شريط فيديو جديد يصور اللحظات الأخيرة للقذافي وهو يصرخ في الثوار: «حرام عليكم»

المجلس الانتقالي ينفي التمثيل بجثته.. وجدل حول مكان دفنه.. ومصادر لـ «الشرق الأوسط»: عبد الجليل مستاء من طريقة قتله

TT

ظل العقيد الليبي معمر القذافي مثيرا للجدل، حتى بعد موته، ويبدو أنها عادته الأثيرة أينما حل وارتحل، حيا أو ميتا. والجدل هذه المرة ليس بسبب خيمته أو حارساته النساء، أو مكان اختبائه بعد سقوط باب العزيزية، ولكن الخلاف هذه المرة حول كيف قتل وأين سيدفن. ففي اليوم الثاني لمقتل العقيد الليبي ظهرت المزيد من الملابسات حول مقتله بظهور شريط فيديو آخر التقط عبر هاتف جوال لأحد الثوار يظهر فيه القذافي وهو يطلب الرحمة من آسريه، بينما أفادت مصادر بأن جثة العقيد محفوظة في مستودع مبرد في ما كانت سوقا لبيع اللحوم في مصراتة.

وبينت شهادة وفاة العقيد الليبي التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» إصابته في اشتباك بطلقات في الرأس والصدر، بالإضافة إلى وجود آثار لـ3 عمليات جراحية قديمة.

وأرسل مصدر في مستشفى مصراتة نسخة لـ«الشرق الأوسط» من شهادة وفاة القذافي. وصدرت الشهادة من مكتب السجل المدني (المكتب الشعبي) لمدينة مصراتة. وجاءت بياناتها كالتالي: «اسم المتوفى: معمر محمد أبو منيار القذافي»، «النوع: ذكر»، «الجنسية: ليبي»، «الديانة: مسلم»، «مكان السكن: شعبية (محافظة) طرابلس».

كما جاء في تاريخ الوفاة أنه وقع يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 «الموافق الخميس، العشرون من أكتوبر سنة ألفان وأحد عشر». وفي خانة التبليغ الطبي عن سبب الوفاة ورد في الشهادة أنه حدث خارج المستشفى وجاء فيها ما يلي: «سلاح ناري أدى إلى إصابة بالرأس من الجانب الأيسر وبمنتصف الصدر».

وقالت الشهادة أيضا إنه «يوجد آثار عملية جراحية بالبطن من الجهة اليسرى وأخرى من الجهة اليمني وثالثة بالرجل اليسرى وكل العمليات قديمة». وتم تذييل الشهادة باسم الطبيب الدكتور مجدي حسن.

وكشفت مقاطع الفيديو التي تداولاتها مواقع التواصل ووسائل الإعلام العربية والعالمية اللحظات الأخيرة في حياة القذافي، التي أظهرت آخر كلمات القذافي، حيث صرخ في وجهه الثوار الذين ألقوا القبض عليه قائلا: «حرام عليكم»، وكان رد أحدهم: «أنت ما تعرف الحرام».

وتم محاصرة العقيد الذي كان جسده ملطخا بالدماء، بالثوار الذين انهالوا عليه بالضرب، في حالة من عدم تصديق اللحظة التاريخية التي هم بصدد صناعتها. فالعقيد القذافي، الذي حكم بلاده 42 عاما بالحديد والنار، أمام أعينهم عاجزا عن الحركة والكلام، وقام بعض عناصر الثوار بتفتيش القذافي خوفا من أن يكون معه سلاح، بينما قام الآخرون بالتقاط الصور له.

وحمل الثوار القذافي إلى إحدى السيارات، حيث تم اصطحابه إلى مدينه مصراتة ليتلقى العلاج بعد إصابته برصاصتين أصابتا جسده ورأسه، وفق تقرير الطب الشرعي في ليبيا، إلا أن روحه صعدت إلى بارئها.

