الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتتح دورتها الـ55 اليوم.. والملفان الإيراني والسوري يتصدران اهتماماتها

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: المجموعة العربية لن تقدم كعادتها مشروع قرار حول إسرائيل.. ولا «انبطاح» وراء ذلك

TT

يخاطب يوكيو أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هذا الصباح الجلسة الافتتاحية لمؤتمر عام الوكالة في دورته الـ55 التي تشارك فيها وفود 151 دولة يمثلون مجموع أعضاء الوكالة التي تتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقرا لها.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أمانو سيعرض في خطابه لأهمية المنتدى العلمي الذي تنظمه الوكالة بالتزامن مع المؤتمر العام، بهدف ضرورة الإسراع في علاج النقص الفادح الذي تواجهه أكثر من 90 دولة تنقصها وفرة في المياه الصالحة للشرب مما يؤثر على حياة ما يزيد على مليار من البشر، وتعمل الوكالة جاهدة للمساعدة على حل تلك المشكلة باستخدام تقنية نووية سريعة ورخيصة حفاظا على حياة ما تقدره إحصاءاتها بـ5 ملايين شخص يموتون سنويا بسبب أمراض مصدرها تلوث المياه.

من جانب آخر، تتوقع مصادر «الشرق الأوسط» أن يركز مدير عام الوكالة على القلق الذي يساور الوكالة والمجتمع الدولي بسبب شبهات تطال النشاط النووي الإيراني المتهم بأبعاد عسكرية ومساع للحصول على أسلحة ورؤوس نووية لصواريخ حربية تمتلكها إيران الرافضة للتعاون مع الوكالة تعاونا كاملا وشفافا يحسم هذه القضية، خاصة أن إيران ماضية في إصرارها على الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم بما في ذلك التخصيب بنسبة 20 في المائة، رافضة الالتزام بالقرارات الدولية التي تحظرها من تلك الأنشطة بل وتفرض عليها أكثر من حزمة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية بسببها.

من جانب آخر، يتوقع أيضا أن تحظى قضية الملف النووي السوري بموقع مهم في خطاب أمانو، لا سيما أن الوكالة لا تزال تنتظر ردا سوريا بالموافقة على الموعد الذي اقترحه أمانو، وحدد له 10 - 11 أكتوبر (تشرين الأول) القادم، وذلك في رد فعل لدعوة غير مسبوقة صدرت من سوريا ضمن خطاب أرسلته لمدير الوكالة بتاريخ 24 أغسطس (آب) الماضي تبدي فيه رغبتها واستعدادها لتعاون كامل مع الوكالة، وعقد اجتماع بدمشق لوضع خطة عمل يتمكن بموجبها الطرفان من الاتفاق على خارطة طريق لحلحلة القضايا العالقة حول طبيعة ما كان يدور بموقع دير الزور الذي هدمته صواريخ إسرائيلية 2007 بدعوى أنه مفاعل نووي سوري تحت الإنشاء، بمساعدة من حكومة كورية الشمالية، بينما تنفي سوريا ذلك.

ولن يغفل أمانو الحديث عن قضية الملف النووي الكوري الشمالي، داعيا حكومة بيونغ يانغ للمسارعة بالجلوس على طاولة الحوار مع مجموعة الدول الست التي تضم الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان، لبحث تطورات ملفها النووي الذي لا تعلم عنه الوكالة شيئا منذ أن طردتها الحكومة الكورية الشمالية قبل أكثر من 10 سنوات، وأمرت مفتشيها بمغادرة أراضيها، كما خلعت أجهزتهم للمراقبة والتحري، ونزعت شمعوهم الحمراء التي كانوا قد شمعوا بها مواد محظورة.

في سياق مواز، سيركز أمانو في خطابه على إبلاغ المؤتمر العام للوكالة، الذي سيظل منعقدا حتى 23 من الشهر الحالي، بآخر ما تم الاتفاق عليه بصدد عقد محفل (منتدى) بفيينا في 21 و22 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، لدراسة إمكانية أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وكان أمانو قد وجه الدعوة للأطراف المعنية، كما اختار المندوب النرويجي الدائم لدى الوكالة رئيسا للمنتدى. ووفقا لبيان منشور بالصفحة الإلكترونية للوكالة فإن أمانو قد تسلم 13 ردا من دول المنطقة تبدي استعدادها للمشاركة، من بينها إسرائيل وإيران، بالإضافة لردود إيجابية من عدد من الدول العربية منها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وسوريا.

