وثائق جديدة عن مقتل عبد الفتاح يونس تفجر خلافات بين القيادات الليبية

تسجيل فيديو يتهم تنظيم القاعدة.. وتضارب في التحقيقات.. وقبيلة العبيدي تطالب بسرعة القصاص

TT

ظهر تسجيل فيديو تظهر فيه جثة متفحمة ومشوهة لرئيس أركان الجيش الليبي، عبد الفتاح يونس، الذي جرى اغتياله قبل شهرين. وقال الصوت المصاحب للفيديو، إن المسؤول عن اغتياله هو تنظيم القاعدة، بينما قالت مصادر من الحكومة الليبية الحالية وأخرى من قبيلة العبيدي التي ينتمي إليها يونس، إن الوثائق الجديدة تفجر خلافات بين القيادات الليبية، كاشفة النقاب عن أن نائب رئيس الوزراء السابق علي العيساوي، رفض أن يتحمل وقادة آخرون من الحكومة، اللوم في اتخاذ إجراءات التحقيق مع يونس. ونقل مقربون من العيساوي قوله إن كل ما اتخذ من خطوات كان بعلم المجلس الوطني الانتقالي الذي يرأسه مصطفى عبد الجليل. وتأتي هذه التطورات في وقت تشكو فيه قبيلة العبيدي من تضارب في التحقيقات، مطالبة بسرعة القصاص من قتلة الرجل الذي عمل لسنوات كوزير للداخلية قبل أن ينشق عن العقيد الليبي معمر القذافي.

وقال تقرير إداري عن قضية مقتل رئيس الأركان يوم 28 يوليو (تموز) الماضي، إن قرار المكتب التنفيذي (الحكومة)، بتشكيل لجنة تحقيق في إدعاءات عن مخالفات ليونس أثناء وجوده على الجبهة الشرقية التي كانت تحارب كتائب القذافي، «لم يكن قرارا جماعيا، وإنما صدر عن نائب رئيس المكتب التنفيذي (العيساوي) بصفته، وليس عن المكتب التنفيذي كهيئة». وأضاف أنه على هذا الأساس، يشوب القرار «القصور ولا يستوفي الشروط المنصوص عليها في محضر اجتماع المكتب التنفيذي بتاريخ 20-7-2011».

وخرج العيساوي من الحكومة في التعديل الوزاري الأخير، وقالت مصادر حكومية ليبية لـ«الشرق الأوسط»، إن خروجه محاولة لاسترضاء قبيلة العبيدي التي ينتمي إليها يونس، كإجراء قبل الانتهاء من كشف الحقيقة كاملة بعد الانتهاء من مهمة تحرير ليبيا من بقايا فلول القذافي.

وكان المجلس الانتقالي قد أحال ملف الدفاع إلى المكتب التنفيذي، بعد أن كان تابعا لرئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل. وأضافت المصادر الحكومية، أنه حين وردت شكاوى إلى عبد الجليل ضد مزاعم عن ضعف أداء مسؤول (وزير) الدفاع على الجبهة، قام بإحالة ما وصله من شكاوى إلى العيساوي، بصفته نائب رئيس المكتب التنفيذي «للتحقق مما ذكر واتخاذ اللازم قانونا».

وأشار مصدر في لجنة التحقيق في قضية استدعاء رئيس الأركان، إلى أن الذين شاركوا في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده المكتب التنفيذي بأغلبية أعضائه، برئاسة العيساوي، هم مسؤولو (وزراء) «العدل» و«الأوقاف» و«الداخلية والحكم المحلي»، لكي تتحقق من الأمر، وذلك «من خلال استدعاء السيد مسؤول الدفاع بتاريخ 21 يوليو (تموز)»، حيث خصص الاجتماع لمناقشة ملف الدفاع والملاحظات الواردة حول «ضعف أداء مسؤول الدفاع في ظل التطورات العسكرية الجارية»، ولم يتطرق إلى الملاحظات المنسوبة إلى رئيس الأركان (عبد الفتاح يونس)، إلا بشكل عام.

ويضيف المصدر الموجود في القاهرة حاليا، أن الاجتماع الاستثنائي قرر تشكيل لجنة مصغرة للاتصال بمسؤول الدفاع الذي كان وقتها خارج البلاد (من 20 إلى 22 يوليو)، مشيرا إلى أن اللجنة المصغرة نفسها التي انعقدت في فندق تيبستي في بنغازي «لم تنعقد بالشكل المطلوب»، و«لم يتم تحرير محضر لاجتماعها»، الذي اعترض عليه بعض ممن تم ضمهم في عضويتها. وتابع المصدر، أنه لم يتم التطرق في قرار المكتب التنفيذي لاستدعاء يونس إلى اجتماع اللجنة المصغرة في تيبستي.

