الإيرانيون يعتقدون أن نجاد وحكومته ليسا على علم بمؤامرة اغتيال السفير السعودي

بعض المحللين الإيرانيين: الحرس الثوري خطط للمؤامرة وأراد أيضا أن تكتشفها واشنطن لتدمير أي قنوات للاتصال بين ممثلي نجاد والولايات المتحدة

أحمدي نجاد
TT

في الوقت الذي كان يجد فيه الإيرانيون صعوبة في استيعاب المؤامرة الإيرانية المزعومة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، اتفق المحللون هنا على أنه حتى لو كانت التهم الأميركية لإيران صحيحة، فإن الرئيس محمود أحمدي نجاد وحكومته لا علاقة لهما على الأرجح بهذه المؤامرة.

إن الأجهزة الأمنية التي تقول الولايات المتحدة بأنها تقف وراء المؤامرة المزعومة - قوات الحرس الثوري وفرع العمليات الخاصة التابع لها والمعروف باسم فيلق القدس - لا تخضع لنفوذ أحمدي نجاد. وقد لعبت القيادات المرتبطة بهذه القوات دورا أساسيا في مهاجمة أحمدي نجاد أثناء خلافه الأخير مع رجال الدين الشيعة ذوي النفوذ القوي والقادة الذين ساعدوا في وصوله إلى السلطة.

وفي ضوء التطورات الجديدة في الصراع الداخلي بين صفوف القيادة الإيرانية، أصبح الرئيس أحمدي نجاد لا يتمتع في الوقت الراهن بنفوذ كبير على أهم وأقوى تنظيمين في البلاد وهما وزارة الاستخبارات والحرس الثوري، حيث يخضع كل منهما لسيطرة الزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي. وحتى في ظل هذا الصراع على السلطة، فإن المنشقين والمحللين الإيرانيين لا يعتقدون أن أيا من القادة الإيرانيين قد قام بمثل هذه المؤامرة الخطيرة.

وقد اتهمت وزارة العدل الأميركية يوم الثلاثاء الماضي «عناصر من الحكومة الإيرانية» بالتآمر لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى الإيراني الأميركي الذي تم اعتقاله في نيويورك، أعلن المسؤولون عن اثنين من المتآمرين وقالوا إنهما تابعان لفيلق القدس وهما غلام شاكوري وعبد الرضا شهلاي. ولا يزال كلا الرجلين طليقين حتى الآن. ورفض مسؤولون أميركيون الإفصاح عن المدى الذي وصلت إليه هذه المؤامرة في القيادة الإيرانية.

ويرى الإيرانيون الذين تم إجراء مقابلات معهم يوم الأربعاء أنه ربما يكون قد تم التخطيط لهذه المؤامرة من قبل العديد من الجناة، بدءا من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وحتى عناصر الحرس الثوري وإحدى الحركات المارقة داخل نظام السلطة في إيران.

وقال صادق زيباكالام، وهو أستاذ في العلوم السياسية ومن المعارضين للحكومة: «هناك بعض العناصر داخل الحرس الثوري تتمتع بدرجة من الاستقلالية، ولكني لا أستطيع الإشارة إلى تورط أي جهة في هذه المؤامرة الغريبة التي تضر إيران وحدها».

ويقول المحللون إن الشيء الواضح هو أن الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية في الوقت الراهن قد أصبحت تمثل عبئا على حكومة أحمدي نجاد التي تتعرض لانتقادات شديدة من مسؤولي وزارة الاستخبارات فضلا عن قادة الحرس الثوري ورجال الدين الشيعة المتشددين.

وفي الآونة الأخيرة، وصفت هذه الجهات كبير مستشاري الرئيس أحمدي نجاد، أسفنديار رحيم مشائي، بأنه «ورم» لا بد من استئصاله من الحكومة، وهددوا بالبدء في إجراءات لإقالة أحمدي نجاد إذا ما رفض قطع العلاقات مع المستشارين الذين وصفوهم بأنهم «التيار المنحرف» والعازم على تقويض نفوذ رجال الدين الذين يحكمون البلاد.