وانتشر الكثير من مقاطع الفيديو لحادثة إلقاء القبض على القذافي، التي قوبلت من قبل الثوار بالتكبير والتهليل واستخدامهم نفس الألفاظ التي كان يستخدمها القذافي خلال خطاباته أثناء الثورة، وأبرزها: «يا جرذ يا جرذ»، في إشارة منهم إلى العقيد معمر القذافي.

من ناحيته، قال مسؤول في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»، شريطة عدم تعريفه، إن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس، مستاء من الطريقة التي تم بها قتل القذافي على اعتبار أنها أضاعت على الشعب الليبي فرصة تاريخية لاعتقال القذافي وتقديمه حيا للمحاكمة عما اقترفه بحق ليبيا على مدى سنوات حكمه الـ42 الماضية، وأضاف: «كان بالإمكان تجنب كل ما حدث.. تصور لو اعتقلنا القذافي حيا وقدمناه للعالم في قفص الاتهام، إنه مشهد تاريخي سيحظى باهتمام كل سكان الكرة الأرضية من دون جدال».

وأوضح أن عبد الجليل غاضب أيضا من استغلال بعض قيادات الثوار لمقتل القذافي والإعلان عنه دون انتظار صدور بيان أو إعلان رسمي من المجلس الوطني الانتقالي باعتباره الجهة الممثلة للثوار المفوضة بالتحدث رسميا أمام الشعب الليبي والعالم.

وأضاف: «عبد الجليل وأعضاء المجلس استاءوا من الخروج المتعمد لعبد الحكيم بلحاج، مسؤول المجلس العسكري لطرابلس، لإعلان مقتل القذافي، وطريقة قتل القذافي أساءت للمجلس، كما يقول معظم أعضائه».

وتابع: «من الواضح أن أعضاء المجلس وضعوا في موقف محرج، وهم الآن كما تراهم في الفضائيات في تضارب عن كيفية مقتل القذافي ومحاولة تبرير ذلك».

ويقول قادة عسكريون ومسؤولون في المجلس الانتقالي إن التعليمات المعطاة للثوار تتمثل في محاولة اعتقال القذافي حيا وعدم الاعتداء عليه أو التمثيل به إذا تم أسره والحفاظ على حياته بقدر الإمكان تمهيدا لجلبه أمام القضاء الليبي.

وسبق أن تعهد رئيس المجلس الانتقالي بحسن معاملة القذافي في حال اعتقاله، كما هدد بإعلان استقالته إذا ما استمر الثوار في ارتكاب ممارسات تمثل إخلالا بحقوق الإنسان، علما بأن العديد من المنظمات المحلية والدولية انتقدت هذه الممارسات بشكل علني في الأسابيع الأخيرة.

وكان الدكتور محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي، قد أعلن أن القذافي قتل برصاصة في الرأس، وقال: «عندما وجدوه كان في صحة جيدة ومسلحا»، لكن «عندما تحركت الآلية علق في تبادل لإطلاق النار بين المقاتلين الموالين للقذافي وثوار وقتل برصاصة في الرأس»، مؤكدا أنه كان «على قيد الحياة حتى وصوله إلى المستشفى».

وقال إبراهيم تيكا، الطبيب الذي فحص جثة القذافي، إنه أصيب بجروح مميتة.. برصاصة في أحشائه بعد اعتقاله، وأضاف: «أثناء القبض على القذافي كان حيا لكن تم قتله لاحقا، فكانت هناك رصاصة - وهذا ما يرجح (أنه) سبب وفاته الأولية - اخترقت الأحشاء ثم كانت هناك رصاصة أخرى في الرأس دخلت وخرجت من رأسه».

وعقد المجلس الوطني الانتقالي اجتماعا في وقت لاحق من مساء أمس في مقره ببنغازي لإعداد البيان الذي سيصدر متضمنا إعلان تحرير ليبيا والسقوط الرسمي لنظام القذافي بمصرعه، بالإضافة إلى بحث الترتيبات الخاصة بدفن القذافي.

