الأمن السوري يهاجم مجلس عزاء الناشط مطر بعد مغادرة 4 سفراء حضروا لتقديم العزاء

السفير الأميركي: ليس بوسعي الاختباء خلف الأبواب المغلقة

السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد
TT

هاجمت قوات الأمن السورية الليلة قبل الماضية مجلس عزاء الناشط غياث مطر في بلدة داريا بريف دمشق، بعد مغادرة أربعة سفراء أجانب كانوا قد قدموا إلى المجلس لتقديم العزاء، بحسب ما أكده نشطاء أمس. وأوضح النشطاء أن قوات الأمن قامت بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المعزين. والسفراء الأربعة هم سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والدنمارك واليابان.

ولقي مطر (26 عاما) حتفه بسبب التعذيب خلال اعتقاله، بعد أن ألقي القبض عليه في الخامس من سبتمبر (أيلول).

وقال السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد لـ«رويترز» في مقابلة أمس عبر الهاتف «السفير رمز بارز جدا للمصالح الأميركية وأنا رمز بارز جدا للشعب الأميركي، لذا فليس بوسعي الاختباء خلف الأبواب المغلقة». وأضاف: «لدي عمل أقوم به ومن المهم أن يراني كل من الشعب السوري والشعب الأميركي وأنا أقوم بهذا العمل».

وذكرت الوكالة في تقرير لها أن السفراء الأميركيين هم في العادة الأكثر حرفية، يزنون كل كلمة في حوارات دقيقة هدفها تحقيق المصالح الأميركية بأقل قدر من الضجة، لكن السفير الأميركي لدى سوريا جنح إلى زاوية غير دبلوماسية، مستهينا بالقيود التي تفرضها الحكومة السورية على التنقل وتودده لشخصيات معارضة بارزة وشجبه على موقع «فيس بوك» الاجتماعي للحملة الأمنية الوحشية التي يشنها الرئيس السوري بشار الأسد على المحتجين غير المسلحين.

ووصل فورد، وهو واحد من أبرز المستعربين في وزارة الخارجية الأميركية، إلى دمشق في يناير (كانون الثاني) بجدول أعمال غير معتاد. وكان من المتوقع منه بوصفه أول سفير أميركي في سوريا منذ خمس سنوات، أن ينفذ سياسة تقارب ودي تدريجي على أمل إبعاد حكومة الأسد عن تحالفها مع إيران وحزب الله اللبناني والجماعات الإسلامية الأخرى، وتمهيد الطريق أمام التعاون في قطع خطوات سلام جديدة مع إسرائيل.

وكان ذلك جزءا من سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه الخصوم التقليديين مثل إيران لكنها لقيت انتقادات عنيفة داخل الكونغرس حيث يسري الشك في نيات دمشق ودعمها لحزب الله الخصم المرير لإسرائيل. وأرسلت إدارة أوباما فورد إلى دمشق العام الماضي كخطوة مؤقتة إلى حين إقرار الكونغرس على تعيينه. ومضى السفير ذو النبرة الهادئة في إعادة تشكيل مهمته بشكل جذري ليصبح واحدا من أشد منتقدي الأسد قسوة داخل دمشق.

ويبدو أن هذا النهج قد دعم موقفه أمام مجلس الشيوخ حيث صوتت لجنة العلاقات الخارجية في المجلس أول من أمس، لصالح تأكيد تعيينه كسفير للولايات المتحدة لدى سوريا. وما زال فورد في انتظار إقرار المجلس بكامل هيئته لمهمته في دمشق.

وقال أندرو تابلر الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى «هذا ليس التعامل الدبلوماسي المعتاد. إنه في الواقع يقلبه رأسا على عقب ويخلط الأمور على الأرض في سوريا».

وأتى فورد بأول خطوة علنية له في يوليو (تموز) الماضي، عندما سافر من دمشق إلى مدينة حماه المضطربة ليعلن دعمه للمحتجين بعد نحو 14 أسبوعا من موجة المظاهرات الدامية المعارضة للأسد التي تجتاح البلاد.

