وثيقة لبنانية سورية مشتركة بعنوان «من أجل المستقبل اللبناني ـ السوري» يوقعها مثقفون وأكاديميون وإعلاميون

حداد لـ«الشرق الأوسط»: نحاكي في عام 2011 إعلان بيروت دمشق ـ ودمشق بيروت... وتوق شعبينا للحرية والكرامة قاسم مشترك

TT

أصدر عدد من الشخصيات والمثقفين والناشطين والأكاديميين والإعلاميين اللبنانيين والسوريين أمس وثيقة حملت عنوان «من أجل المستقبل اللبناني - السوري»، بدت أشبه «بمحاكاة لـ(إعلان بيروت دمشق - دمشق بيروت)»، الذي وقعته نخبة من اللبنانيين والسوريين عامي 2005 و2006.

وترسم الوثيقة ملامح المستقبل المأمول للبنان وسوريا، على ضوء مجريات الثورة السورية وطموحاتها، على ما جاء فيها. ويؤكد الدكتور أنطوان حداد، أمين سر حركة التجدد الديمقراطي التي يرأسها النائب السابق نسيب لحود، وهو أحد الموقعين على الوثيقة بصفته الأكاديمية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «سوريا تمر اليوم بتحول تاريخي له انعكاس كبير ليس على سوريا فحسب بل على لبنان أيضا، نظرا للعلاقات التاريخية والجغرافية والتداخل التاريخي القائم بين البلدين».

ويصف الوثيقة بأنها «محاكاة في عام 2011 لإعلان بيروت دمشق – دمشق بيروت، حين كان لبنان يمر بمرحلة تحول كبير ويحاول استعادة حريته بعد انتهاء نظام الوصاية الذي حكم لبنان طيلة عقود»، موضحا أن «الموقعين آنذاك هم مجموعة واسعة من عدة أطياف سياسية من لبنان وسوريا، أصدروا إعلانا تاريخيا واكب التحول اللبناني وكلف البعض حريته في سوريا». ويعتبر حداد أن الوثيقة الصادرة أمس هي بمثابة «محاولة لرد الجميل لهؤلاء المفكرين والناشطين والمثقفين الذين صاغوا معنا إعلان بيروت - دمشق»، مشددا على أن «القاسم المشترك هو توق الشعبين اللبناني والسوري للحرية والكرامة والديمقراطية، وهو ما تعكسه روحية الوثيقة».

وكان الصحافي اللبناني حازم الأمين هو أول من بدأ العمل من أجل صياغة مسودة الوثيقة، وعاونه فيها مجموعة كبيرة من الموقعين عليها من لبنان وسوريا، وهم بدورهم ينتمون إلى أطياف سياسية وفكرية متعددة.

وأشارت الوثيقة إلى أن «تعقيدات» العلاقات القائمة بين لبنان وسوريا «تستدعي تجديد الجهود، لا سيما أننا حيال زمن انتقال ترسم الانتفاضة بعض علاماته المبكرة، والموضوع، في النهاية، أبعد من تضامن بين الشعبين السوري واللبناني، كما أنه لا يتوخى، بطبيعة الحال، الانتصار لوجهة نظر لبنانية على وجهة أخرى». ولفتت إلى أن «الأمر يتصل، لبنانيّا، بالرؤية البعيدة والعميقة التي تطرحها الثورة السورية على اللبنانيين الراغبين في امتلاك مستقبل أفضل وأكثر حرية، كما أنّه يتصل، سوريًّا، بنظرة سوريا إلى نفسها وإلى مستقبلها، حيث يكفي التذكير بأن البلدين إنما حكمهما نظام واحد طوال ثلاثة عقود: في سوريا، كان هذا النظام مباشرا، وفي لبنان كان مداورا يتم عن طريق تلزيم النظام الطائفي وتثمير عوائده السامة».

وتطرح الوثيقة الموقعة من أكثر من مائة شخصية لبنانية وسورية «عناوين عامة لعلاقات إيجابية وسليمة بين بلدينا»، فتنظر إلى «الثورة السورية باعتبارها ثورة وطنية، متمركزة بقدر كبير حول الكيان السوري، وحول الداخل الاجتماعي والسياسي السوري، بعد طول إهمال وطول تسخير لضمان شروط استقرار النظام الحاكم الداخلية والخارجية». وهذا لا يحتم، وفق الوثيقة، أن «تنعزل سوريا عن محيط عربي ومشرقي يمتنع الانعزال عنه، ولكن للقول إن طورا جديدا في الوطنية السورية قد يهل في وقت قريب. وستكون له آثاره في لبنان وعليه».

