الاقتصاد المتعثر يطرح تهديدا جديدا أمام الرئيس السوري

مسؤولون أميركيون وأتراك يعتقدون أن حصيلة العقوبات والاحتجاجات يمكن أن تطيح بالأسد خلال 6 أشهر

مظاهرة في زملكا بريف دمشق، أمس، في «ثلاثاء الوفاء لطل الملوحي» المدونة الشابة المعتقلة
TT

يعاني الاقتصاد السوري من ضغوط عقوبات فرضها الغرب وانتفاضة شعبية ما زالت مستمرة، مما يطرح أكبر تحد لحكومة الرئيس بشار الأسد، حيث إن الآلام باتت عميقة ووصلت تقريبا إلى كافة طبقات المجتمع السوري.

ومع ضعف العملة السورية واتساع رقعة الركود الذي تعاني منه البلاد، وانهيار قطاع السياحة والعقوبات الدولية التي تؤثر على معظم القطاعات المهمة، يتوقع صندوق النقد الدولي حاليا أن يتراجع الاقتصاد السوري خلال العام الحالي بنسبة 2 في المائة على الأقل.

وعلى الرغم من نحو 7 أشهر من الاحتجاج وإجراءات قمعية أسفرت عن مقتل أكثر من 2900 شخص، أظهر الأسد وأنصاره السياسيون قدرا من التماسك فاجأ حتى منتقديه. وقد ظلت الخلافات، التي ربما تكون موجودة، داخل زمرة حاكمة تعتمد على طائفة الأسد وعائلته، ولم تشهد الخدمات الأمنية انقساما حتى الآن.

ولكن يقول محللون في المنطقة ومسؤولون داخل تركيا والولايات المتحدة إن الاقتصاد المتعثر يمثل ضربة مزدوجة إلى حكومة كانت تعتمد على نجاحاتها الاقتصادية كمصدر مهم للشرعية. وفيما تشعر أعداد كبيرة من السوريين الفقراء والأغنياء بتأثير الثورة في حياتهم اليومية، يتردد شعور بالإحباط في الشوارع، حتى داخل دمشق وحلب، اللتين تمثلان أكبر مدينتين ومركزين اقتصاديين في سوريا.

ويشير محللون أيضا إلى أن سوريا يمكن أن تستخدم العقوبات في حشد شعبها ضد تهديد مشترك. وعلى الرغم من أن كلتا المدينتين لم تنتفض كما الحال في مدن سورية أخرى، ما زالت الشكاوى في تنام ويقول مسؤولون أتراك وأميركيون إنهم يعتقدون أن النخبة التجارية بكلتا المدينتين سيتحولون في نهاية المطاف ضد الأسد.

ويقول إبراهيم نمر، وهو محلل اقتصادي في العاصمة دمشق: «لم أعد أستطيع شراء أي شيء لعائلتي، لم أعد أحصل على المزيد من المال وأواجه صعوبات ولا أعرف ماذا أفعل».

وقال رجل أعمال في دمشق، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه خشية الانتقام منه: «لم يعد الناس يشترون أي شيء لا يحتاجون إليه في هذه الأيام، بل بالكاد يشترون الأشياء الضرورية». ويقول مسؤولون أميركيون وأتراك إن ثمة انهيارا وشيكا ويمكن للحكومة البقاء حتى نهاية العام. ولكنهم يعتقدون حاليا أن حصيلة العقوبات والاحتجاجات يمكن أن تطيح بالأسد خلال ما بين 6 أشهر و18 شهرا.

وقال مسؤول بإدارة أوباما شريطة عدم ذكر اسمه: «ننتظر جميعا الشيء الذي سيؤدي إلى انهيارهم. وسيكون هذا هو الاقتصاد الذي سيجعل الجميع ينهضون».

وسوف تنضب عوائد صادرات الغاز والنفط، التي تمثل ما يصل إلى ثلث عوائد الدولة وأكبر مصدر وحيد للعملة الأجنبية، في بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما يدخل حظر كامل من جانب الاتحاد الأوروبي على الصادرات حيز التطبيق. وقد أدت الاضطرابات إلى إصابة قطاع السياحة بالشلل، علما بأنه يدر 7.7 مليار دولار سنويا. وتقول الكثير من الفنادق داخل دمشق إنها ليس لديها أي حجوزات في الوقت الحالي أو في أي وقت مستقبلا، بل يقول بعض ملاك الفنادق إنهم أغلقوا منشآتهم خلال فصل الصيف لأنهم لم يعد يتحملون دفع المرتبات والفواتير. وقال صاحب محل حلويات صغير في سوق الحميدية، وهي سوق قديمة بقلب دمشق، إنه لم ير سائحا واحدا منذ مارس (آذار) عندما بدأت الانتفاضة ضد الأسد. ويضيف: «من الواضح أننا لن نرى سائحا في أي وقت قريب. وأغلق مطعم (ديك الجن)، وهو من أقدم المطاعم وأكثر شعبية في حفلات الزفاف وحفلات داخل حمص، بعد أن بدأت المظاهرات بوقت قصير بسبب قلة العملاء». يشار إلى أن تلك المدينة التي تقع في وسط سوريا تبدو كأنها تشهد حربا أهلية.