وأضاف المصدر أنه، ورغم ذلك أصدر المكتب التنفيذي قراره رقم 29 لسنة 2011، بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق فيما يحيله إليها المكتب التنفيذي، وهو قرار قالت عنه الوثائق المسربة، إنه «لا يعطي شرعية ولا استقلالا». وأعقب ذلك على الفور إصدار اللجنة القضائية أمرا «بالقبض على يونس». وقال نص القرار الذي أصدره رئيسها المستشار جمعة الجازوي: «نأمر بالقبض على اللواء عبد الفتاح يونس، وإيداعه التحفظ لحين مباشرة الاستدلال والتحقيق»، وكلف الجازوي في نفس القرار ثلاثة عقداء من آمري كتيبة عقبة بن نافع بتنفيذ قرار القبض والتحفظ.

ونقلت مصادر من قبيلة العبيدي عن شاهد عيان رافق الموكب الضخم للمسلحين الذين ألقوا القبض على يونس من غرفة العمليات العسكرية في إجدابيا، وأتوا به إلى بنغازي حيث قتل، بقوله إن أغلب المسلحين كانوا من الإسلاميين المتشددين، ويزيد عددهم على 500 يستقلون نحو 150 سيارة دفع رباعي، ومدججين بالصواريخ والأسلحة الثقيلة، واستغلوا وجود يونس بمفرده حيث كانت قواته (الكتيبة 36) تقوم بمهام في العمق ناحية الجنوب الغربي.

وتابعت المصادر قائلة، إن رواية الشاهد الذي كان من مرافقي يونس على الجبهة، رافضة الكشف عن اسمه، تفيد أن مسلحا ملتحيا يطلق عليه الشيخ الفيتوري، جر يونس بعنف، بينما كان آخرون من الملتحين يطالبون بإقامة الحد عليه.. (أي بقتله)، مشيرا إلى أن قافلة من سيارات المسلحين رافقت سيارة يونس من إجدابيا إلى بنغازي وكانت تسير بشكل احتفالي و«كأنهم قد حصلوا على غنيمة، وكان بعضهم يريد قتله بالفعل قبل الوصول إلى حيث تم تسلميه في مقر المخابرة في بنغازي».

ووفقا لرواية هذا الشاهد، فإن مجموعات المسلحين الذين دخلوا مع يونس إلى مقر المخابرة، ينتمون إلى تشكيلات عسكرية من الإسلاميين المتشددين، ومنها «تشكيل ليبيا الحرة»، و«تشكيل صلاح الدين»، و«تشكيل شهداء (سجن) أبو سليم».

وفي هذا التوقيت، حيث أصبح مصير يونس غامضا خلف أسوار يحيط بها المسلحون المتحفزون، قام وزير الدفاع الليبي جلال الدغيلي بإصدار أمر، لكن بعد فوات الأوان، يقول فيه: «بأمر مني أنا وزير الدفاع السيد جلال الدغيلي، يوقف العمل بالأمر الصادر الذي تم بموجبه القبض على اللواء عبد الفتاح يونس رئيس أركان جيش التحرير الوطني، نظرا لصدوره عن جهة غير مختصة، ومنعا للتداعيات السلبية الخطيرة على الموقف العسكري للثوار على الجبهة، ونأمر بالتحقيق في ظروف وملابسات إصدار وتنفيذ الأمر المذكور».

ورد مقربون من العيساوي الذي كان نائبا لرئيس الوزراء، والذي يعد أكثر المتضررين مما انتهت إليه لجنة التحقيق بالقول لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن لجنة التحقيق «حملت المسؤولية فقط لأعضاء بعينهم منهم السيد العيساوي، وهو أمر فيه إجحاف وظلم، لأن كل الأطراف في المجلس الوطني الانتقالي والحكومة كان لديها توجه واضح، وهو التحقيق في كل ما جاء في الشكاوى المقدمة من الجبهة التي يحارب عليها رئيس الأركان (الراحل) عبد الفتاح يونس».

وزاد المصدر قائلا، «إن عدم اعتراض رئيس المجلس الانتقالي على كل الإجراءات التي تم اتخاذها في سبيل التحقق والتحقيق في موضوع رئاسة الأركان وملف الدفاع، يعني موافقته عليها».