ويرى الموقعون أنه «بقدر ما نكون إلى جانب الكفاح التحرري للسوريين نكون إلى جانب لبنان المستقل والموحد»، مؤكدين أن «سوريا المستقبل، التي تنم عنها انتفاضة الشعب السوري، لا ترى لبنان بوصفه (جزءا ممسوخا) أو (خاصرة رخوة)، ولا (ورقة) تستخدم في الصراعات الإقليمية والدولية، ولا موضع (وصاية) أو (استتباع)، كما أن لبنان المستقبل، الذي نطمح إليه، لا ينظر إلى سوريا باستعلاء أو عنصرية، ولا بأي شكل من أشكال العدائية والخوف».

ويتمسك الموقعون بالتأكيد على أن «الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان وإقامة العلاقات الدبلوماسية معه، قد تم (انتزاعهما) رغما عن إرادة النظام البعثي، لكننا نرى أن تكريس هذا الاعتراف سيأتي نابعا من قناعة تامة عند الشعب السوري. ومن أجل تبديد أي وهم أو سوء فهم، فإن الميزة المشتركة للدولتين ستكون ترسيم الحدود نهائيا وبإرادة مشتركة، بهدف إزالة اللبس عنها».

وتتابع الوثيقة «إننا نرى أن قيام الدولة الوطنية، التي يحكمها نظام ديمقراطي، ويسود فيها القانون، وتصان فيها الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان، هو طموح سوري لبناني مشترك»، لافتة إلى أن «السؤال الذي يطرح نفسه في سوريا هو كيف يتم التخلص من الاستبداد دون الوقوع في الطائفية؟.. بينما هو في لبنان كيف يتم التخلص من الطائفية دون السقوط في الاستبداد؟.. وفي الحالين كيف تبنى دولة ديمقراطية متطورة؟». ولا تغفل الوثيقة عن الحريات الإعلامية، فتشير إلى أنه «بالطبع يصعب أن نتصور ديمقراطية من دون حريات تعبيرية وإعلامية نحرص على تعزيزها ونمائها في البلدين، بعيدا عن أي ترهيب أو ابتزاز».

وفي الشأن الفلسطيني، يرى الموقعون على الوثيقة أن «في سوريا الديمقراطية ولبنان الحرية السند الطبيعي لطموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ولقضايا الحق والعدالة في كل مكان من العالم»، موضحين أن «البلدين يتضامنان في تأييد مطلب كل منهما في استعادة أراضيه المحتلة بالطريقة التي يرتئيها شعباهما».

وبينما تعتبر الوثيقة «كل ممارسة عنصرية يتعرض لها عامل سوري في لبنان جريمة بحق لبنان واللبنانيين قبل أن تكون جريمة بحق سوريا والسوريين، وهي إنما تستدعي الشجب والمساءلة القانونية بقدر ما تحض على ضرورة صياغة القوانين العصرية الناظمة لهذا النوع من العلاقة انتقالا وعملا وضمانات»، تشدد كذلك على أن «العلاقات الثنائية لن تستعيد حرارتها التي نريدها من دون تحرير من تبقى من مساجين لبنانيين في السجون السورية».

وتنتقد الوثيقة «مواقف لبنانية بالغة الضرر والإساءة ظهرت مؤخرا وقامت على تجاهل الانتفاضة السورية كما لو أنها حدث عارض أو بعيد، وقد ارتقى بعض أصحاب تلك المواقف، حين سلموا نازحين سوريين إلى أجهزة النظام السوري، إلى سوية الجريمة الموصوفة والتحدي الصريح للقوانين والأعراف والحقوق الإنسانية». كما حملت على ما اعتبرته «أصواتا لا أخلاقية أيّدت، على نحو أو آخر، النظام السوري، إما بحجّة وقوفه في خط (الممانعة) و(المقاومة)، أو بحجة الخوف على الأقليات»، مذكرة بأن مسألة الأقليات ومستقبلها في المشرق أكبر من الخفة التي يتسم التعاطي بها عند بعض وجهاء فريقي النزاع اللبناني».