مصادر في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»: 4 تحديات لبسط الأمن والاستقرار في كامل البلاد

نائب وزير الإعلام الليبي خالد نجم: عملية رأس لانوف «غبية» ونتوقع تنفيذ «عمليات انتحارية» أخرى

فتاة ترسم شارة النصر بينما تصافح أحد الثوار الليبيين بعد فرارها من بني وليد المحاصرة (رويترز)
TT

تواجه الحكومة الليبية المؤقتة التي تدير البلاد بعد إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي أربعة تحديات عاجلة لبسط الاستقرار والأمن في عموم الدولة، التي ظلت تحت حكم القذافي طيلة 42 عاما. والتحديات هذه هي: الانتهاء من تحرير مدن بني وليد وسرت وسبها من بقايا كتائب العقيد الليبي، ومواجهة العلميات التخريبية المتوقع القيام بها من أنصار القذافي، والتي بدأ أولها أمس في منطقة رأس لانوف. أما التحدي الثالث فهو قدرة الحكام الجدد على بسط النفوذ على الحدود والمعابر بين ليبيا وجيرانها. وأخيرا القدرة على الإمساك بالقذافي وتقديمه للمحاكمة.

وتأتي هذه التحديات في وقت يعتزم فيه المجلس الانتقالي الإعلان عن حكومة جديدة، بدلا من المجلس التنفيذي الحالي (الحكومة المؤقتة) لإدارة ليبيا، لتشمل مزيدا من التيارات والقوى وممثلي المناطق، قبل نهاية الأسبوع المقبل، مع تقديمه خلال اليومين الماضيين تطمينات للمجتمع الدولي، بقدرته على استئناف إنتاج النفط الذي تضرر بشكل كبير منذ بداية الثورة الليبية في 17 فبراير (شباط) الماضي.

وتحدث خالد نجم، نائب وزير الإعلام في الحكومة الليبية المؤقتة، لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي أجرته معه في طرابلس، عن هذه التحديات، فقال إن التغلب عليها مسألة وقت، وإن بعضها كان متوقعا مثل محاولة «الهجوم الانتحاري» على المنطقة النفطية في رأس لانوف. وتوقع أن يكمل الثوار سيطرتهم على جميع العناصر التابعة للقذافي في مدينة بني وليد (التي تشهد اشتباكات عنيفة بين الطرفين)، خلال يوم أو اثنين.

وبعد ثلاثة أسابيع من اقتحام الثوار العاصمة طرابلس، تقول مصادر من جبهة المواجهة بين الثوار وكتائب القذافي في بني وليد، الواقعة على بعد نحو 150 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من العاصمة الليبية، إن القوات الموالية للعقيد الليبي تبدي مقاومة كبيرة، وتتخذ من السكان دروعا بشرية للحيلولة دون دخول الثوار إلى المدينة.

ونقلت وكالة «رويترز» عن سكان فارين من بني وليد قولهم إن معارك عنيفة تجري في شوارع البلدة، وإن طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحلق في سماء المدينة. لكن نائب وزير الإعلام الليبي في الحكومة الليبية المؤقتة قال مساء أمس لـ«الشرق الأوسط» إن الثوار ما زالوا يحاصرون بعض الجيوب الموجودة في المدينة، ويتم التعامل معها استعدادا لتمشيطها بالكامل. وعن الوقت الذي سيعلن فيه عن تحرير المدينة بالكامل من أنصار القذافي قال نجم: «خلال يوم أو يومين».

وعن الوضع في سرت، التي ما زالت تحت سيطرة أنصار القذافي، وعما إذا كان معقدا هناك كما تفيد مصادر الثوار على الجبهة، أجاب نجم بقوله إن الوضع في سرت أصعب من وضع بني وليد.

وبالتوازي مع القتال الدائر في بني وليد، تفيد مصادر الثوار من مشارف سرت (نحو 450 كلم شرق طرابلس)، وتعد مسقط رأس القذافي، بأن المقاتلين يتقدمون نحو المدينة على الرغم من تعرضهم لإطلاق صواريخ غراد من كتائب القذافي، وتوقعهم مواجهة مقاومة شديدة منها.

وأقر نائب وزير الإعلام الليبي بهذه المشكلة في حديثه أمس لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «الوضع في سرت أصعب من الوضع في بني وليد، لأن عددا كبيرا من الموالين لكتائب القذافي لا يزال فيها، لكن الثوار يحاصرونها من الجهتين الشرقية والغربية، وإن شاء الله يتم التعامل قريبا معها والدخول إليها».

وبالنسبة لمدينة سبها (نحو 750 كلم جنوب طرابلس)، وتعد من المدن التي لا تزال موالية للقذافي، تفيد معلومات تلقتها «الشرق الأوسط» من ثوار في قلب المدينة بأنهم يسيطرون عليها من الداخل، وأن الكتائب ما زالت تحاصر المدينة من الخارج، وأن معارك طاحنة تشتعل بين حين وآخر في أطراف المدينة.

ويوجد في سبها أكبر الجاليات الأفريقية التي جرى توطينها ومنحها الجنسية الليبية منذ أكثر من عقدين من الزمان على يد نظام القذافي، وهو أمر يثير منذ سنوات حساسية بين الليبيين الأصليين هناك والأفارقة المجنسين الذين ترجع أصول أغلبهم إلى دولة تشاد.

وعن الوضع في سبها أفاد نائب الوزير الليبي أنه إلى الآن ما زال الثوار داخل سبها يتعاملون مع الكتائب الأمنية التابعة للقذافي هناك، وأن السيطرة على المدينة مسألة وقت.

