عالم دين ورجل تكنولوجيا.. يحاول إعادة الاستقرار لليبيا ويدعو إلى العلمانية

نايد شارك في إصدار فتوى ضد القذافي.. لكن البعض يراه النسخة الليبية من أحمد الجلبي في العراق

TT

كان عارف نايد يحتسي مشروب «الكابوتشينو» في البهو الرخامي الفسيح لفندق «كورينثيا» القريب من شاطئ البحر في طرابلس، وهو يقتبس أقوال مونتيسكيو عن القانون وأوغستين عن التسامح، خلال محادثة كانت تدور حول قضايا الساعة في ليبيا مثل تحديات استعادة إمدادات المياه وإحصاءات أعداد القتلى.

تحدث نايد مطولا عن كيفية تشكيل الشعر البدوي الإسلام المعتدل في ليبيا، وكان على وشك البدء في شرح ارتباط السياسة الليبية بعقدة النظرية الحسابية، عندما دق جرس هاتفه الجوال.

قال وهو ينظر إلى الرقم: «يجب أن أرد على هذا الهاتف».. «شخص ما يرغب في تسليم نفسه».

كان المتصل أحد مساعدي العقيد معمر القذافي، الذي أسقطه الثوار، ويرغب في الحصول على ضمانات بالأمان قبل تسليم نفسه. أبدى نايد رغبة في حدوث ذلك، فتعزيز المصالحة واحدة من وظائفه العديدة في الحكومة الليبية الجديدة.

معروف عن نايد أنه عالم دين مسلم، بالإضافة إلى كونه مديرا لإحدى شركات تكنولوجيا المعلومات. كانت كتاباته قبل الثورة الليبية تؤكد أن الرحمة هي أسمى قيم الإسلام، وقدرة المسلمين على الازدهار في ظل دولة علمانية ليبرالية، وأنه حتى أتقى الأتقياء يجب أن يعترفوا بعدم عصمتهم.

يشغل نايد في الوقت الراهن وظيفة منسق فريق استقرار ليبيا التابع للمجلس الانتقالي والمنوط به حل مشكلات مثل نقص إمدادات الوقود وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد وجد نفسه فجأة في معمل مثالي لاختبار كتاباته الدينية ومحاولة أن يجعل منها سياسة حكومية.

وقال يوم الاثنين الماضي في مقهى الفندق، مشيرا إلى أن أولئك الذين ارتكبوا الجرائم خلال حكم العقيد القذافي يجب أن يقدموا لمحاكمة عادلة: «لا أعتقد أن علينا أن نسعى إلى عقد محاكم تفتيش لهم».

لكن على نايد أن يحظى بالقبول بين طوائف المجتمع الذي لا يزال يفتقر إلى الإجماع حول نوعية العلاقات مع الحكومة القديمة التي يمكن للشعب الليبي غفرانها.

يتحدث منتقدو نايد عن علاقات أسرته بالحكومة القديمة؛ فوالده، علي نايد، كان يمتلك شركة إنشاءات ضخمة كانت تعمل في بناء المنشآت العسكرية والمدارس والمشاريع الأخرى الحكومية قبل مصادرة القذافي لممتلكاته عام 1978. ومؤخرا تعاقد عارف نايد مع المصرف المركزي، رغم قوله بأنه انتهى بقسوة. وقد تم تعيين أخيه رفيق قبيل الثورة بوقت قليل في إدارة صندوق ثروة سيادية في البلاد، ولا يزال.

وبالنسبة لنايد، فإن ذلك يثبت ببساطة أنه بعد 42 عاما قضاها القذافي في السلطة وهيمن على مقدرات البلاد، لا يستطيع سوى القليل أن يثبتوا أنهم أنقياء تماما.

وقال: «كان هناك خيار آخر - أن تترك البلاد إلى الأبد - وأنا أكن احتراما كبيرا لكل أولئك الذين اتخذوا هذا الخيار»، لكنه حذر في الوقت ذاته من تجاهل الأفراد الذين واصلوا العيش في ليبيا، والمنفيين أيضا، الذين يواجهون انتقادات من الليبيين الذين يصفونهم بالانتهازيين الذين لم يفهموا معاناة البلاد الأخيرة.

وقف نايد (49 عاما)، بين شخصيات متنوعة في بهو فندق «كورينثيا»، الذي أصبح شائعا بالنسبة للمقاتلين السريين واليساريين والإسلاميين الذين ارتدوا سترات رمادية متشابهة، وعمال الإغاثة والصحافيين والشباب، والكل يتناقش بشأن مستقبل ليبيا الجديدة.

ويزعم نايد، الذي ارتدى سترة أنيقة، أن من بين أصدقائه أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين ومتعصبين ماركسيين. ويتحدث بلغة العالم ولهجة السياسي، على الرغم من إصراره على الرغبة في العودة إلى الوعظ والتدريس لا القيام بعمل مكتبي.