وكان عبد الجليل نفى علمه منذ البداية بـ«ملابسات صدور هذا القرار (الخاص بقضية يونس) ومن كان حاضرا من أعضاء المكتب التنفيذي لهذا الاجتماع الذي تم فيه (اتخاذ) هذا القرار»، داعيا للجنة تحقيق عليا «في هذا الموضوع الخطير الذي تحوم حوله شبهات كثيرة في تنفيذه بواسطة أعوان معمر القذافي»، مشيرا إلى أن الشكاوى التي وردت من الجبهة بحق يونس، كانت عبارة عن «مجموعة من التقارير من الثوار والمقاتلين في جبهة القتال، تتعلق بالقصور في التسليح وقصور في التغذية والقصور في الاتصالات».

ويبدو أن قضية يونس بدأت تعود إلى الواجهة بقوة، بعد أن تسربت وثائق جديدة وشريط فيديو. ويقول المسؤول الحكومي، إن هذه التسريبات تسهم في تأجيج مشاعر الغضب لدى كبرى قبائل برقة التي ينتمي إليها الرجل. وجرى قبل يومين تسريب مقطع فيدو مدته دقيقة و45 ثانية لجثة بدت أنها للواء يونس. وظهر من طريقة التعليق الصوتي المصاحب للشريط أن أنصار القذافي على الأرجح هم من قاموا بتسريبه، وفقا للمصدر نفسه.

وقال المعلق: «هذا فيديو يوضح بالدليل الثابت والملموس مقتل عبد الفتاح يونس ورفاقه على يد أفراد تنظيم القاعدة في بنغازي المنتمين لكتيبة أبو عبيدة. ويوضح هذا الفيديو مدى بشاعة هذه الجريمة ومدى إجرام هؤلاء العصابة الذين يقتلون الناس باسم الإسلام والدين. وكما هو موضح بالفيديو، حيث قاموا بقتل القتيل وإفراغ مخزن من الرصاص في صدره، ثم نكلوا بالجثة وأخرجوا عينه اليمنى، وأحرقوا الجثة، وتعرض القتيل لكسر في إحدى رجليه وقطع نصف رجله الأخرى».

ويوجد ضمن تشكيلات عسكرية للإسلاميين الذين يحاربون القذافي، مقاتلون سابقون في أفغانستان، وجهاديون، وعناصر سبق للمخابرات الغربية ونظام القذافي أن قالوا إن لها علاقة بتنظيم القاعدة. ونفت غالبية هذه التشكيلات في بيان علاقتها بمقتل يونس، لكنها شددت على أنها لن تسمح بوجود أي أشخاص سبق وعملوا مع نظام القذافي، في نظام الحكم الجديد.

ووقعت قبائل ليبية عدة على وثيقة تطالب بحق قبيلة يونس في «معرفة الحقيقة والقصاص من الخونة والمندسين». وقال حسين العبيدي، وهو ابن عم للواء يونس، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن قيادات من القبيلة حصلت على نسخ من تقارير رسمية صادرة من السلطات القضائية الليبية، عن ملابسات كل ما حدث مع يونس، كان أشدها وقعا وإثارة للغضب، التقرير المنسوب إعداده لـ«الشعبية العامة للعدل»، عن الحالة التي وجدت عليها جثة يونس بعد الاغتيال.

وتحت عنوان «محضر تحقيق النيابة»، تم ذكر عن حالة جثة اللواء يونس ما يلي: «الجثة الأولى لشخص، لرجل، طويل القامة، متفحمة بالكامل، على صدره سترة واقي رصاص. هناك قطع في الرجل اليسرى والبطن، ويوجد كسر بالذراع الأيسر، وأصابع اليد اليمنى مفقودة، وآثار إطلاق ناري بعضد اليد اليسرى والصدر»، مضيفا أن «البطن مبقور من الأسفل خرج عنه أحشاء الجانب الأيمن من البطن، وجزء كبير من العضلات والجلد بالجذع والطرف العلوي الأيسر، والجزء السفلي من الظهر مفقودة من آثار النار».

وظهر من الأوصاف الواردة، أن تقرير النيابة الليبية وشريط الفيديو المسرب، التطابق التام، وهو ما أصبح يثير علامات استفهام جديدة مقارنة بما سبق وقاله قادة في المجلس الانتقالي، عن أن جثة يونس لم تتعرض لتشويه يذكر، وأن الحروق التي كانت بها «حروق بسيطة»، وفقا لما قاله حسين العبيدي، الذي أضاف أيضا، أن القبيلة وقبائل أخرى في الشرق الليبي، سوف تتقدم بطلب جديد للمجلس الانتقالي من أجل اتخاذ إجراءات جدية ومقنعة، خاصة مع اقترب الإعلان عن تحرير ليبيا وتشكيل حكومة جديدة لإدارة البلاد.