نجاد يواجه عاصفة انتقادات في طهران بعد حديثه عن احتمال فتح حوار مع واشنطن

نواب محافظون قالوا إن الرئيس تدخل في صلاحيات المرشد * نجاد في الخرطوم ونواكشوط بعد نيويورك

محمود أحمدي نجاد (رويترز)
TT

تعرض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لسيل هجوم شنه عليه معارضون محافظون، لأنه تحدث عن احتمال فتح حوار بين إيران والولايات المتحدة، وهو موضوع لا يزال حساسا في النظام الإيراني الذي يعتبر واشنطن «الشيطان الأكبر» منذ الثورة الإسلامية في 1979.

وانتقد نواب محافظون ووسائل إعلام أمس الرئيس الإيراني لأنه تحدث مرارا عن احتمال استئناف العلاقات بين طهران وواشنطن خلال زيارته لنيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي أحد التصريحات الكثيرة التي أدلى بها خلال زيارته لنيويورك ونشرت على موقع الرئاسة الإيرانية، قال أحمدي نجاد: «إننا نعتبر أن غياب العلاقات ليس في مصلحة البلدين» و«لا مبرر للتوتر» بين إيران والولايات المتحدة.

وأخذ الرئيس الإيراني حذره بالتأكيد، مجددا موقف طهران المعتاد المتمثل في أن استئناف التفاوض يظل رهنا «بتغيير موقف» واشنطن إزاء إيران وضرورة «الاحترام المتبادل»، لكن ذلك لم يكفِ لتكفّ الانتقادات. وقال علي مطهري النائب المحافظ المتشدد على موقع «خبر أونلاين» إن «تشديد الرئيس على رغبته في استئناف العلاقات، وخصوصا قوله إن غياب العلاقات ليس في مصلحة البلدين، ليس مناسبا».

من جانبه علق أحمد توكلي النائب المحافظ النافذ، وعلى غرار مطهري، خصم الرئيس أحمدي نجاد الذي يتهم نجاد دائما بأنه كثير الاعتدال سياسيا ومتسامح كثيرا مع الغربيين، على تصريحات الرئيس معتبرا أن «مقاربة البعض متناقضة مع مصالح النظام». وانتقد عدد من المسؤولين المحافظين ووسائل إعلام أيضا الرئيس، مؤكدين أن قرار استئناف المفاوضات أو العلاقات مع الولايات المتحدة من صلاحيات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وليس أحمدي نجاد. وتأتي هذه الانتقادات في وقت يواجه الرئيس الإيراني ومساعدوه، منذ أشهر عدة، حملة عنيفة من الخط المحافظ المتشدد الحاكم في إيران لأنهم تجرأوا صراحة على انتقاد قرار من المرشد الأعلى. وقد عارض آية الله خامنئي إقالة وزير الاستخبارات، وهو أحد المقربين منه ويتولى منصبا أساسيا في مراقبة الانتخابات التشريعية المقررة في مارس (آذار) 2012 التي قال أنصار الرئيس إنهم يريدون تقديم مرشحيهم إليها.

لكن الانتقادات الموجهة إلى أحمدي نجاد تعكس أيضا حساسية موضوع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة التي ما زال النظام الإسلامي يعتبرها «الشيطان الأكبر» ومصدر كل مصائب العالم. وتشكل هذه القضية مصدر خلافات في السلطة الإيرانية منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إثر أزمة الرهائن في السفارة الأميركية بطهران في نوفمبر (تشرين الثاني) 1980.

وقال دبلوماسي أوروبي في طهران: «حاول كل الرؤساء الإيرانيين في فترة ما الانفتاح على الولايات المتحدة، لكنهم قوبلوا في كل مرة بنزاع مع المتشددين الذين يعلنون ولاءهم لآية الله خامنئي والذين عطلوا كل تطور». وتجسد هذا النزاع في الصراع الذي دار الأسبوع الماضي بين حكومة أحمدي نجاد والسلطة القضائية التي يهيمن عليها المحافظون المتشددون الموالون للمرشد الأعلى بشأن الإفراج عن أميركيين اثنين معتقلين منذ صيف 2009.