من ناحية أخرى يتنافس الليبراليون والإسلاميون في ليبيا للحصول على الوظائف والنفوذ السياسي، ويروي نايد قصة حياته بصورة تجعله جسرا بينهم، ناهيك عن كونه جسرا بين المعارضة والإسلاميين والدول الغربية التي تنتظر بقلق لترى نوعية القادة الذين ساعدهم تدخل «الناتو» في الوصول إلى السلطة. نشأ نايد في طرابلس، ودرس في الولايات المتحدة وكندا وأقام شركة تجارية في إيطاليا.. وعاد إلى ليبيا في التسعينات ليتابع مشاريعه التجارية في ليبيا والخارج. لكن على الرغم من مواصلته العمل في مجال الهندسة نتيجة إصرار والده، فإن ميوله كانت على الدوام تميل إلى دراسة الفلسفة والتصوف الإسلامي ومقارنة الأديان.

وخلال السنوات الأخيرة بدأ العقيد معمر القذافي في رفع القيود عن التدريس الديني، وساعد نايد في استعادة وإعادة فتح مدرسة إسلامية في مدينة طرابلس القديمة وأصبح مهتما بالتواصل مع المسيحيين واليهود. وبعد إلقاء البابا بنديكتوس السادس عشر كلمته المثيرة للجدل حول الإسلام في ريجنسبيرغ في ألمانيا عام 2006، كان نايد واحدا من بين 138 عالما مسلما قاموا بصياغة خطاب يدعون فيه إلى حوار بين المسلمين والمسيحيين. وشارك في مؤتمر للعلماء الذين أعادوا مؤخرا تفسير فتوى ابن تيمية في القرن الرابع عشر بشأن الجهاد، مؤكدين أن الإسلاميين المتشددين الذين يستخدمون هذه الفتوى لتبرير القتل ضالون.

وعندما بدأت الثورة في فبراير (شباط) الماضي قام هو والعلماء الآخرون في ليبيا بإصدار فتوى تطالب الليبيين بمقاومة القذافي. وبعد يومين فر إلى دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يدير شركة «كلام ريسيرش آند ميديا»، التي توصف بأنها مؤسسة سياسة وبحث ديني إسلامية.

وقال إن زوجته وأخته وابنته دفعوه إلى المجازفة بالانضمام إلى المعارضة، وأضاف أنه عندما هدد الموالون للقذافي أبناء أخته، قالت له الأخيرة: «إن قتلوهم واحدا تلو الآخر لا تتراجع عن موقفك». قام المجلس الانتقالي بتعيينه سفيرا لدى الإمارات وأصبح من الوجوه المألوفة للثورة، ومطمئنا بالنسبة للكثيرين في الغرب. وعندما تم اختياره ليكون ضمن الفريق المكلف إعادة الاستقرار إلى ليبيا ابتهج الفاتيكان وجاء في النشرة الإخبارية بأن «صديقا قديما للفاتيكان أصبح شخصية هامة في ليبيا»، وأشار نايد إلى أن تعيينه ربما يساعد في تهدئة مخاوف الكنيسة من سيطرة الإسلاميين المتطرفين.

بيد أن بعض الليبيين يبدون قلقا إزاء الأشخاص الذين يبدي الغرب قبولا تجاههم، ففي مساجد ومقاهي طرابلس يحاول الليبيون العثور على النسخة الليبية من أحمد الجلبي – العراق - أولئك الذين صعدوا إلى السلطة عبر صلاتهم مع الغرب أكثر من الشرعية بين الليبيين. ومن بين أكثر الأشخاص الذين يواجهون مثل هذه الانتقادات رئيس وزراء الحكومة المؤقتة، محمود جبريل، الذي قام بتعيين مستشارين مقربين له وأقارب له من قبيلة الورفلة، من بينهم نايد. بيد أن أفكار الأخير تجد قبولا لها في أوساط القادة والمواطنين الليبيين. وفي أول خطاب له في ساحة الشهداء المركزية في طرابلس، يوم الاثنين، دعا مصطفى عبد الجليل، زعيم المجلس الوطني الانتقالي، الجماهير إلى التسامح مع الجنود من غير القادة، الذين حاربوا الثوار، قائلا إنهم كانوا هم أيضا ضحايا للحكومة.

بينما يجادل نايد في الاجتماعات الرسمية بأن كل من ارتكبوا جرائم تحت إمرة العقيد القذافي يجب أن يحاكموا، ولكن إطلاق وصف «الطابور الخامس» على جميع مؤيدي القذافي يجعل أسلوب الخطاب قريبا من اللغة التي كان يستخدمها العقيد القذافي لتشويه سمعة خصومة.

ويعلق نايد آمالا كبرى على ليبيا. فهو يتخيلها وقد أصبحت نموذجا محليا للعالم العربي. كما يرى أن الليبيين، من خلال دعمهم التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي، الذي ساعد الثورة الليبية، يحتضنون الغرب دون أن يفقدوا كرامتهم.

ويقول إن الجماعات الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، جزء لا يتجزأ من المجتمع الليبي، وإنهم، حتى الآن، يتنافسون على النفوذ السياسي دون استخدام تكتيكات ترهيبية.

ويقول إن المرأة الليبية، التي يصفها بأنها «تقية وحرة إلى حد كبير، سوف تشغل مناصب مهمة في الحكومة»، مبرهنا للمنطقة أن مثل هذه الحريات لا تعني «العلمانية المعادية للدين».

وقال نايد: «إذا قمنا بعمل جيد هنا، فمن الممكن أن يصبح هذا مثالا للاحترام المتبادل، والتعاطف المتبادل، والمحبة المتبادلة بين البشر».

* خدمة «نيويورك تايمز»