ولكن تسيطر مخاوف على الاستراتيجية الدولية لوضع ضغوط على الاقتصاد السوري. ويتناقش مسؤولون أوروبيون وأميركيون بشأن ما إذا كانت العقوبات ستضر السوريين العاديين أكثر من القيادة. ويقول بعض المحللين إن الحكومة ربما تحاول أن تصور نفسها كضحية وتسعى من أجل الحصول على دعم عبر إظهار العقوبات على أنها صراع «لنا معهم». وفي التسعينات عندما فرضت العقوبات الشاملة على العراق، كان كثيرا ما يوجه الغضب الشعبي إلى الأمم المتحدة والغرب، وليس إلى حكومة صدام حسين.

وفي الوقت الحالي وعلى الرغم من الاقتصاد المتعثر، يبدو أن الحكومة تظهر شعورا بالثقة في مواجهة بعض الاحتجاجات الشعبية خلال هذا الصيف في مدن مثل حماه ودير الزور. وقد واجه مسؤولون سوريون عقوبات من قبل، ولكنهم تحملوها وسعوا إلى استعادة عافيتهم بمجرد تحول الظروف في المنطقة. وقد حصل مسؤولون سوريون على دفعة عندما استخدمت الصين وروسيا حق الفيتو مع قرار بمجلس الأمن أدان القمع العنيف لمتظاهرين مناوئين للحكومة الأسبوع الماضي.

ويقول المسؤول الأميركي: «أتفق على أنهم حاليا أكثر ثقة من ذي قبل». وخلال الأشهر الأخيرة، أنكر مسؤولون في وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة المالية في تصريحات علنية إثر العقوبات على الاقتصاد واحتياطي العملة الأجنبية. وفي سبتمبر (أيلول)، قال وزير المالية محمد الجليلاتي إن الدولة لديها 18 مليار دولار في صورة عملة أجنبية، وهي كافية لضمان واردات لعامين. وعلى الرغم من أن معظم الخبراء شككوا في الرقم، فإنهم أضافوا أنه على ضوء عدم وجود شفافية، فإنه من الصعب تحديد المبلغ الفعلي.

ولكن يبدو الأثر الاقتصادي أكبر مما حدث في الأزمات الماضية. ويستعد مسؤولون في تركيا، التي كانت من قبل شريكا تجاريا مهما مع سوريا، لفرض عقوباتهم الخاصة. كما أن أرقام الحكومة السورية نفسها تظهر تراجعا في إيمانها بالاقتصاد.

ونشرت هيئة الاستثمار السورية، وهي هيئة تديرها الدولة تشرف على الاستثمار في قطاعات الزراعة والنقل والبنية التحتية السورية، إحصاءات حديثة تشير إلى تراجع في ثقة المستثمر والمستهلك. وذكرت الهيئة أن 131 ترخيصا لمشاريع استثمارية خاصة صدرت في النصف الأول من العام، بتراجع نسبته 40 في المائة مقارنة بالأشهر الستة الأول من العام الماضي.

وتراجعت أصول في المصارف الخمسة الأكبر داخل سوريا بنسبة 17 في المائة خلال النصف الأول من 2011، فيما تراجعت ودائع المصارف اللبنانية العاملة في سوريا بنسبة 20 في المائة عن نسبتها عام 2010، وفقا لما جاء في تقرير نشره مصرف «بيبلوس» اللبناني.

وحتى الآن أعلن مسؤولون سوريون، يبدو عليهم الارتباك بسبب الانتفاضة وكيفية التكيف معها، عن سلسلة من الإجراءات يقول معظم الخبراء إنه من المحتمل أن تفاقم الأزمة. ومن بين هذه الإجراءات قرار الشهر الماضي بمنع استيراد الكثير من السلع الاستهلاكية لحماية احتياطي العملات الأجنبية السورية. وقد أثارت هذه الخطوة حالة من اللغط داخليا وإقليميا في ما يتعلق بزيادات في الأسعار، مما دفع الحكومة إلى نقض ذلك القرار بعد أسبوع.

ووافق قرار آخر على ميزانية قيمتها 26.53 مليار دولار، بزيادة 58 في المائة عن ميزانية العام الماضي لتكون بذلك الأعلى في تاريخ سوريا. ويقول نبيل سكر، المسؤول السابق بالبنك الدولي الذي يدير حاليا معهدا بحثيا مستقلا في دمشق: «من أين سنأتي بهذا المال؟ هذه علامة استفهام كبيرة، فلدينا الآن عوائد أقل، ولن يساعدنا أحد من الخارج، لدينا احتياطي، ولكنه يتراجع».

وتوجد تقارير غير مؤكد من داخل سوريا عن أن موظفين في بعض المؤسسات العامة طلب منهم المساهمة بما يعادل 10 دولارات شهريا لصندوق خاص يذهب إلى الحكومة.

وعلى مدى أعوام، صور الأسد نفسه على أنه مجدد، فيما انتشرت نزعة استهلاكية في دمشق وحلب على نحو مغاير لما كانت عليه الأوضاع خلال عقود أبيه الثلاثة في الحكم. وفي أبريل (نيسان) الماضي، أي بعد شهر من بدء الانتفاضة، توقع صندوق النقد الدولي معدلات نمو نسبتها 3 في المائة لـ2011 و5.1 في المائة لـ2012.

ويقول خبير اقتصادي في دمشق، اشترط عدم ذكر اسمه خشية الانتقام منه: «كنا في طريقنا للتحرك تجاه اقتصاد قوي، وكنا قد بدأنا نرى زيادة في الاستثمارات الأجنبية والمحلية. وكانت حالة الزخم مستمرة حتى ضربتنا الأزمة. وللأسف أنا متشائم للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»