«حي الميدان» في دمشق تحول إلى بؤرة للاحتجاجات السلمية في العاصمة

يشكل «كابوسا» للأجهزة الأمنية.. وسكانه يستمرون في التظاهر رغم قمع النظام

TT

اتسم حي الميدان، جنوب مدينة دمشق، بخصوصية في مشهد الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. في كل يوم جمعة، تتوجه أنظار الدمشقيين نحو الحي العريق بانتظار خروج المصلين من الجوامع والهتاف للحرية والكرامة وإسقاط النظام، لا سيما من جامع الحسن الذي يعد من أهم المساجد في العاصمة السورية، إضافة إلى جامع الدقاق والخانقية ومنجك، والتي تتسم كلها بطابع تراثي.

«الحي بات يشكل كابوسا بالنسبة لأجهزة الأمن السورية، إذ يتحول كل يوم جمعة إلى ثكنة عسكرية، تتوافد إليها باصات كبيرة تمتلئ بعناصر الأمن والشبيحة تتمركز عند أبواب الجوامع ومفارق الطرقات المؤدية إليها»، هكذا قال أحد الناشطين لـ«الشرق الأوسط». ويلفت إلى أنه «غالبا ما تبدأ الإجراءات الأمنية مساء الخميس، فتحضر بعض الدوريات وتمشط المنطقة بحذر».

وكان الكثير من مقاطع الفيديو نشر على مواقع المعارضة السورية، وهي تظهر اعتداء أجهزة الأمن و«الشبيحة» على المصلين الخارجين من جوامع الحي والمنادين بإسقاط نظام الأسد وتحقيق الديمقراطية في البلاد. ويقول الناشط السوري، إن «الأمن والشبيحة يستخدمون العصي الكهربائية والسكاكين، وغالبا ما يطلقون النار في الهواء لتخويف المتظاهرين، خصوصا أنه من السهولة بمكان محاصرة المتظاهرين في هذا الحي وملاحقتهم وضربهم واعتقال الكثير منهم».

ومع إصرار السوريين على الخروج في مظاهرات منددة بنظام بشار الأسد ومطالبة بإسقاطه، وبعد ما يزيد على ستة أشهر من القمع والتعذيب والتنكيل وإهانة الناس بأساليب وحشية، تحول الحي الذي يمتد على مسافة كيلومترين ونصف الكيلو متر إلى بؤرة للاحتجاج السلمي تستقطب أفرادا من أحياء دمشقية أخرى يرغبون في التعبير عن تضامنهم مع الثورة السورية ويتطلعون إلى تحقيق أهدافها.

يقول حسان، وهو شاب ثلاثيني لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أرغب في التظاهر والتعبير عن رأيي المندد بهذا النظام القمعي الذي قتل الناس واعتقل الشباب وهجر الكثير من السوريين من بيوتهم». ويعرب عن رغبته الدائمة في المشاركة في مظاهرات الميدان بعد أن بات الحي بالنسبة لأهالي الشام مكانا ذا رمزية في ثورتهم ضد بشار الأسد.

ولم يتوقف أهل حي الميدان عن التظاهر منذ بداية الثورة السورية، على الرغم من أن الأمن يهاجم المتظاهرين فيه «بشكل وحشي»، على حد تعبير حسان الذي يضيف: «كنا نركض بطريقة جنونية حتى لا يتمكنوا من اعتقالنا، لكني شعرت لحظة وقفت مع المئات وصرخت (الشعب يريد إسقاط النظام) بشعور غريب تملكني للمرة الأولى، شعور أخبرني عنه صديقي فيما بعد بأنه الشعور بالحرية التي لم يعرفها السوريون يوما».

ويتوجه مراد، برفقة ابن خالته إلى الميدان للمشاركة في المظاهرات السلمية، ويروي عن تجربته لـ«الشرق الأوسط»: «لحظة وصولنا استوقفنا حاجز للأمن وطلبوا هوياتنا وحين وجدوا أن قيد نفوسنا في منطقة تلكلخ التي استباحت أجهزة الأمن مرات عدة، طلبوا منا الصعود إلى الباص الذي يمتلئ بالشباب المعتقلين». ويتابع: «لا أعرف كيف خطر ببالي أن أتحايل عليهم وأخبرهم بأنني أعمل لصالح مؤسسة اجتماعية تعود إدارتها لأسماء الأسد زوجة الرئيس، فما كان منهم إلا أن أفرجوا عنا أنا وابن خالتي، لكنني حتى اللحظة لا أستطيع أن أنسى مشهد المعتقلين في الباص، كان يدوسون على رؤوسهم بأحذيتهم، ويشتمونهم، كان المشهد قاسيا».

ويوضح مراقبون أن أهمية حي الميدان وإصرار أهله على التظاهر ضد نظام الأسد، تأتي بسبب وجود جامع الحسن في وسطه، والذي يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف مصل، ويمتلك تاريخا طويلا في معارضة حكم عائلة الأسد. وكان شيخ يدعى حسن حبنكة بنى الجامع وسمي على اسمه، ولم يظهر معظم المشايخ الذين توالوا على المسجد ولاء صريحا للنظام الحاكم.

ويسرد عبد الرحمن حبنكة، ابن الشيخ حسن في كتاب أصدره بعد نفيه خارج البلاد، أن والده تصادم كثيرا مع الرئيس الراحل حافظ الأسد ولم يتمكن الأسد من إيذائه بسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها داخل المجتمع الدمشقي المتدين، ليتوالى على الخطابة في المسجد فيما بعد الشيخ كامل الحافي والشيخ حسين خطاب والشيخ عبد القادر الأرناؤوط والشيخ محمد شقير والشيخ الدكتور مصطفى البغا والشيخ عمر حوري، وجميعهم سار على نهج الشيخ حبنكة في انتهاج الوسطية الدينية ورفض ممالأة نظام الحكم.

ولعل الشيخ محمد كريم راجح الذي يتولى الخطابة في مسجد الحسن هذه الفترة أبرز من جسد وفقا للمراقبين هذا النهج، حيث قدم استقالته لوزارة الأوقاف احتجاجا على ممارسات رجال الأمن بحق المتظاهرين، ليعود فيما بعد ويتراجع عنها تحت ضغط أهالي الميدان وحبهم له، لكن ذلك لم يمنعه من أن يوجه منذ قرابة الشهر تنبيها إلى الرئيس الأسد بأن «إجبار المعتقلين على السجود لصوره والتفوه بكلمات كفر هو لعب بالنار».

وكان حي الميدان، قد قصفه الفرنسيون مرتين في فترة الانتداب ودمر الكثير من معالمه، بسبب مقاومة أهله للاحتلال ومطالبتهم إياه بالخروج من أرضهم. ولعل واحد من العناصر التي تجعل الحي عصيا على أجهزة الأمن بما يخص إيقاف المظاهرات فيه هو الترابط الأسري والاجتماعي الذي يمتاز به أهالي الحي، وهو ما يجعل التجمع والخروج في مظاهرات أسهل بكثير من بقية المناطق.