وقد أفرج عن الأميركيين في النهاية الأربعاء رغم مناورات القضاء، لكن توكلي انتقد أحمدي نجاد بشدة في هذا الصدد وقال إنه «حاول أن يظهر بمظهر بطل السياسة الخارجية حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية».

ووصل الرئيس الإيراني، أمس، إلى موريتانيا، في زيارة هي الأولى من نوعها. وقال بيان موريتاني رسمي، إن موريتانيا وإيران تحترمان المطالب المشروعة لشعوب منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي الهادفة إلى توطيد الأمن والتنمية، مطالبين في الوقت ذاته بضرورة تفادي كل ما من شأنه انحراف الحراك الذي تشهده المنطقة إلى ما لا يخدم شعوبها. وشدد البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على أهمية التعاون بين البلدين والتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية بما يخدم مصالح البلدين المشتركة، مؤكدا على مواصلة وتوثيق هذا المسار في إطار منظمة الأمم المتحدة، والتعاون جنوب - جنوب، إضافة إلى منظمتي التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز.

كما قام نجاد أمس بزيارة إلى السودان لإجراء محادثات بشأن دعم العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين. وقال مسؤولون في وزارة الخارجية السودانية، إن أحمدي نجاد سيلتقي بالبشير اليوم في إطار زيارته التي تستمر يومين، كما سيلقي خطابا في الخرطوم.

إلى ذلك أعلنت إيران أمس أنها استدعت «مزيدا من الأشخاص» الذين تتهمهم بإقامة صلات مع الخدمة الفارسية لشبكة «بي بي سي» البريطانية بعد اعتقال ستة أشخاص للاشتباه في جمعهم معلومات للقناة. ونقل موقع التلفزيون الحكومي على الإنترنت عن وزير الاستخبارات حيدر مصلحي قوله: «تم جمع معلومات مهمة عن المتعاونين مع الـ(بي بي سي - فارسي) واستدعت الوزارة مزيدا من الأشخاص المتصلين بهذه الشبكة المفترض أنها إخبارية». ولم يذكر عدد من تم استدعاؤهم.

وقال الوزير مصلحي: «بدأت الاستخبارات البريطانية أنشطة جديدة مدمرة ضد إيران تحت غطاء الـ(بي بي سي - فارسي)»، مضيفا أن أي تعاون «مباشر أو غير مباشر.. محظور» مع القناة. وكانت وسائل إعلام أكدت في 17 سبتمبر (أيلول) اعتقال خمسة رجال وامرأة لاتهامهم بجمع معلومات لقناة «بي بي سي - فارسي» دون أن تكشف عن أسمائهم بالكامل. وتردد أنهم اعتقلوا لأنهم «قدموا معلومات إلى (بي بي سي - فارسي)، وأفلاما وتقارير سرية لإعطاء صورة سوداء عن إيران والإيرانيين».

وقالت مواقع المعارضة الإيرانية إن الستة هم: مجتبى مرتاحمسب الذي شارك في إخراج الفيلم الأخير للمخرج جعفر بناهي المحظور، فضلا عن ناصر صفاريان وهادي أوريدن وشهنامه بزدر وكتايون شهابي ومحسن شاهنزدر. ونقلت وكالة «فارس» للأنباء أمس عن مسؤول بوزارة الاستخبارات يقوم بالإشراف على الأعمال السينمائية قوله: «لا يسمح لمخرجي الأفلام الوثائقية الإيرانية بيع أفلامهم لقنوات معادية للجمهورية الإسلامية». غير أن دار السينما الإيرانية، وهي نقابة صناعة السينما في إيران، انتقدت الاعتقالات وأصدرت بيانا نقلته بعض وسائل الإعلام المحلية قالت فيه: «ليس هناك قانون يحظر بيع الأفلام لقنوات التلفزيون الأجنبية».

يذكر أن إيران اتهمت «بي بي سي - فارسي» بتأجيج التوتر في أعقاب إعادة الانتخاب المثير للجدل للرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2009، ولا تسمح بفتح مكتب لها في إيران. وتحظر طهران التعاون مع قنوات البث بالفارسية التي لا يسيطر عليها النظام، بما في ذلك «بي بي سي» و«صوت أميركا» اللتان تحظيان بشعبية كبيرة في إيران، كما تقوم السلطات بالتشويش بشكل روتيني على قنوات التلفزيون الفضائية.