ظهور عسكري مفاجئ لمؤيدي القذافي في طرابلس يحرج الثوار.. واحتدام القتال في سرت

رئيس مجلس ثوار طرابلس لـ «الشرق الأوسط»: أمن العاصمة وسكانها خط أحمر لن نسمح بالعبث به.. وإطلاق الرصاص احتفالا بنبأ القبض الكاذب على المعتصم يخلف 6 قتلى و70 جريحا

مقاتلون من الثوار الليبيين يطلقون النار على القوات الموالية للقذافي في سرت، أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

في الوقت الذي احتدم فيه القتال بين الثوار وقوات القذافي في سرت، تعرض أمس المجلس الانتقالي المناهض لنظام حكم العقيد الليبي الهارب معمر القذافي إلى اختبار صعب بعدما اندلعت معركة محدودة ومفاجئة في العاصمة الليبية، طرابلس، دامت نحو 5 دقائق فقط بين مجموعة يتراوح عدد أفرادها بين 20 و50 مقاتلا مؤيدا للقذافي وقوات المجلس الوطني الانتقالي، بينما أكد عبد الله ناكر الزنتاني، رئيس مجلس ثوار طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، أن المعركة «من تدبير فلول نظام القذافي».

وعلى الرغم من أن الزنتاني سعى إلى التقليل من شأن ما حدث وطمأنة سكان طرابلس عبر الحديث عن تعزيز جميع المنافذ المؤدية للعاصمة وعزل منطقة أبو سليم الشعبية التي شهدت الاشتباكات، فإن ناشطين وسكانا في العاصمة الليبية قالوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن محاولة مؤيدي القذافي بالتظاهر لم تكن الأولى من نوعها.

وبينما يقول الثوار والمجلس الانتقالي إنهم يسيطرون تماما على الوضع الأمني والعسكري في العاصمة وإنه ليس هناك ما يدعو للخوف، اعتبر مسؤول عسكري في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» أن واقعة أمس تستوجب أن ينخرط الثوار بكل كتائبهم العسكرية وسراياهم الأمنية تحت قيادة واحدة، في إشارة إلى عبد الحكيم بلحاج، المسؤول البارز في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والرئيس الحالي للمجلس العسكري المعين من قبل المجلس الانتقالي.

لكن عبد الله الزنتاني، رئيس مجلس ثوار طرابلس، قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إنه أرسل تعزيزات عسكرية وأمنية عاجلة إلى منطقة أبو سليم بناء على استغاثات تلقاها من بلحاج نفسه ومن بعض السكان الذين قال إن من بينهم نساء وفتيات ومواطنين عاديين.

وكشف الزنتاني عن اعتقال 8 من مدبري هذه العملية التي تعد الأولى من نوعها التي تشهدها طرابلس منذ اجتياح الثوار مقر القذافي في ثكنة باب العزيزية وهروبه إلى مكان غير معلوم، نهاية الشهر قبل الماضي.

وقال سكان في المنطقة إن مجموعة المسلحين ظهرت في أبو سليم في وقت سابق وأخذوا يرددون شعارات مؤيدة للقذافي، كما أكد مقاتلو المجلس الانتقالي أن اشتباكات اندلعت أيضا في حي الهضبة القريب.

وقال مقاتل من المجلس يدعى عبد الله: «طلب منهم القذافي في رسالة الليلة الماضية (أول من أمس) أن يخرجوا بعد صلاة الجمعة. لهذا خرج هؤلاء القلة من الناس ليثيروا هذه المشكلة».

وهرعت قوات من المجلس الانتقالي على متن شاحنات صغيرة مكشوفة باتجاه الموقع في حي أبو سليم الذي يعد مركزا لمؤيدي القذافي، بينما قال شهود عيان إن الجانبين تبادلا إطلاق النار من الأسلحة الآلية والرشاشات الثقيلة.

ومثلت عملية طرابلس المفاجئة اختبارا عسيرا للمجلس الانتقالي والثوار الموالين له، كما أظهرت هشاشة الوضع العسكري داخل العاصمة، طرابلس، بفعل الخلافات المحتدمة بين قادة كتائب الثوار حول من له حق قيادة الوضع العسكري داخل المدينة.

وقال الزنتاني لـ«الشرق الأوسط»: «تلقيت استغاثات من عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري لطرابلس، من أجل التدخل وإنهاء هذا الوضع، انتظرنا منه هو أن يفعل ذلك، لكنه طلب منا المساعدة، اتضح الآن أن بلحاج لا يمتلك أي قوة عسكرية وإنما قوة سياسية وإعلامية فقط».

وأضاف: «لو نفذ الثوار تعليمات المجلس الانتقالي بشأن خروجهم من طرابلس وسلموا أسلحتهم لعاد القذافي إلى هنا مجددا في ظل هذا الوضع السياسي والعسكري الملتبس».

وقال الزنتاني إن قواته العسكرية بدأت في تمشيط حي أبو سليم الشعبي الذي اشتهر في السابق بكونه معقلا لمؤيدي القذافي، مضيفا: «إذا لم يتعاون السكان معنا، فسيكون لنا موقف آخر. أمن طرابلس وسكانها خط أحمر لن نسمح بالعبث به من قبل أي جهة، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي محاولة لتقويض الأمن والاستقرار».

ولفت إلى أنه تم اعتقال 15 من الموالين للقذافي خلال الأسبوع الماضي لدى محاولتهم تنظيم مسيرة مؤيدة للقذافي في أحد أحياء طرابلس، موضحا أن محاولات فلول القذافي للإخلال بالأمن لن تتوقف على ما يبدو إلى حين إنهاء الجدل الراهن حول قيادة الثوار العسكرية.