وعن التحدي الثاني أمام الحكام الجدد في ليبيا، أي مواجهة العمليات التخريبية المتوقع أن يقوم بها أنصار القذافي، كان منها عملية أمس في رأس لانوف، توقع خالد نجم أن يقوم النظام القديم بتنفيذ عمليات انتحارية مماثلة، قائلا: «بالتأكيد سوف يسعى القذافي لخلق نوع من الفوضى والبلبلة.. هذا الشيء الوحيد الذي يملكه توا، خصوصا أنه ما زال له أزلام وأتباع. وقد تكون هناك بعض العمليات التقليدية والهدف منها خلق الفوضى وعدم الاستقرار».

وحول الهجوم على مصفاة في رأس لانوف أمس قال نجم إنها «عملية غبية جدا»، رغم أن حميدة الغانم من قيادات ثوار بنغازي، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف قائلا إن نحو 10 سيارات لكتائب القذافي قادمة من جهة سرت هاجمت المدخل الرئيسي للمصفاة النفطية الخاصة بـ«شركة راس لانوف لتصنيع النفط والغاز»، التي كان يجري الإعداد لتشغيلها بكامل طاقتها، ما أدى إلى مقتل 15 من حراس المصفاة والعاملين فيها وإصابة أربعة على الأقل.

وبينما أضاف الغانم أن قوات من الثوار بدأت عقب العملية في تمشيط المنطقة بحثا عن أي جماعات أخرى موالية للقذافي، قلل نائب وزير الإعلام الليبي من حجم الحادث، وأوضح أن من نفذه مجموعة تتكون من 4 أو 5 سيارات، وأنهم «حاولوا (تنفيذ) علمية انتحارية وتم التعامل معهم. هذه محاولة من جانب القذافي وأتباعه لكي يقولوا إنهم موجودون»، وأضاف أن العملية التي تم تنفذيها أمس «غبية جدا، وهي عملية انتحارية، لأنه كيف توجه أربع أو خمس سيارات في وسط كتائب (للثوار)؟».

ويمكن لعمليات من هذا القبيل ضد منشآت حكومية ونفطية أن تسهم في عدم الاستقرار، وتعرقل ضخ النفط الليبي للخارج، وتترك تأثيرها بالتالي على موارد مالية هائلة يحتاج إليها الحكام الجدد للبلاد. وتقول المصادر إن رفض محمود جبريل، رئيس الوزراء الليبي في الحكومة المؤقتة، الإعلان عن المكان الذي يتم منه ضخ النفط من مواقع إنتاج جديدة يأتي في سياق المخاوف من تعرضها للتخريب من بقايا قوات القذافي. ومع ذلك صرحت «شركة الخليج العربي للنفط» في ليبيا أمس بأنها استأنفت الإنتاج بالفعل من حقل السرير في مناطق الشرق.

وردا على سؤال عما إذا كانت ثمة علاقة بين استهداف المقر النفطي في رأس لانوف والحديث عن إعادة ضخ النفط للخارج، قال نجم: «بالتأكيد تنفيذ عملية أمس رسالة من القذافي بأنه ما زال مصدر تهديد، وأنه ما زال قادرا على إثارة البلبلة وإعاقة الإنتاج في بعض الحقول النفطية. وهو بهذا يريد أن يقول إنه موجود، وإنه يهدد عملية تصدير النفط للغرب، وإنه قادر على إثارة عدم الاستقرار في مثل هذه المناطق (النفطية). ويريد أيضا أن يوجه رسالة للغرب بإعادة حساباتهم بشكل دقيق في ما يتعلق بالوضع الجديد في ليبيا».

ومن التحديات التي تواجه الحكام الجدد في ليبيا مسألة تأمين الحدود، التي أثارتها دول الجوار الليبي وعدد من الدول الغربية التي تخشى من تهريب سلاح تم نهبه من مخازن الجيش الليبي أثناء أحداث الثورة، ووصوله إلى جماعات إرهابية بالمنطقة. ويقول المجلس الانتقالي والحكومة المؤقتة إنه يسعى منذ أسابيع لمراقبة الحدود وتنظيم عملية الانتقال إلى داخل ليبيا وخارجها من المنافذ الرسمية.

لكن خالد نجم يقول إن المساحة الشاسعة لليبيا تجعل هذا الأمر صعبا في الوقت الحالي.. «ليبيا بالكامل تعتبر قارة كبيرة تمتد حدودها بشكل كبير، ومسألة السيطرة على هذه الحدود لا تزال صعبة المنال.. السيطرة على كل المعابر مسألة لوجيستية».

وساعدت الحدود الطويلة وغير المراقبة جيدا في هروب أعضاء في أسرة القذافي إلى الجزائر على الحدود الغربية لليبيا، وإلى النيجر على الحدود الجنوبية، التي يتوقع الثوار هروب القذافي منها إلى النيجر أو تشاد، إذا ما ضاق الخناق عليه في مخبئه الذي يعتقد أنه في مكان ما قرب المدن التي لم تتحرر بعد (بني وليد أو سرت أو سبها).

وتعد محاولات الإمساك بالقذافي وتقديمه للمحاكمة داخل ليبيا أو خارجها من التحديات التي تواجه الدولة الليبية الجديدة، وبالتوازي مع العمليات القتالية حول المدن غير المحررة، توجد فرق خاصة لتحديد مخبأ القذافي داخل ليبيا والقبض عليه. وكشف خالد نجم عن أن الثوار يحاولون السيطرة بشكل كامل على الحدود الجنوبية، وعلى كل المعابر هناك.. «لكنّ هناك طرقا للتسلل والعبور يعرفها كل الليبيين، وهذه يتم الآن محاولة السيطرة عليها في أقرب وقت ممكن لمنع هروب القذافي».