وزير الثقافة الليبي لـ «الشرق الأوسط»: إجراء انتخابات من القاعدة للقمة أفضل حل لمشكلة الحكم في ليبيا

أثنى على أول تجربة ديمقراطية في البلاد منذ 1969 لاختيار رئيس مجلس محلي «زوارة»

TT

جرت في مدينة زوارة الليبية أول انتخابات ديمقراطية من نوعها بعد سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي الذي حرم قيام الأحزاب والديمقراطية طيلة مدة حكمه التي استمرت 42 عاما. وتحاول مدن أخرى خوض نفس التجربة لاختيار رؤساء منتخبين لمجالسها المحلية، مع تزايد التنازع على تشكيل حكومة جديدة تدير البلاد. وأثنى وزير الثقافة الليبي عطية الأوجلي على التجربة، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» عبر الإنترنت إن إجراء انتخابات من القاعدة للقمة أفضل حل لمشكلة الحكم في ليبيا.

لكن هذه الإجراءات العملية لن تؤهل، وفقا للإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الانتقالي، برئاسة مصطفى عبد الجليل، لأي تصعيد من هؤلاء المنتخبين لمجلس أعلى كالبرلمان، على الرغم من أن الأوجلي، قال حول تجربة زوارة إن لديه «قناعة راسخة أن تطبيق الديمقراطية يجب أن يبدأ على المستوى المحلي أولا ثم يتم على مستويات أعلى وصولا إلى المستوى الوطني المتمثل في انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي».

وخلت ليبيا تقريبا من التجمعات السياسية أو الأحزاب طوال حكم القذافي. ووفقا لما أعلنه المجلس الانتقالي الذي يدير البلاد منذ قيام ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي، فإنه لا يمكن إجراء الانتخابات التشريعية في ليبيا إلا بعد تشكيل الحكومة ووضع دستور جديد للبلاد في مرحلة ما بعد القذافي.

ويبدو التوافق على تشكيل حكومة أمرا صعب المنال في مجتمع عاشت بعض قبائله لعقود على القرب من إدارة الدولة وعانت أخرى من تجاهلها، إضافة لصراع خفي يدور بين أمراء الحرب وقيادات من داخل المجلس الانتقالي وخارجه، للحصول على مقاعد في الحكومة التي يأمل المجلس الانتقالي أن ينتهي من تشكيلها والإعلان عنها مطلع الأسبوع المقبل.

وقليلون التفتوا إلى تجربة زوارة، وقدرة الليبيين على تصعيد ممثلين لهم إلى مستويات الحكم العليا، بكل بساطة، ودون نزاع، وذلك من خلال انتخابات قاعدية في عموم ليبيا، كما حدث في زوارة قبل أيام قليلة. ويقول الأوجلي إن مثل هذا الطرح «يكتسب أهمية في مجتمع لم يمارس التصويت منذ عقود ولا توجد به أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني ما زالت في بداياتها». واستطرد الوزير الأوجلي، وهو من مواليد بنغازي في الشرق، ومن المثقفين والكتاب الليبيين، قائلا: «إلا أن الأمر سيتعلق بوجود نخبة نشطة مدركة لأهمية التجربة ومصرة على حدوثها ومنطلقة من القناعة بأن الطريقة الوحيدة لتعلم الديمقراطية هي في ممارستها وأن الديمقراطية لديها القدرة على تصحيح مسيرتها. هل مثل هذه النخبة، التي وجدت في زوارة، موجودة في باقي المدن؟ أتمنى ذلك، وأتمنى أن تفاجئنا المدن الصغيرة بتكرار هذه التجربة حتى تصل لمدن مثل بنغازي وطرابلس».

و«زوارة» مدينة ذات أصول أمازيغية وتقع على بعد 120 كيلومترا غرب طرابلس، ويصل عدد سكانها إلى نحو 56 ألف نسمة يتحدث معظمهم الأمازيغية، وعانوا طويلا من تجاهل نظام القذافي لهم.

ويقول مسؤول في لجنة الإشراف على انتخابات زوارة في اتصال عبر الهاتف إن الانتخابات بالمدينة جرت لاختيار رئيس مؤقت للمجلس المحلي المؤقت، وأقبل أهالي المدينة على المشاركة فيها كأول تجربة انتخابية ديمقراطية منذ أكثر من أربعة عقود. وكان من المعايير السائدة في اختيار المرشح ألا يكون من رجال النظام السابق، وأن يكون ذا سمعة طيبة ولديه خبرة ومؤهلا لتحمل المسؤولية.

وزاد الوزير الليبي، الأوجلي، في تعليقه على انتخابات زوارة، بقوله إنها «اكتسبت أهمية بحدوثها وسط جدل قائم في أوساط النخبة السياسية الليبية، انتصرت فيه، فيما يبدو، التسويات القائمة على إرضاء النزعات الجهوية والتكتلات السياسية وعلى تكريس المحاصصة إياها التي خبرناها لسنوات طوال في شرقنا العربي». وتابع قائلا إن تجربة انتخابات زوارة جاءت «لتهمس في صوت النخبة الغارقة في توزيع المغانم أن للشعب صوتا وللفرد صوتا وللحرية صوتا، فما أروعك من صوت يا زوارة». وأضاف: «نعم.. إن هذه أول انتخابات حرة تجري في بقعة ليبية منذ انقلاب عام 1969»، قائلا إنه «بغض النظر عن التفاصيل، فقيمة هذه الانتخابات هي في حدوثها، فهي ترسيخ لفكرة التصويت».

واختار أعيان بالمدينة وشخصيات من رجال القضاء المشهود لهم بالنزاهة، في اختيار لجنة للإشراف على الانتخابات، وتكونت اللجنة من نحو 23 شخصا من مؤسسات المجتمع المدني والمجلس العسكري بالمدينة والأوقاف والسرايا الأمنية، حيث تم وضع آلية للترشح والانتخاب توافق عليها الجميع، وتم تحديد مواعيد التقديم ومكان وموعد الاقتراع. وقال الأوجلي: «الحمد لله.. تم كل شيء بشكل حضاري ومتميز، وهكذا قدمت زوارة الصغيرة لنا جميعا درسا كبيرا في الديمقراطية بعيدا عن الاستقطابات والمزايدات والتعصب الجهوي والأوكازيونات (المزادات) السياسية».