واعتبر أن وسائل الإعلام ضخمت عملية أمس في طرابلس وتعاملت معها بشكل مبالغ فيه مخالف للحقيقة، وقال «نؤكد للجميع أنه لا مكان للقذافي أو مؤيديه مجددا هنا، النظام انتهى والثوار لن تأخذهم أي رأفة بفلول القذافي، فكثيرا ما يسعون إلى إثارة البلبلة والفوضى وإحداث الفتنة».

وكان المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي الذي يعتبر أعلى مرجعية سياسية للثوار، قد سعى إلى إقناع قادة الكتائب العسكرية والسرايا الأمنية المنتشرة في طرابلس بتوحيد قيادتهم تحت إمرة بلحاج، لكن الغالبية رفضت الانصياع للأمر وتساءلت في المقابل عن حيثيات تعيين بلحاج في هذا المنصب.

وتجاهل المجلس الانتقالي اعتراضات الثوار على بلحاج وقرر في المقابل وعقب جولة ثانية من المحادثات التي أجراها عبد الجليل مع قادة الثوار تثبيت بلحاج في منصبه رغم تصاعد الانتقادات العلنية ضده.

وأكد الزنتاني لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مقره في العاصمة الليبية أن الوضع بات تحت السيطرة بعدما تم تعزيز الإجراءات الأمنية حول طرابلس وداخلها، مشيرا إلى أن الهدف من هذه العملية هو الاستجابة على ما يبدو لتحريض بعض المحسوبين على نظام القذافي من خلال قناة «الرأي» الفضائية التي تبث من العاصمة السورية، دمشق.

وكان القذافي قد دعا أنصاره في عدة تسجيلات صوتية إلى محاربة الحكومة الجديدة التي أطاحت به من السلطة عندما سيطرت قواتها على طرابلس قبل نحو شهرين.

وطلب في أحد التسجيلات من الليبيين في وقت سابق هذا الشهر الخروج إلى الساحات بالملايين في كل القرى والمدن والواحات، كما طالبهم بالخروج سلميا وبأن يتحلوا بالشجاعة ويرفعوا الرايات الخضراء التي ترمز لنظامه.

واتهم الزنتاني المذيع المعروف حمزة التهامي، وهو أحد أبرز المؤيدين إعلاميا للقذافي، بالتحريض على هذه العملية عبر برنامج خصصته له القناة التي يمتلكها مشعان الجبوري، وهو معارض برلماني عراقي سابق.

وقال: «لا أعرف لماذا يحبون القذافي لهذه الدرجة؟! هل هو الفقر فقط، أم أنهم ما زالوا يعتقدون أن بإمكان القذافي العودة مجددا إلى حكم البلاد ودخول طرابلس مرة ثانية؟! هذا محض هراء ومجرد نكتة سخيفة». وفي مدينة سرت الساحلية في ليبيا اشتد القتال أمس حيث تردد أن المقاتلين الموالين للعقيد الليبي الهارب معمر القذافي أعادوا تنظيم صفوفهم في محاولة يائسة لإجبار قوات المجلس الوطني الانتقالي على التراجع.

وتحصنت القوات الموالية للقذافي في المباني العالية بالمدينة حيث قاموا بإطلاق النار على قوات المجلس الوطني الانتقالي وفق ما ذكرته تقارير إخبارية. وأظهرت الصور التي بثتها القنوات الفضائية أعمدة من الدخان الأسود ترتفع في السماء وسط أصوات إطلاق نار مستمر، حسب وكالة الأنباء الألمانية. وكانت قناة «ليبيا الحرة» قد كشفت في وقت سابق عن أن قوات المجلس الوطني الانتقالي أرسلت المزيد من الدبابات إلى سرت أمس في محاولة لكسر شوكة مقاومة قوات القذافي في مسقط رأسه.

وقالت إن قوات المجلس تحكم قبضتها تدريجيا على المنطقة المحيطة بسرت منذ أسابيع في صراع قتل فيه العشرات وتسبب في نزوح الآلاف.

وذكرت صحيفة «قورينا» الليبية الجديدة نقلا عن مصدر طبي بمدينة بنغازي أن خمسة من الثوار استشهدوا وجرح 18 آخرون في معاركهم ضد كتائب القذافي في حي الدولار بمدينة سرت أول من أمس.

وأضافت أن 15 جريحا من الثوار وصلوا مساء أمس إلى المستشفى على متن مروحية (هليكوبتر) هبطت بهم في ساحة مستشفى الهواري.

كما ذكرت أن الثوار اضطروا إلى «الانسحاب نحو المقر العام للشرطة قرب الساحة الوسطى في مدينة سرت تمهيدا لاستخدام المدفعية ضد قوات القذافي» التي لا تزال تقاتل في اثنين من أحياء المدينة، وأن معارك عنيفة لا تزال تدور بالقذائف والأسلحة الخفيفة والرشاشات في حي الدولار على المرتفعات الغربية وفي الحي «رقم 2» على ساحل المتوسط شمال غربي المدينة.

وفي ذات الوقت، ذكرت صحيفة «الوطن» الليبية نقلا عن مصدر مسؤول بمستشفى طرابلس المركزي، أن حصيلة المصابين جراء إطلاق الرصاص بشكل عشوائي تعبيرا عن الفرحة بنبأ إلقاء القبض على المعتصم القذافي، الذي نفاه المجلس الوطني الانتقالي على لسان رئيسه مصطفى عبد الجليل لاحقا، قد وصلت إلى 6 قتلى و70 جريحا.