وقال علي الترهوني، وزير النفط في المجلس الانتقالي، إن دفن القذافي تأجل بضعة أيام إلى حين الانتهاء من الترتيبات الخاصة بموقع الدفن، مشيرا إلى أنه طلب من المسؤولين الاحتفاظ بالجثة في «البراد» في مدينة مصراتة بضعة أيام للتأكد من أن الكل عرف أن القذافي مات.

وحين سئل عن ترتيبات الدفن وأين سيدفن القذافي، قال إنه لم يُتخذ قرار بعد، لكن عبد السلام عليوة، أحد قادة الثوار في مصراتة حيث يحتفظ المقاتلون بجثة القذافي في وحدة تبريد في سوق قديمة لبيع اللحوم بالمدينة، قال إن القذافي سيدفن وفقا للشعائر الإسلامية خلال 24 ساعة، وإن جثته بها طلقة واضحة في الرأس.

وقال عليوة إن القذافي سيحصل على حقه كأي مسلم، وإن جثته ستغسل وتعامل بإكرام. وتوقع دفن القذافي خلال 24 ساعة، لكنه ذكر في المقابل أنه لا يعرف حتى الآن مكان الدفن.

وبدا أمس أن ترتيبات الدفن تتضمن الحصول على موافقة قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها القذافي بالإضافة إلى أسرته، حيث أعلن عبد المجيد مليقطة، وهو قائد عسكري كبير في المجلس الانتقالي، إن أفرادا في قبيلة القذافي على اتصال بمجموعة من المقاتلين المناهضين له لمناقشة إمكانية توليهم مهمة دفنه.

وقال إنه إذا كان رجال القبيلة مستعدين للاعتراف بأن القذافي ينتسب إليهم فإن المقاتلين سيسلمون الجثة لأفراد في قبيلة القذاذفة ويحملونهم مسؤولية دفنها في موقع سري.

وأضاف مليقطة في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» أنه إذا كان رجال القبيلة لا يرغبون في تسلم الجثة، فإن مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي سيدفنونها بأنفسهم في سرية مع جثث مسلحين في حاشيته قتلوا معه بالقرب من مسقط رأسه بمدينة سرت، أول من أمس.

وبينما يقول مسؤول في المجلس الانتقالي إنه من المرجح دفن القذافي في مسقط رأسه بمدينة سرت حيث قتل، فإن الأصوات تتصاعد من بعض المتشددين مطالبة بدفن القذافي خارج ليبيا أو في مكان غير معلوم حتى لا يتحول إلى ضريح أو ذكرى للأجيال المقبلة.

من جانبه، نفى عبد الحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي والمتحدث باسمه، لـ«الشرق الأوسط» عن التمثيل بجثة القذافي.

وكان الكثير من الأقوال والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تناولت تعمد الثوار قتل العقيد رغم كونه حيا وقت القبض عليه، كذا تعمد التمثيل بجثته والتجول بها في الشوارع لالتقاط الناس الصور التذكارية له فرحة بإلقاء القبض عليه.

لكن غوقة نفى ما تردد حول ما شاع بشأن تمثيل الثوار بجثه القذافي، حيث قال: «تم نقل القذافي فور إلقاء القبض عليه من سرت إلى مدينة مصراتة، لكنه كان يحاول الفرار من الثوار، وهذا ما جعلهم يحكمون القبضة عليه حتى لا يفر».

ومع كل هذه الملابسات لا يعتزم المجلس الوطني التحقيق في ملابسات مقتل القذافي، كما طالبت، أمس، صفية فركاش، أرملة القذافي، التي تحدثت إلى قناة «الرأي»، الموالية للقذافي، التي تبث من سوريا، وفقا لما أعلنه مالكها العراقي مشعان الجبوري.

وطبقا لما نشره الجبوري على صفحته الخاصة على موقع «الفيس بوك» للتواصل الاجتماعي، فقد قالت صفية فركاش في اتصال هاتفي من مقر إقامتها الحالي في الجزائر: «أفخر ببسالة زوجي المجاهد معمر القذافي وأولادي الذين تصدوا لعدوان 40 دولة وعملائها على مدار 6 أشهر، وأحسبهم عند الله مع الشهداء والصديقين».