وفي هذا الخصوص، علمت «الشرق الأوسط» أن المجموعة العربية بالوكالة لم تقدم، على غير عادتها منذ 1990، لمدير عام الوكالة، مشروع قرار حول القدرات النووية الإسرائيلية لإضافته كبند من بنود أجندة المؤتمر العام، وذلك في خطوة أجمع دبلوماسيون عرب في معرض تعليقات لـ«الشرق الأوسط» على وصفها بإبداء حسن النوايا، وتمهيدا لإنجاح المنتدى القادم، الذي من المفترض أن يجسد فرصة لتوافق أعضاء الوكالة بشأن أهمية أن يصبح الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، متوقعين أن يجري أمانو مزيدا من المشاورات مع دول المنطقة والأطراف الأخرى المهتمة بشأن الترتيبات التمهيدية لإنجاح المحفل المذكور الذي لا يستبعد أن يتحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات بين إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة بالمنطقة غير الموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وجيرانها، وإيران المتهمة بأبعاد عسكرية محتملة لبرنامجها النووي، مما سيؤثر سلبا على مؤتمر آخر قرر لاستعراض معاهدة عدم الانتشار النووي تم الاتفاق على عقده في 2012 بنيويورك التي شهدت في 2010 مؤتمرا دوليا ناجحا شدد على أهمية الاضطلاع بعملية تفضي إلى التنفيذ الكامل لقرار عام 1995 بشأن الشرق الأوسط. وتحقيقا لهذه الغاية أيد مؤتمر 2010 الإجراءات التي اتخذها الأمين العام للأمم المتحدة ومقدمو قرار 1995 بالتشاور مع دول المنطقة، والحاجة الملحة لأن تقبل جميعها تطبيق ضمانات الوكالة الشاملة على كل ما لديها من أسلحة نووية كتدبير مهم من تدابير بناء الثقة في ما بينها، وكخطوة من أجل تعزيز السلم والأمن.

وكانت مصادر دبلوماسية عربية قد نفت لـ«الشرق الأوسط» تهمة أن تكون المجموعة قد خضعت لضغوط غربية جعلتها تحجم عن تقديم مشروع القرار، أو أنها عاجزة عن خوض معركة جديدة في حالة الإصرار على تقديمه، مستنكرة الاتهام أنها تبدي «انبطاحا» غير مبرر، فيما تتعنت أميركا ضد أن تحظى الدولة الفلسطينية باعتراف دولي، مؤكدة أنها كمجموعة عربية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تغير من سياستها القائمة على مواصلة كل الوسائل القانونية المتوافرة حتى تجبر إسرائيل على الانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مذكرة بأن العمل من أجل أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي يصب أولا في مصلحة الدول العربية قبل إسرائيل وإيران.

من جانبها، أبدت مصادر غربية سرورها بالإحجام العربي، وإن لم تخف في تعليق لـ«الشرق الأوسط» عميق إحساسها بالقلق وما وصفته بالتوتر تجاه الموقف العربي، غير متيقنة إن كان العرب سيلتزمون بعدم تقديم مشروع قرارهم الذي يخضع عادة للتصويت بنداء الأسماء، لا سيما أن المجموعة العربية نجحت في تحقيق نصر دبلوماسي وفوز رفيع في دورة المؤتمر عام 2009، كما سجلت العام الماضي موقفا قويا ومشهودا بعدم خضوعها للرغبة الأميركية أن تسحب مشروع قرارها، مما اضطر الولايات المتحدة لخوض معركة دبلوماسية جمعت لها كل عتادها من عصي وجزر، مستجيرة في نهاية الأمر باستمالة حفنة دول صغيرة لم تُسمع عنها المشاركة، وتسديد الالتزامات المادية التي تكفل لها حق التصويت في المحافل الدولية، مما عد في حد ذاته نصرا للمجموعة العربية التي حصل مشروع قرارها على تأييد 46 دولة ومعارضة 51 دولة، فيما امتنعت عن التصويت 23 دولة وفضلت 37 الغياب.