فرنسا تريد من المعارضة السورية «خريطة طريق سياسية» قبل الاعتراف بها

جوبيه: موضوع الاعتراف غير مطروح الآن

TT

«لم يحن بعد زمن الاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض»، هكذا يمكن اختصار الموقف الفرنسي من موضوع الاعتراف الذي ينظر إليه في باريس على أنه سيكون «الخطوة اللاحقة» في مسلسل الضغط على النظام السوري، فبعد الإدانة ومجلس حقوق الإنسان والتدابير الفردية بحق مسؤولين سوريين، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد، والعزل السياسي والدبلوماسي والعقوبات المالية والاقتصادية، والانفتاح على المعارضة السورية واستقبالها، وفتح حوار سياسي معها، ثم محاولة استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، ينظر إلى الاعتراف بالمجلس الوطني على أنه من نوع «السلاح الردعي». وتتطلب هذه الخطوة التي لا تريد باريس، كما يبدو، أن تخطوها منفردة، سحب السفير الفرنسي من دمشق، وقطع العلاقات الدبلوماسية، واعتبار المجلس ممثلا شرعيا وحيدا لسوريا. غير أن باريس لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، لكنها تتقدم نحوها، وقد أعلن وزير الخارجية، ألان جوبيه، لدى سؤاله عن هذا الموضوع، ليل أول من أمس، بمناسبة حفل أقيم في مسرح الأوديون في قلب باريس دعما للمعارضة السورية: أن «الموضوع غير مطروح لأن المجلس الوطني السوري لم يطلبه منا». وأردف جوبيه أن باريس «مستمرة في اتصالاتها مع المعارضة، وسترى كيف تستطيع مواكبتها».

والواقع أن حقيقة الموقف الفرنسي ليست مرتبطة فقط بطلب المجلس الوطني الذي يبحث عن الشرعية وعن الاعتراف به، حيث كان المجلس الوطني الليبي أول من اجتاز هذه الخطوة، ذلك أن باريس تنتظر من المعارضة السورية أن تنظم نفسها أكثر فأكثر، وهي تعتبر أن قيام المجلس الوطني «خطوة إيجابية» ولكنها غير كافية لانتزاع الاعتراف الدولي بها.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن المعارضة «بصدد تنظيم أمورها»، حيث لا يذهب كل فريق باتجاه ويطالب الأول بما لا يريده الثاني، كما يبدو ذلك في موضوع طلب المساعدة الخارجية. وتعتبر فرنسا أن المطلوب من المعارضة أيضا أن «تجمع في صفوفها كل الأطراف»، وأن تبلور «خريطة طريق»، بمعنى أن ترسم خطة سياسية متكاملة لإسقاط النظام القائم، والسبل الآيلة إلى ذلك، والنظام البديل الذي ستقيمه، وموقع كل فريق فيه، خصوصا الإخوان المسلمين.

وكان لافتا أن جوبيه صافح الدكتور برهان غليون وبسمة قضماني، وهما من مسؤولي المجلس الوطني، علنا للمرة الأولى في مسرح الأوديون، وبحضور مجموعة من الفنانين والمثقفين الفرنسيين والسوريين والعرب. وتعد بادرة جوبيه «رمزية»، لا بل خطوة إضافية على طريق الوصول إلى الاعتراف بالمجلس بعد توافر «الشروط» التي فندتها الخارجية الفرنسية. ولخص برنار فاليرو، الناطق باسمها، الوضع بقوله أمس: «الاعتراف (بالمجلس) سيأتي في وقته، ولن نتخلى عن الضغط على النظام السوري، ولن نترك المعارضة وحدها، وسيأتي يوم يطرح فيه موضوع الاعتراف».

وتقول مصادر واسعة الاطلاع على الدبلوماسية الفرنسية، إن باريس «تريد أن تتعرف أكثر فأكثر على هذه المعارضة وعلى موقع ووزن كل طرف فيها». وبأي حال، ترفض باريس المقارنة بين الوضعين الليبي والسوري، حيث كانت أول دولة تعترف بالمجلس الوطني الليبي، وهو ما فاجأ شريكاتها في الاتحاد الأوروبي، لا.. بل فاجأ أيضا واشنطن. ودفعت باريس أطرافا عربية وغير عربية إلى الاعتراف بالمعارضة الليبية في وقت مبكر جدا.

وخلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في لوكسمبورغ، أول من أمس، دعا جوبيه نظراءه الوزراء إلى توثيق اتصالاتهم بالمعارضة السورية. وقالت مصادر فرنسية رافقت الاجتماع إن ثمة «إجماعا» على الملف السوري بين وزراء الخارجية، ورغبة في الذهاب بعيدا في العقوبات، «طالما دعت الحاجة إلى ذلك»، علما أن خبراء الاتحاد الأوروبي أخذوا يركزون على القطاع المصرفي السوري وعلى الإجراءات الكفيلة بـ«إزعاج» النظام عبره.

وفي باريس، حذر المعارض ميشال كيلو، الذي يعيش في سوريا، من أن استمرار النظام في قمعه للحركة الاحتجاجية والمطلبية سيفضي في النهاية إلى تدخل عسكري أجنبي، سيكون النظام نفسه مسؤولا عنه. وقال في مؤتمر صحافي في مكاتب صحيفة «لو موند» المستقلة إن سوريا «آخذة في التحول إلى مسرح للمواجهة الدولية». والمعارض كيلو موجود في باريس في إطار وفد من تنسيقية التغيير الوطني والديمقراطي في سوريا، التي لم تنضم بعد إلى المجلس الوطني. وشرح كيلو تمنعها حتى الآن بحاجتها للتعرف على برنامج المجلس وموقفها من التدخل الدولي. لكن كيلو الذي يرفض التدخل الأجنبي دعا لتوفير الحماية «القانونية» للمتظاهرين، عبر إرسال مراقبين دوليين، وتنفيذ مضمون المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ويعد هذا الموضوع المثير للجدل أحد أكبر الملفات الخلافية بين تيارات المعارضة السورية الخارجية والداخلية.