ودخل أحمدي نجاد في خلاف علني مع المرشد الأعلى في شهر أبريل (نيسان) الماضي عندما حاول عزل وزير الاستخبارات حيدر مصلحي، وهو رجل دين شيعي، لكنه اضطر للتراجع عن قراره عندما قام خامنئي بإعادة الوزير إلى منصبه.

وكان أحمدي نجاد يعتزم استبدال شخص آخر بمصلحي من دائرته الداخلية حتى يعزز نفوذه في الوزارة. والآن، يواجه أحمدي نجاد انتقادات علنية من مؤيديه السابقين الذين يتهمونه، من بين أمور أخرى، بالتخطيط لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة.

ويعتقد بعض المحللين أن الحرس الثوري هم من قاموا بالتخطيط للمؤامرة المزعومة لقتل السفير السعودي - ولكنهم أرادوا أيضا أن يتم اكتشافها من قبل المخابرات الأميركية - حتى يتم تدمير أي قنوات للاتصال بين ممثلي أحمدي نجاد والولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، يستبعد آخرون هذا السيناريو، قائلين إن السلطة الإيرانية تسيطر بشكل واضح على السياسة الخارجية، حيث يضطلع خامنئي بمهمة اتخاذ القرارات السياسية الخارجية المهمة، كما أن المراقبة المكثفة من قبل المفوضين السياسيين لا تترك مجالا كبيرا للعناصر المارقة.

ومع الوضع في الاعتبار أن دور إيران الإقليمي يتغير من وقت إلى آخر، فإن بعض الإيرانيين يتساءلون عما إذا كانت هذه المؤامرة تتعلق بالتطورات التي تحدث بالقرب من المحيط الإيراني. ويعترف مسؤولون إيرانيون سرا بوجود مخاوف حقيقية من فقدان سوريا كشريك استراتيجي ويقولون إن الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط تشكل تحديات كبيرة بالنسبة لإيران. وينظر إلى الإطاحة بالحكام المستبدين في المنطقة على أنه يحد من دور إيران في المنطقة.

وقال أحد المحللين: «في ضوء الوضع الراهن، ربما تخسر إيران كثيرا، مع دخول حركة حماس في صفقة لتبادل المعتقلين مع الإسرائيليين الذين ربما شعروا بالحاجة إلى أن يكون لها تأثير كبير على أعدائهم».

واختلف آخرون مع هذا الرأي بشدة، مشيرين إلى أن الأجهزة الأمنية الإيرانية لن تخاطر بمثل هذه المخاطرة الكبيرة لكي تقوم بهذه المؤامرة الغريبة. وقال زيباكالام: «لن تخاطر القيادة الإيرانية بالتورط في اغتيال شخص على الأراضي الأميركية. لماذا يعرضون إيران للخطر بهذه الصورة؟! في الواقع، هذا ليس منطقيا!».

ومع ذلك، هناك بعض الحوادث السابقة والمماثلة لمثل هذه المؤامرة، ففي عام 1980، قام أميركي مسلم يمثل الحكومة الثورية الجديدة في طهران باغتيال علي أكبر طباطبائي الذي كان يعيش في منفاه في واشنطن، قبل أن يلوذ بالفرار إلى إيران.

وسواء كانت هذه الاتهامات صحيحة أو لا، فالشيء الأكيد هو أن المرحلة المقبلة ستشهد فترة عصيبة في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة. وعن ذلك يقول سعيد ليلاز، وهو محلل سياسي كان مسجونا بسبب المشاركة في الاحتجاجات المناهضة لحكومة أحمدي نجاد بعد إعادة انتخابه في الانتخابات المثيرة للجدل في عام 2009: «بغض النظر عن الجهة التي قامت بتلك المؤامرة - سواء من داخل أو خارج البلاد - فقد كانت تهدف بالطبع إلى خلق جبهة دولية ضد إيران. في الواقع، تقوم الولايات المتحدة بتمهيد الطريق بشكل تدريجي لمواجهة مع إيران».