وفي حماه التي شهدت في عام 1982 مذبحة عقب تمرد إسلامي مسلح وظلت رمزا على قسوة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي رحب السكان بفورد حاملين الزهور وأغصان الزيتون حيث زار محتجين مصابين وتحدث إلى سكان محليين.

وأثارت هذه الزيارة غضب الحكومة السورية التي اتهمت فورد بالتحريض على الاضطرابات. وبعد ثلاثة أيام وبعد أن نشر فورد تدوينة على موقع «فيس بوك» حكى فيها رحلته إلى حماه هاجم موالون للأسد السفارة الأميركية في دمشق.

وشددت إدارة أوباما من موقفها في أغسطس (آب) عندما دعت الأسد إلى التنحي وفرضت عقوبات استهدفت قطاع النفط وهو أحد موارد التمويل المهمة للحكومة السورية.

وقام فورد بزيارة أخرى إلى مدينة سورية مضطربة الشهر الماضي متجاهلا الإجراءات الحكومية التي تلزمه بالإعلان عنها مسبقا.

وعمل فورد الدبلوماسي الأميركي المخضرم سفيرا لبلاده لدى الجزائر بين عامي 2006 و2008 كما خدم في كل من البحرين ومصر والعراق. ولا يتورع فورد الذي يتحدث العربية بطلاقة عن استخدام لغة صارمة في عرض الموقف الأميركي.

ورفض فورد على صفحة السفارة الأميركية على «فيس بوك» المزاعم بأن واشنطن تدعم «الإرهابيين» وأعلن أن حكومة الأسد غير قادرة على إحداث إصلاح حقيقي، ورد على تعليقات من سوريين قال إنها أساءت تصوير الموقف الأميركي. وقال على «فيس بوك» إن «مجتبي إكس آر يحذرني من أنني سأواجه القتل إذا واصلت انتقادي للقمع في سوريا.. أتخذ هذه التدوينة لتكون مثالا ممتازا على التعصب الذي أثار هذا السخط في سوريا». ووصف مسؤولون أميركيون نشاط فورد على «فيس بوك» بأنه محاولة لإضفاء وجه إنساني على معارضة الولايات المتحدة للقمع. وقال مسؤول أميركي رفيع إن «فكرة العلاقة الشخصية في الثقافة العربية حتى ولو كانت على (فيس بوك) تهم أكثر».

ومع وجود تلميحات عن إمكانية سحب فورد من سوريا يرفض مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية تنحيته ويقولون إنه ما زال على اتصال بمسؤولين سوريين كبار على الرغم من أنهم يعترفون سرا بأن العلاقات بين البلدين قد تضررت.

وفرضت إدارة أوباما الشهر الماضي عقوبات على وزير الخارجية السوري وليد المعلم.

ويقول محللون دبلوماسيون إن دبلوماسية فورد ربما تؤدي إلى طرد سوريا له ودفع علاقات دمشق وواشنطن إلى مستوى جديد من النفور. وسيكون ذلك على العكس تماما مما ذهب فورد إلى دمشق لتحقيقه. وقال ريتشارد ميرفي الذي كان سفيرا للولايات المتحدة لدى سوريا ويعمل حاليا في معهد الشرق الأوسط «تفسيري لحقيقة أنه ما زال موجودا هناك أنهم لم يختاروا تحويل الأمر إلى مشكلة كبرى. لكن ذلك يمكن أن يحدث في أي وقت».

وسوف يتحول تركيز الولايات المتحدة في الوقت الحالي على مرحلة ما بعد الأسد مما يزيد من أهمية فورد حيث تسعى واشنطن إلى معرفة الرأي الشعبي في التغيرات الجارية.

وقال إدوارد ديرجيان السفير الأميركي لدى سوريا بين 1989 و1991 «ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله هو دفع تحول سياسي باتجاه إصلاحات حقيقية على أمل ألا يستولي المتطرفون على العملية.. وسوف ينفذ السفير الأميركي مصالح السياسة الخارجية الأميركية في البلاد محاولا ضمان حدوث ذلك».