وبعدما طالبت الأمم المتحدة بالتحقيق في ملابسات وفاة زوجها، الذي وصفته بالمجاهد، وابنها المعتصم، شكرت قبائل سرت وكل الليبيين الذين قاتلوا مع المعتصم في البريقة وسرت، معربة عن استغرابها من صمت قبيلة المجابرة عن استشهاد ابنهم (الفريق أول) أبو بكر جابر يونس، وزير الدفاع الليبي، الذي لقي حتفه أيضا خلال المواجهات التي دارت أول من أمس في سرت بين الثوار وفلول قوات القذافي.

لكن مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة دعا، أمس، إلى فتح تحقيق كامل في موت القذافي وعبر عن قلقه من احتمال أن يكون قد أعدم، حيث قال روبرت كولفيل، المتحدث باسم المكتب، في مقابلة مع تلفزيون «رويترز»: «هنالك الكثير من الغموض بشأن ما حدث بالفعل. هناك في ما يبدو 4 أو 5 روايات عن طريقة موته»، وأضاف: «إذا ما جمعت شريطي الفيديو هذين معا فكلاهما مزعج لأنك ترى شخصا اعتقل حيا ثم ترى نفس الشخص ميتا».

وتابع: «لسنا في وضع يسمح لنا بقول ماذا حدث حينها، لكننا نشعر أن من المهم للغاية توضيح هذا، لذا يجب أن يكون هناك تحقيق جاد في ما حدث وفي أسباب وفاته».

وسئل عما إذا كان يشعر بالقلق من احتمال تعرض القذافي للإعدام خلال أسره فقال كولفيل: «يجب أن يكون هذا أحد الاحتمالات عندما تشاهد تسجيلي الفيديو. وبالتالي هو أمر بحاجة لإجراء تحقيق»، مشيرا إلى أن من المبادئ الأساسية للقانون الدولي أنه يجب محاكمة المتهمين في جرائم خطيرة إن أمكن.

إلى ذلك، أجلت الخلافات بين المجلس الوطني الانتقالي والثوار المسلحين إعلان تحرير ليبيا بعد مقتل العقيد المخلوع بسبب اعتراض قادة الكتائب العسكرية وسرايا الثوار على إعلان التحرير من العاصمة الليبية، طرابلس.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن المستشار عبد الجليل سيحذر مجددا في بيانه المرتقب صدوره اليوم من الانفلات الأمني في العاصمة، طرابلس، وسيطالب قادة لكتائب وسرايا الثوار بالانصياع لتعليمات المجلس الانتقالي والبدء في تسليم أسلحتهم بالتزامن مع إنشاء جيش وطني على أسس حديثة وعصرية.

وعقد المجلس الوطني الانتقالي اجتماعا في وقت لاحق من مساء أمس في مقره بمدينة بنغازي لإعداد البيان الذي سيصدر متضمنا إعلان تحرير ليبيا والسقوط الرسمي لنظام القذافي بمصرعه، بالإضافة إلى بحث الترتيبات الخاصة بدفن القذافي.

وكشفت مصادر مطلعة في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن بعض الثوار طالبوا بإعلان التحرير من مدينتي مصراتة أو الزنتان، على اعتبار أنهما لعبتا دورا أساسيا في دحر قوات القذافي العسكرية والقضاء عليها وتحرير مختلف المدن الليبية من قبضته، مشيرة إلى أن المجلس فضل في المقابل وفي محاولة للتوصل إلى حل وسط إعلان التحرير من مقره في مدينة بنغازي باعتبارها أول مدينة ثارت في وجه القذافي في السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

ووفقا لبيان تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه في القاهرة طالب مشايخ وأعيان قبيلة القذاذفة في ليبيا بتسلم جثث القذافي وأبنائه لدفنهم في موطنهم، سرت، ودعوا المجلس الانتقالي إلى الاستجابة لهذا المطلب الشرعي.