وروى رجل في منتصف العمر، أن معظم سكان حماه خائفون جدا من الخروج إلى الشوارع، وقال: «لا يمكننا أن نتظاهر، هناك عدد كبير من رجال الأمن. المدارس ستبدأ خلال أيام ولكن الناس لن تذهب من شدة الخوف».

وأشارت الصحيفة إلى أنه بحسب ناشطين، فإن معظم المدارس قد تحولت إلى سجون بدائية أو أنها تستعمل لاستضافة العصابات الموالية للنظام أو الشبيحة. وذكر التقرير أن بعض مناطق حماه تشبه مدينة في وقت الاحتلال العسكري في أيام الحرب، مشيرة إلى أن مقر حزب البعث في المدينة يحرسه جنود خلف أكياس رملية. وأضاف التقرير أنه في ساحة العاصي في وسط المدينة، حيث تجمع مئات الآلاف من المتظاهرين في يوليو (تموز)، هناك عدد أكبر من الجنود والأكياس الرملية.

وقال أحد المعارضين لنظام الأسد: «لقد كنت في السادسة عشرة من العمر عندما وقعت مجزرة حماه. ذهبت حينها إلى رحلة لحمص وعندما حاولت العودة في الباص لم يدعونا ندخل. من كان موجودا في محطة الباص، قال لنا الثلوج تساقطت وإن الطرقات مجمدة. التاريخ يعيد نفسه اليوم. في عام 1982 الرئيس استعمل شقيقه لتوجيه الضربة العسكرية لحماه، الأمر نفسه صحيح اليوم. وتتهم جماعات حقوقية الفرقة الرابعة في الجيش السوري التي يرأسها ماهر الأسد والمعروفة بوحشيتها، بأنها تنفذ العملية الأمنية في حماه».

وقال التقرير إن تلك الحملة يبدو لغاية الآن أنها نجحت في مهمتها، لأن المظاهرات عندما تحصل في المدينة، تحصل بشكل متفرق ولا يشارك فيها أكثر من بضع مئات. وأشارت إلى أن غياب الاتصالات بين الناشطين لا يساعد على تنظيم الجهود، ونقلت عن متظاهرين قولهم إن عملية التنسيق تتم عبر الهاتف، «أحدهم يتصل بصديقه والأخير يتصل بآخر وهكذا..». إلا أن التقرير يضيف أنه من المستبعد أن تبقى المظاهرات صامتة في حماه لفترة طويلة، وتقول إنه بحسب الكثير، «فإن الأمر الوحيد الذي يمنعهم من الخروج هو الانتشار الأمني والعسكري الهائل، وهذا لن يستمر إلى الأبد، وعدما ينتهي يقول الكثير من الناشطين إن حركة المظاهرات ستعود إلى الحياة». ونقلت عن أحد الناشطين: «المظاهرات ستخرج أكبر من قبل. لن نتراجع. قد نبقى في مكاننا ولكننا لن نتراجع».